الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة التنموية

27 يوليو 2010 21:55
درج استخدام مفهوم التنمية بصورة مكثفة منذ عدة عقود، ويقصد به -على نحو الإجمال لا التخصيص- رفع مستوى الدخل القومي بزيادة متوسط إنتاج الفرد من خلال تهيئة وبناء مختلف قطاعات الدولة لخدمة وإنجاز ذلك الهدف. وبما أن الفرد هو الأساس في عملية البناء الوطني، وزيادة الدخل القومي للدول، فلا بد إذاً من البدء بتنمية قدرات وإمكانات هذا الفرد الذاتية والتوجه العلمي الصريح والواضح لتهيئته نفسياً وعقلانياً وعملياً (على مستوى العلم والمهارات التطبيقية). وحتى تنمو مواهب الأفراد وتنمو مقدراتهم وقابلياتهم الذاتية، لابد من وجود مناخ اجتماعي وثقافي وسياسي مناسب يشكل حاضنة ملائمة لنمو وبروز واستثمار تلك الاستعدادات والقابليات الفردية، وهذا بدوره يحتم توفر فضاء سياسي قانوني دستوري يمارس الناس فيه حقوقهم في التعبير عن معتقداتهم وآرائهم وقناعاتهم السياسية والثقافية بصورة صحية وسلمية تداولية، يكون فيها المشترك العام هو خدمة الناس والأفراد تحت سقف القانون والنظام العام الذي يتفق عليه كل أفراد المجتمع ضمن آليات ديمقراطية سلمية بعيداً عن توسل واستخدام أدوات العنف الرمزي والمادي. ولكي يتحقق في أي مجتمع نوع من التشارك والاندفاع الجماعي الحقيقي المؤثر في اتجاه خدمة عملية التنمية الهادفة إلى تطوير واقع الفرد والمجتمع على مستوى بناء أسس ومعايير اقتصادية صحيحة تساهم في زيادة الإنتاج والدخل الفردي والوطني، لابد من تعميم ثقافة التنمية بين جميع مكونات المجتمع، وعلى مختلف المستويات، بدءاً من أصحاب القرار، إلى مختلف البنى الاجتماعية والاقتصادية البشرية، حيث أن التنمية المنظمة والشاملة، هي التي تشارك فيها كل المؤسسات والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويساهم فيها الجميع. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عملية التنمية باتت حالياً ثقافة عمومية ومسؤولية عامة، لا تختص بفئة أو شريحة معينة، كما أنها لم تعد حصراً وحكراً على نخب اقتصادية أو غير اقتصادية بذاتها، لأنه إذا كان مطلوباً رفع وزيادة دخل الفرد، فلابد من رفع إنتاجيته وفاعليته عبر توفير المناخ السياسي والاجتماعي الأنسب والأفضل لتبلور طاقاته ومواهبه كما ذكرنا، وهذا المناخ الصحي التداولي التشاركي هو الذي يمكن أن يسمح للفرد ذاته بالمشاركة المبدعة في عملية التنمية وعياً وثقافة وعملاً.. وفي اعتقادي أن أحد أهم أسباب الفشل الذريع الذي لحق بكل مشاريع التنمية في عالمنا العربي حتى الآن، يكمن في ابتعاد الفرد وتغييبه قسرياً -بالرغم من كونه أساس ولب وجوهر عملية التنمية- عن المشاركة الواعية والفاعلة في العملية التنموية الفردية والمجتمعية. من هنا نعتقد بضرورة تهيئة الأجواء الثقافية والإعلامية والاجتماعية المناسبة لإطلاق المبادرات الجادة الهادفة إلى دفع الفرد باتجاه الانخراط الجدي والحقيقي في مختلف مشروعات التنمية، وذلك عبر التوجيه الصحيح الدائم، والاستمرارية في العمل الدؤوب والصادق. لأن الواقع العربي العام صعب ومعقد وينذر بكوارث حتمية أكثر مما هو قائم حالياً على مستوى السياسة من خلال سيطرة الاستبداد ونزع ممارسة السياسة -وما ينتج عنها من حقوق وواجبات وحريات فردية وعامة مسؤولة- من المجتمع، وعلى مستوى الاقتصاد من خلال وجود ما يزيد على 140 مليون مواطن عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع، ارتفاع معدلات البطالة حيث تصل نسبة الشباب العاطل عن العمل إلى ما يزيد على 50 في المئة من السكان بالنسبة لبعض الدول العربية، مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الأعلى في العالم كله. وهنا يتمثل التحدي العربي الأكبر -كما تؤكده كل تقارير التنمية- في ضرورة توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر القادمة أي بحلول عام 2020. نبيل علي صالح - كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©