الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إرساء ثقافة «حرمة الجسد» أهم أولويات حماية الطفل من الإساءة

إرساء ثقافة «حرمة الجسد» أهم أولويات حماية الطفل من الإساءة
15 مايو 2011 19:43
تعددت الآراء والمفاهيم والطرق والوسائل والثقافات حول كيفية تحقق «حماية الطفل»، ويقف كثيرون من الآباء والأمهات عاجزين عن ترجمة مفاهيم الحماية المرجوة إلى إجراءات عملية، بغض النظر عن كون هذه الحماية مسؤولية أسرية أو مجتمعية. فإنها من دون شك ليست مجرد توفير المأكل والملبس والمسكن، أو تقديم أوجه الخدمات الصحية والمادية للطفل، أو مجرد منع الضرر والإيذاء الجسدي، بل هي وقائية تضمن التحصين النفسي والمعنوي والإنساني في المقام الأول. الاعتداء والإساءة النفسية والمعنوية أوالجسدية على الأبرياء الصغار أصبحت شكوى عالمية تؤرق مجتمعات عديدة، وهو ما دفع كثيراً من الدول لسن قوانين رادعة للمتحرشين بالأطفال، وأصبحت من أخطر القضايا الاجتماعية التي يتم التكتم عليها خشية الفضيحة العائلية أو العار الاجتماعي. إلا أن هناك دراسات عديدة كشفت أن الآباء والأمهات أنفسهم لا يزالون غير مدركين تماماً للمخاطر التي يتعرض لها أطفالهم، وأن نسبة كبيرة منهم عاجزة عن ترجمة مفهوم الحماية لدى أطفالهم بشكل صحيح. إذن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق، كيف ينجح الآباء والأمهات في خلق ثقافة للحماية الذاتية عند الطفل نفسه؟ وكيف بإمكانهم غرس هذه الثقافة لديه في سن مبكرة لتجنب مثل الكثير من المشاكل والكوارث غير الأخلاقية التي يمكن أن يتعرض لها؟ وماذا يقول خبراء التربية في هذا الإطار؟ «السذاجة» المفرطة يشير الاختصاصي الاجتماعي جاسم عبيد، إلى أنه من الممكن أن يتعرض الأبناء في سن الطفولة إلى كلام أو أفعال مهما كانت بسيطة أو كان غير مقصودٍة من صور الإساءة والاستغلال النفسي أو المعنوي أو الجسدي بما يسبب مشاكل عديدة تُهدم أركان شخصيتهم، وأن ما يكتسبه الطفل من خبرات سلوكية مبكرة سارة أو أليمة، إيجابية أو سلبية، تتراكم لتشكل معالم شخصيته في المستقبل، وكثير من الاضطرابات النفسية، كاضطراب التأقلم والتكيف، والعصاب، والقلق، والرهاب، والاكتئاب، واضطراب السلوك، واضطراب العناد، ترجع إلى خبرات طفولية أليمة. وأن ظاهر المشكلة يكمن في أن كثيرين من الآباء والأمهات يفترضون حسن النية، وبين»حسن النية»و»السذاجة» شعرة ضئيلة، فالقريب الحنون والجار الطيب، والصديق المخلص قد يكونون هم أنفسهم «الوحوش المتخفية» الذين ينبغي أن نحذر أطفالنا منهم. ومغزى الخطورة هنا، أن الحنان الزائد قد يكون قناعًا يخفي مآرب دنيئة. وبالتالي فإن الخطوة الأولى لتحقيق الحماية للأطفال، تجنيبهم سلبيات هذه الصورة بنوع من الحذر الإيجابي، وعدم الانسياق خلف «السذاجة» المفرطة. مفهوم الحماية الاستشارية الأسرية في العين، إنعام المنصوري، تُشير إلى أهمية فهم الآباء والأمهات لمعنى الحماية، وتتساءل: «إذاً كان السواد الأعظم من الآباء والأمهات يعتقدون أنهم يكفلون تحقيق الحماية اللازمة لأطفالهم، فهل الأطفال في حاجة إلى حماية بالفعل؟ وما هو تعريف مفهوم «الحماية»، وفي ضوء ذلك لابد أن يعي الآباء والأمهات أو إدارات المدارس أو أي جهة تتعامل مع الطفل، بكيفية تقييم أنفسهم وأدائهم وفعالية متابعتهم للطفل، ولابد من توضيح واستيعاب وفهم أوجه هذه الحماية بمستوياتها النفسية والمعنوية والجسدية، وهذا يستلزم أن يكون لديهم الحس والحد الأدنى من فهم معنى الحماية، وكيف يمكن أن ينقلوا هذا الفهم لأطفالهم في لغة بسيطة، وواضحة، بما لا يجرح مشاعر الطفل. وهذا لا يتأتى إلا بالصراحة والوضوح والمكاشفة والحوار، حتى يعي الصغار مالهم وما عليهم، وما هي حدود العيب، أو الحرام، أو الممنوع والمسموح بما يتناسب وأعمارهم وأجناسهم ذكوراً أم إناثاً». كذلك تؤكد الاختصاصية النفسية منى اليافعي، أهمية إرساء حرية تعبير الطفل عن عواطفه وحاجاته وانفعالاته، لأنها عملية مهمة للغاية لاستقراره النفسي، وتعد من أهم مستلزمات الصحة النفسية والبدنية للطفل والراشد على حد سواء، لأن أساليب التكيف لديه ـ التي تستمر عادة إلى مرحلة المراهقة ـ لم تصل بعد إلى الدرجة الكافية التي تمكنه من إيجاد البدائل الصحيحة أو المتاحة التي يتمكن من خلالها تفريغ ما لديه من شحنات عاطفية أو انفعالية. فإذا لم يكن المناخ المنزلي والأسري يتيح للطفل الفرصة الكافية كي يعبر عن عواطفه وأحاسيسه وحاجاته بحرية، فإنه سيعاني الكبت والضغوط والتوترات، وإلا سيضطر إلى اللجوء إلى أصدقائة أو أى فرد من خارج الأسرة من المحيطين به، أو سيضطر إلى التعامل مع عواطفه وانفعالاته»المكبوتة» داخلياً بما يفضي به في النهاية إلى دوامة من الاضطرابات النفسية، إذ أن العواطف «المكبوتة» تتحرك نحو «اللاشعور» وتستقر به، وتعبر عن نفسها في صورة أعراض عصابية، أو سلوكيات انحرافية. وقد يقع الطفل فريسة هذا التخبط، أو يصبح عرضة للإساءة و الاستغلال من دون فهم أو إدراك». أدوات معرفية الدكتورة هبة قطب الأستاذة بكلية الطب واستشارية العلاقات الزوجية، توضح آلية إكساب الطفل للأدوات المعرفية والسلوكية الدفاعية لحماية نفسه، وتقول: «من خلال عملية التربية المتدرجة، يكون دور الآباء موجهاً نحو إكساب الطفل مهارات وأسلحة وأدوات معرفية وسلوكية دفاعية لحماية نفسه من الإساءة والأذى، وعلى وجه الخصوص المعرفة والثقافة الجنسية، لأنه كطفل لا يحتاج غالباً إلاّ إلى هذا النوع من المعرفة، حيث يكون دور الأب والأم منصباً على التربية الجنسية السليمة، وتكوين ثقافة جنسية طبيعية وسوية لدى الصغار يراعى فيها عمر الطفل، والمستوى العقلي، والتدرج المعرفي، وتبصيره بحقيقة ثقافة «العورة» وحُرمة الجسد، وكيف يميز بين ما هو طبيعي وما هو شاذ أو غير مألوف، وكيف يُدرك مبكراً مقدمات الانتهاك أو الخروج عن المألوف ولا سيما مع الأطفال الأكبر سناً أو الكبار من الأقارب أو الذين يتعاملون معه في البيت والشارع والنادي والمدرسة». وتؤكد الدكتورة قطب القيم المعرفية والسلوكية الصحيحة في ضوء عمر الطفل ومحيطه الاجتماعي والدراسي والعائلي والديني، وأيضاً كيفية تسليح الطفل بالأدوات السلوكية التي يمكن بواسطتها تفادي الإساءة أو الضرر، وكيف يكون قادراً على أن يقول «لا»، وأن يمنع أو يحتج أو يرفض أي سلوك من الغير يستشعر أنه يتنافى مع القيم والمعارف التي تزوَّد بها من والديه». وتضيف: «من الأهمية أن نُعلم الطفل ألا يستسلم لرغبات أي طفل آخر تتعارض مع ما تعلمه، وأن يتزود بمعارف «دفاعية» للرفض عند أي تحرش، كأن يقول «لا» أو يصرخ أو يستنجد بالغير، وعدم كتمان الخوف، وأن يعي أن صاحب الحق دائماً قوي، وأن المعتدي الآثم دائماً ضعيف وجبان وإن كان كبيراً في السن لأنه يخشى الناس والمجتمع، لذا لا يتردد في فضحه إن بادر بالتحرش به». وتؤكد في هذا السياق أهمية فتح قنوات الحوار والمكاشفة والصراحة والجرأة بين الآباء والأمهات أطفالهم، وبناء جسور المودة والثقة، وهذه الثقة تعد من أهم الأدوات التي تزود الأطفال بها». أما عن الطرق التي يمكن أن تزود الطفل بأدوات دفاعية وثقافة معرفية من خلالها تقول هبة قطب: «يمكن أن نقدم أي معلومة للطفل من خلال الحكايات والقصص غير المباشرة، والرسوم المتحركة، والأفلام والكتب المصورة، والمجسمات، وغيرها من الأدوات المعرفية والثقافية التي تعزز ثقافة الخير وانتصار الحق ودحر الشر وإعلاء القيم الإيجابية». ثقافة إعلاء شأن الذات تشير الدكتورة هبة قطب إلى أهمية ترسيخ ثقافة إعلاء شأن الذات والكبرياء والكرامة لدى الطفل مبكراً، ونبذ قيم الخنوع والاستسلام، وأن يعي تماماً كيفية الحفاظ على عورته، وأهمية أن يحافظ على كرامته، وكيف يكون مرفوع الرأس دائماً، وذلك في إطار ديني وأخلاقي وتربوي، بدءاً من علاقته بإخوته وأشقائه وشقيقاته داخل البيت، وأن يعلم جيداً أن هُناك حدوداً وخطوطاً حمراء لا يتجاوزها ولا يفرط فيها بأي حال من الأحوال». وتؤكد الدكتورة قطب إلى أن «حماية الطفل» تبدأ من الأيام الأولى من عمره. وتقول:»حماية الطفل» تبدأ مع التنشئة الاجتماعية المبكرة. ومن خلال خبرتي العملية أستطيع أن أجزم بأن كثيراً من الاضطرابات السلوكية السلبية إنما هي نتيجة للتربية الخاطئة التي تخلق شخصيات هشَة وجوفاء. لذا فإنني أؤكد أهمية سعي الأسرة إلى تنشئة أبنائها على القيم الأخلاقية والفضائل، وتزويدهم بثقافة الصبر ومهارات كبح جماح الرغبة والغرائز، وأن تعلمه كيف يكون قاهراً لذاته من دون تفريط أو انحراف أو اعوجاج، وهي قيم لا يكون بالإمكان غرسها في الأطفال من دون وعي وثقافة والتزام وانضباط أسري أو مدرسي».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©