الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المشكلات السياسية للأحزاب العربية الصراعات الداخلية والتقاطعات الخارجية

23 يناير 2006

محمد أبو الفضل:
برغم أن عملية التطور السياسي قطعت شوطا مهما في عدد من الدول العربية، غير أن الأمراض التي تعاني منها أجساد القوى المعارضة لا تزال ثابتة، مما يمثل خطورة على التجارب التي نمت وتطورت في الآونة الأخيرة، والمثير أن مشكلات الأحزاب الحاكمة في غالبية الدول لا تقل خطورة عن مثيلتها عند المعارضة ، ولعل ما يحدث منذ فترة على الساحة المصرية يعكس جانبا واضحا من هذه المعادلة ، فقد دخلت معظم الأحزاب الرئيسية والهامشية نفقا مظلما بفعل الانقسامات الهيكلية والخلافات السياسية ، يهدد الكثير من الكيانات ويدخلها مربع التجميد، الذي استقبل خلال الفترة الماضية حالات عدة، منها الغد ومن قبله بسنوات الأحرار والعمل، وأصبح الحزب الناصري وربما التجمع أيضا قاب قوسين أو أدنى من دخول الثلاجة ومواجهة المصير ذاته، حيث بدأت مؤشرات الخلاف تتصاعد داخلهما ، عقب فشل كل منهما فى الحصول على عدد معتبر من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، يتواءم مع تاريخهما ، وفي هذا الاطار أصبح رفعت السعيد رئيس حزب التجمع يواجه احتجاجات واسعة على معظم تصرفاته ، تنذر بعواقب وخيمة ·
وفشلت كل الجهود في إعادة الحياة السياسية إلى هذه الأحزاب وأن الانقسام ظاهرة أساسية، وما حدث قبل أيام من تصحيح أو انقلاب للهيئة العليا لحزب الوفد على رئيسه نعمان جمعة وإزاحته يفتح الباب لمزيد من الصراعات الداخلية، بما يهدد مستقبل أحد أبرز وأهم أحزاب المعارضة المصرية، كما أن عملية المراجعة التي يقوم بها الحزب الوطني الحاكم لتصويب بعض المسارات ومعالجة نقاط الضعف التي كشفتها الانتخابات التشريعية قبل أسابيع من المرجح أن تنقل الخلاف المكتوم بين عدد من القيادات الى العلن، فعملية الاصلاح تتطلب اجراءات جديدة يمكن أن تؤثر على المكانة الحزبية لبعض الأشخاص ، وطالما أن الاجتهادات تقفز على الأمراض ولا تعالجها ،فإن المشكلات ستظل جاثمة بلا حراك ويستمر التآكل ويتواصل الدوران في الحلقة المفرغة ·
4 أمـراض أساسيـة
والواقـع أن غالبية الأزمات فى الأحزاب السياسية العربية متقاربة، من حيث الأسباب التي أدت الى شيوع حالات الانسداد في دول كثيرة ،والدوافع التي قادت الى ظهور أعراض متنوعة في قوى حزبية معارضة ، قديمة أو حديثة ، ليبرالية أو يسارية ، علمانية أو ثيوقراطية ، والتداعيات التى أفضت أو يمكن أن تفضي إليها هذه الظاهرة، إذ خلقت مناخا مليئا بالتوجسات والعلاقات المضطربة، بشكل ضاعف من صعوبة التوصل لقواسم مشتركة تصلح لكي تكون منطلقا لركائز تساهم فى اثراء الحياة الحزبية ، وبالتالي فالتوقف عند مجموعة من المشكلات الرئيسية يساعد في التعرف على أماكن الداء، بما يسمح في النهاية بوضع تشريح وتحديد روشتة للعلاج تعطي أفقا إيجابيا للشفاء ·
أولها: حداثة التجربة في كثير من الدول العربية أدى الى الوقوع في أخطاء ربما يصعب تلافيها في المدى القريب، وحتى الدول التي تملك ميراثا طويلا في التجربة الديمقراطية خاضت غمار مرحلة من الانقطاع فبدأت من المربع الأول، فقد امتلكت مصر إرثا جيدا من التعددية قبل ثورة يوليو 1952 ، وعندما جرى استئناف النشاط الحزبي في أواسط السبيعينات من القرن الماضي وضعت الحكومة بعض القيود لضمان سيطرتها عليه، ولم تنضج التجربة حتى الآن بصورة كافية، وبها عيوب منعت وصولها لغاياتها الايجابية وثقوب حالت دون نجاحها سياسيا، بعضها تتحمله الأحزاب بسبب تقديراتها وتوجهاتها، والبعض الآخر يرجع الى أجندة الحسابات التي فرضت جملة من القيود على الحكومات المصرية المتعاقبة لافساح المجال أمام تحركات القوى المعارضة بحرية واسعة، وخلقت العشوائية في تكوين الأحزاب حالة من الفوضى السياسية ، وهو ما فسره خبراء بالرغبة في مظهر ديمقراطي دون الحرص على جوهره، والتعطش السياسي لدى بعض النخب بعد فترة من الحرمان، لذلك لا يعرف معظم المراقبين العدد الحقيقي للأحزاب المصرية في غالبية الأحيان ·
ثانيها : تعرض عدد كبير من أحزاب المعارضة لاختراقات من الحكومة المصرية عطل نمو دور المعارضة ومساهمتها في العملية السياسية بحيادية وبالتبعية تراجع زخم الحياة الحزبية ، كما أن انتقال البعض من صفوف المعارضة للحزب الحاكم ، تحت الحاح اغراءات معنوية وسياسية، فرغها من نخب كانت من الممكن أن تلعب دورا فاعلا في هياكلها، وأخفقت لحسابات مصلحية وقيود حزبية في إظهار اضافتها داخل أطر الحزب الوطني ، ويفضي استمرار هذا المنحى الى زيادة الخلافات والفجوات عند كل الأحزاب فى الحكومة والمعارضة ، ويضعف في حصيلته العملية السياسية برمتها، ويجهض أي محاولات جادة للوصول الى صيغة جيدة للمعادلة الحزبية المصرية ، التي أضحت تتحكم في بعض مفاتيحها ما يسمى بـ ' الشللية ' أو الطائفية السياسية في دول أخرى ·
ثالثها: وجود سلسلة من العقبات الخارجية ، تتمثل في التناقضات التي تظهر من حين لآخر، بين الاعتبارات الداخلية التي تقوم بموجبها التوازنات الحزبية وبين رؤى بعض الأقطاب والقوى الخارجية لقضايا فى صميم المصالح الوطنية، واذا كانت الضغوط التي تمارسها حكومات عربية بشكل عام على معارضيها تدفع الى ضرورة الاستفادة من الأجواء الخارجية ، فإن الأضرار السياسية التى تترتب عليها ليست هينة، ففي حالة الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد المصري (المحبوس حاليا) ، أدى التركيز الغربي على مساندته في البداية الى استثمار منافسيه لهذا الاتجاه وممارسة مزيد من الضغوط السياسية عليه، لاسيما أن الاهتمام الغربي لم يتواصل أو يتبلور في شكل إعطاء أولوية لهذه القضية، فأضرت حسابات المصالح المزدوجة بين الغرب والقاهرة بأيمن نور ، في زاويتي التشجيع والابتعاد ·
ورابعها: إصابة أعداد كبيرة من النخب الثقافية المؤثرة بالاحباط ، جراء التأزم الحاصل في القمم والقواعد الحزبية ،فضلا عن تزايد الشعور بعدم جدوى محاولات العلاج بآليات تفتقر للنجاعة السياسية ، وأدى عزوف كثير من القيادات النشطة الى إتاحة الفرصة لأنصاف الموهوبين للتقدم الى الصفوف الأولى ، لذلك من أهم خطوات الاصلاح الحزبي توافر درجة من العافية السياسية ، مصحوبة بوسائل اقناع تجذب الشخصيات التي نأت بنفسها وتخرجها من عزلتها الاختيارية ، لتنخرط في المعادلة الراهنة ، على أمل امكانية نجاح مساهماتها في تنشيط الواقع الحزبي والسياسي وتصويب الاتجاهات داخل الأحزاب ، بما يقلل من السلبيات الحالية التي ألحقت أضرارا بالغة بالتجربة·
3 خيـارات رئيسيـة
اللافت للانتباه أن قوى المعارضة العربية تحت الاحتلال تبدو أكثر نشاطا من مثيلتها في ظل الاستقلال ، وبالتوقف عند كل من التجربتين الفلسطينية والعراقية نتبين ملامح ذلك بجلاء ، وبرصد التطورات الانتخابية يتأكد صواب هذا التحليل، وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى ثلاثة أسباب جوهرية لهذه الحالة ، الأول أن وجود الاحتلال خلق معارضة مناهضة له لديها مشروعا وطنيا لإنهائه، مما تطلب تحركات وجهود تعكس هذه الرغبة واقعيا ، والثاني إشادة بعض الحكومات العاملة تحت الاحتلال وتقديرها لدور المعارضة وتجنب المواجهة المباشرة أو الدخول فى صدامات سياسية، حتى لا تقف على أرضية موازية للاحتلال ،والثالث تحول فاعلية المعارضة الى رصيد ايجابي للسلطة الوطنية ، في الحالتين الفلسطينية والعراقية ، للحصول على مكاسب وتنازلات من قوات الاحتلال ·
وبرأى بعض المراقبين أن النشاط الحزبي على الساحة المصرية بحاجة لتقويم موضوعي لتلافي الأخطاء التي ظهرت تجلياتها عندما بدأ المناخ يتسع لمزيد من الحريات ، ومن أبرز الشواهد التي تحتاج لتصحيح عاجل ، تزايد الأفراد والجماعات الناشطة بعيدا عن الأحزاب وسحب بعض تنظيمات المجتمع المدني البساط من تحت أقدامها ،وأصبح الحديث عن حركة كفاية وأخواتها مثل التجمع الديمقراطي للتغيير يدعو للتفاؤل ، بينما ما يجري من تطورات داخل أحزاب الوفد والغد والتجمع والناصري يدعو للتشاؤم، كما ان التطويق الأمني للحراك الحزبي يمثل عائقا سياسيا خطيرا، ففي حوار سابق ' للاتحاد ' مع رفعت السعيد رئيس حزب التجمع أكد أن القيود الأمنية لعقد مؤتمرات جماهيرية أرخت بظلال سلبية على نشاط حزبه وغيره من الأحزاب المصرية، علاوة على أن ضعف الأداء الديمقراطي داخلها يمنع ترسيخ قيم الحرية، ويشكك المواطنين فى توجهاتها السياسية ، ولا يمكن التغافل عن حالة عدم الثقة التي تنتاب فئات كثيرة ازاء عدم جدوى التطورات التي فتحت المجال لممارسات سياسية في أجواء تتسم بشيء من العافية·
وقد استفادت حركة الاخوان المسلمين من الفراغ الذي خيم على الساحة السياسية في مصر،لأن كل الأحزاب باتت مشغولة بخلافاتها وتجاذباتها عن الشارع ، وحققت الجماعة تقدما ملحوظا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث حصدت 88 مقعدا ، وهو ما أثار علامات استفهام وتكهنات متعددة ،خاصة أن غياب القوى المنافسة ،يدعم استمرار حلقات الصعود، التي استندت الى قوة تنظيم الاخوان الذي قام على' هيراركية 'محكمة ونشاط أهلي مؤثر جذب أنظار كثير من المواطنين ،فضلا عن التضحيات الكبيرة التي قدمها أفراد الجماعة مقارنة بالقوى الأخرى، الى جانب التجديد في الخطاب وتقديم رؤى حضارية لقضايا شائكة
( الأقباط والمرأة والحريات ) · وعلى ضوء هذه المعطيات هناك ثلاثة خيارات يمكن أن تؤثر على شكل الخريطة الحزبية فى مصر، الأول ظهور تيار ليبرالي جديد، يتلافى أخطاء الغد ويتجاوز مشكلات الوفد ، والثانى تحالف فئات من القوميين مع عناصر من اليساريين والاندماج في اطار سياسي يعطى بارقة أمل في العودة الى نوع من أنواع التحالفات السابقة ، مع الابتعاد عن أخطائها المريرة ، والثالث المزيد من الصعود لجماعة الاخوان ،بما يفرض على القوى الأخرى التكاتف لتقديم اجتهادات موازية ، والنتيجة النهائية لهذه الخيارات تستنهض القوى المنافسة من كل الاتجاهات لتجديد الدماء وصياغة أفكار تتلاءم مع الواقع ومتطلباته السياسية ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©