الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آباء يهربون وأمهات يتحملن المسؤولية

آباء يهربون وأمهات يتحملن المسؤولية
10 نوفمبر 2008 23:43
مع بزوغ خيوط الفجر الأولى تبدأ رحلة تعب الأمهات في تحضير الأبناء للمدارس ليكونوا، في الموعد المحدد، صفوفهم الدراسية، وبعد عدة ساعات من العمل المنزلي الشاق يعود الأولاد، لتبدأ فترة المذاكرة أو متابعة الدروس وحل الواجبات المدرسية التي غالبا ما توكل للأم، وأغلب الآباء يتجاهلون متطلبات واحتياجات الابناء الدراسية، ويلقون بالمسؤولية كاملة على كاهل الزوجة، التي تكتفي بالعتاب الصامت، وتتحمل في صبر أعباء كل شئ في البيت· اتصلنا ببعض الأمهات وبادرنا بسؤال بعضهن عن المذاكرة للأبناء ومن يقوم بها في البيت وهل هي من مسؤولية الأب أو الأم؟ فأجابت أم حمد: لدي أربعة أبناء أقوم بتدريسهم ومتابعة جميع ما يقومون به في البيت من أعمال وواجبات، ولا أذكر يوما أن زوجي جلس بالقرب منهم وحاول مساعدتهم، فأصبحت تجاوزا أقوم راضية بهذه المهمة وأغض الطرف عن الحديث في الموضوع، لأن زوجي غالبا ما يتنصل من المسؤولية بحجة التعب والإرهاق من جراء الشغل وضغوطاته، بهذا أقوم بمتابعة دراسة أولادي، لكن أيام الامتحانات أكون متعبة جدا· وتقول أم امحمد، وهي أم لخمسة أبناء أكبرهم يدرس الهندسة بإحدى الجامعات الأمريكية: من بداية حياتنا الزوجية ومنذ دخل ابننا الأول الروضة الأولى أقوم بهذه المهمة بنفس راضية، خاصة أن مستواي العلمي لا بأس به، لكن أن أقوم بذلك يوميا، فإني أشعر بالتزام تجاه مهمة صعبة لا أجد من يريحني منها يوما من أيام الدراسة، ونادرا مايساعدني والدهم خاصة في بعض المواد التي تحتاج الكثير من الجهد كالرياضيات أو الكيمياء· وفاطمة أحمد، أم لبنتين، تحكي قصتها مع المذاكرة ومتابعة دروس بناتها كل يوم بعد انتهاء الدوام المدرسي·· تقول: لازالت بناتي في الصفوف الأولى، وهن في حاجة ماسة لمساعدتي في اجتياز أولى خطواتهن المدرسية، وهن كذلك في حاجة ملحة للرعاية لهذا أقوم بتدريسهن ولا أحتاج حاليا لمتابعة الأب، ولكن ربما قد أرتكب خطأ بذلك بتعويد والدهم على إلقاء المسؤولية كاملة على عاتقي· أما المدرسة صفاء، فكانت إيجابية في طرحا للموضوع، إذ فسرت ابتعاد الأب عن مساعدة الأبناء ومتابعة دروسهم أو الإشراف عليهم لضيق سعة صدره، إذ تتساءل كيف يذاكر الأب للطفل ويتحمل حماقاته الطفولية وشغبه وهو لا يطيق طيفه أمام جهاز التلفاز، معقبة لا أظن أن الأب يستطيع الجلوس ساعات بجانب ولده يدرسه إلا نادرا، وهذا ما تجمع عليه أغلب صديقاتي اللواتي تحملن مسؤولية متابعة الأطفال مكرهات، سواء بالاشراف والمتابعة بتكليف بعض أساتذة دروس التقوية خاصة لبعض المواد التي تستدعي التخصص أو بالتدريس مباشرة، وتضيف: هناك بعض الآباء لا يعرفون في أي صف يدرس أولادهم أو المدرسة التي يدرسون بها، أو لا يكلفوا أنفسهم زيارة المدرسة والسؤال عن سلوك أولادهم ومتابعتهم· الآباء يردون أما الآباء الذين اتصلنا بهم واستطلعنا آراءهم، فكان لبعضهم وجهة نظر أخرى ولديهم مبررات للعزوف عن مساعدة أبنائهم في استذكار دروسهم وتأدية واجباتهم·· فيما أكد البعض الآخر الحرص الشديد على المذاكرة للأبناء ومتابعة كل شؤونهم· وللإحاطة بالموضوع من كل جوانبه سألنا بعض الآباء عن مشاركتهم في تدريس يقول أبو أيمن: لا أظن أن ساعات الدوام وضغوط العمل والحياة اليومية تترك لي مجالا للجلوس بالقرب من طفلي وتحمل المزيد من ''تشتنج الأعصاب''، زيادة على ذلك أعرف مسبقا أن هناك من يقوم بالمهمة أحسن مني، خاصة وأن علامات أولادي بالمدارس جيدة، وبذلك لم أتدخل يوما في هذه الحلقة· ويقول علي، وهو مدرس لغة عربية: أتابع وأدرس كل الأولاد في المدرسة التي أعمل بها، ودرست أجيالا، لكن أولادي لم أتابع قط أحدا منهم، إلا نادرا، عندما تشتكي والدتهم عصيانهم وتمردهم وإهمالم لواجباتهم المدرسية، وأنصرف لبعض المهام خارج الدوام للقيام ببعض المشاريع الخاصة· أما السيد أحمد السويدي فيجيب بخجل: كيف لا أجلس مع أصحابي وأخرج معهم وأتنفس عبق الحرية بعد تعب الشغل، كيف أقضي كل وقتي بالبيت أجالس الأطفال، فهذه مهمة موكولة لولدتهم، وإن لم تستطع، فإني قادر على الدفع لمدرس خصوصي من أجل إراحة نفسي ومساعدتهم دون عناء· ويتابع: يكفي ما أقوم به من واجبات مادية وتحضير كل لوازم البيت· ويتساءل: ألا يكفي كل هذا التعب ليضاف إليه عناد الأطفال ودلعهم المبالغ فيه· استثناء من القاعدة وإذا كان هذا حال أغلب الآباء، فإن هناك استثناءات إيجابية، حيث يحرص بعض الآباء على المتابعة وتلقين ابناءهم المعارف العلمية والسلوكية ومساعدتهم في كل شؤونهم وليس فقط في تأدية واجباتهم وفروضهم المدرسية··· يقول السيد عبد الصمد، وهو أب لأربعة أولاد وبنت اسمها فرح، أنه رغم ضغوطات العمل ورغم ما يقوم به من أعمال اضافية خارج الدوام الرسمي، فإنه لا يهمل أبدا المساهمة في تربية أبنائه، إذ يحرص على تحفيظهم القرآن الكريم ليرتبطوا بتعاليم الإسلام وليكتسبوا فصاحة لغوية ويحصلون على أعلى العلامات في مدارسهم·· يتحدث مزهوا بما يقوم به، ويؤكد أنها مسألة تعود فقط، وهي مسؤولية لا تخلو من ألم ولذة· تفسير علمي وحول التفسير العلمي لظاهرة عزوف معظم الآباء عن مساعدة ابنائهم في استذكار دروسهم ·· يقول الدكتور أحمد بن بطي، أستاذ علم الاجتماع بالمنطقة التعليمية في رأس الخيمة: توكل مهمة مذاكرة الأبناء للأم تلقائيا دون مشاركة الأب غالبا، نظرا لضيق نفس الأب، والمعروف أن الأم بطبيعة تكوينها صبورة وقادرة على تحمل مشاغبات الأبناء اكثر من الأب، ومن جهة ثانية فإنه نظرا لما يتحمله الأب من ضغوط الحياة اليومية وأعباء خارج البيت فإنه قد لا يجد متسعا من الوقت للقيام بالواجبات التي قد تظهر له ثانوية، زد على ذلك أن الطفل كثير الحركة والشغب والأب بطبعه يميل للهدوء والسكينة فهو قليل الصبر، أما الأم وبحكم تركيبتها النفسية و تواجدها اليومي مع الطفل فهي أقدر على تحمل المتاعب، فأمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك لم تقال عبثا، فالله أعطاها كل المقومات لتكون متحملة صبورة· يضيف الدكتور بن بطي: قد يعاني الطفل من انعكاسات وجدانية وعاطفية بسبب غياب التواصل مع والده، لأن الملبس والمأكل ليس سقف ما يصبو له الإبن، وأظن أن البيئة لها تأثير عميق في نفسية الرجال، فالجبلي أو البدوي مثلا أقل صبرا على مشاغبات الأبناء من الساحلي، ولذلك قد يكون الساحلي أكثر قدرة على التواصل مع أبنائه، رغم تساويهم في عدم المشاركة والمتابعة للأبناء في حياتهم المدرسية التي تنحصر في مخيلتهم في دفع أقساط المدارس فقط، وتعد المذاكرة آخر اهتماماتم· جفاء وفتور يقول الدكتور أحمد بن بطي: بعض الآباء يساعدون في تربية أبنائهم ويقومون ببعض المهام المنزلية لمعاونة الزوجة على إدارة شؤون البيت، لكن يبقى الموروث التربوي يحكمنا ويتحكم فينا، فبعض الآباء مثلا يخجلون حتى من حمل أو تقبيل أبنائهم على الملأ، وكل ذلك له انعكاسات سلبية على الأطفال إذ يحس الإبن بجفاء الأب وقد يتطبع بهذه الطباع السيئة، فلابد من مشاركة فعالة ومجدية· تأثيرات سلبية ابتعاد الأب عن الأولاد في جميع مناحي حياتهم ينتج عنه ظاهرة سلبية جدا تتمثل في عدم التصاق الأولاد بآبائهم، ولا نرى لهفة في عيون طفل جافاه والده، وهذا بالطبع يترك فراغا عاطفيا في أعماق الصغار، وكل هذه الصور تظل في العقل الباطن لأولادنا لتطفو فيما بعد في علاقاتهم مع أبنائهم وفي سلوكيات حياتهم العامة·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©