السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المشرق العربي والحروب النفسية

12 مايو 2013 20:53
ما كتب وقيل عن الحرب النفسية من شأنه أن يوّلد الشكوك والهواجس لدى البعض في كل شيء، ويعزز لدى البعض الميل نحو المؤامرة لدى تفسير كل الأمور المحيطة به. وفي مثل هذه الأدبيات إفاضة في الحديث عن التخطيط الخفي والاستخدام الذكي (أو الشيطاني) لجميع الأدوات التي يمكن أن تساهم في تحقيق غايات معنوية، شريرة في الغالب، مثل القضاء على إيمان الجمهور أو الطرف المستهدف بذاته وبثقته بنفسه وتحطيم إراداته، جماعياً وفردياً، وشلّ عقله وتحطيم نفسيته وبث اليأس في أوساطه في محاولة لكسب الحرب قبل أو من دون قتال. وشهد الاهتمام بأبحاث وقواعد الحرب النفسية ذروته في الحرب العالمية الثانية ثم في الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي والسياسي بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي. حينها كان يمكن رصد مظاهر هذه الحرب ودراسة آلياتها ومفاعليها خلال فترات كافية بما يؤدي إلى استخلاص بعض النتائج والاتجاهات. حصل ذلك في وقت كان يمكن تحديد المصادر المعلنة والمعتمدة في هكذا حرب، مثل دراسة وسائل إعلام من يشنّها وتحليل مضمونها ودراسة سلوك جماعات مقرّبة منه، هذا إلى جانب نشاط الوسائل المخفية مثل عمل الجواسيس والمخابرات والاتصالات الخ. ومع ذلك فإن الكثير مما تمخض عن تلك المرحلة تضمّن الكثير من التنظير الذي حاول أصحابه البناء على «تجميع» عشوائي وكمّي للأحداث للتعويض عن النقص في المعطيات والبيانات والخبرات المباشرة. ولهذا لم تثمر الكثير من الدراسات عن فوائد ملموسة ، خاصة وأن الحرب النفسية تنطلق وتُصمّم في غرف سوداء ومقفلة لا تخضع للرقابة في أكثر النظم شفافية. وبذلك يمكن القول إن الحرب النفسية أقرب إلى الممارسات والأساليب والخطط التي لا يمكن تعميمها في كل مكان وزمان. فيها عناصر علمية ولكنها بعيدة كلياً عن العلم مهما استخدمت من تقنيات وفنون «غسل الدماغ». رأيي هذا في الحرب النفسية لا يقلّل من خطورتها في العصر الراهن. بل على العكس. كما أن أسلحتها تطورت كثيرا في الوقت الراهن. كان الإعلام (التقليدي) مثلاً أحد أهم أدوات الحرب النفسية في القرن الماضي، إلى جانب الاقتصاد والتكنولوجيا وجماعات «الطابور الخامس» وأجهزة المخابرات، ومع انتشار وسطوة الإعلام الجديد أصبح بلا شك أكثر أهمية وخطراً. لكن كل ذلك لا يخفف من النسبة العالية من العشوائية في الدراسات والأدبيات التي تناولت هذا المجال. إن صعوبة الإمساك بعناصر الحرب النفسية تزيد التوجس منها ومن أخطارها، لدرجة يُهيّأ معها استحالة التصدي لها. هذا في حالة الحرب النفسية الواحدة وعندما يكون هناك طرفا صراع اثنين وواضحين. وفي حالة تعدد الحروب والنزاعات الخارجية والداخلية المميتة، كما حال العالم العربي وحوله، ولاسيما في مشرقه، فقد أصبحنا عرضة لحروب نفسية متعدّدة ومتشابكة بمقدار تعدد هذه الصراعات والأطراف المنخرطة فيها. مبدئياً، نتائج هذه الحروب يجب أن تكون هجينة وغير حاسمة، نظراً لتعدد واختلاف أطرافها. لكن ما يحدث هو العكس. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©