الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنصتت قصيدته للفضاء المغربي

أنصتت قصيدته للفضاء المغربي
28 يوليو 2010 20:37
بعد فوزه بجائزة الغونكور الفرنسية العريقة وجوائز عالمية كثيرة، فاز الشاعر والروائي المغربي الشهير الطاهر بن جلون بجائزة الأركانة العالمية التي يمنحُها بيت الشعر في المغرب، الذي أسسه الشاعر المغربي محمد بنيس. وتشكلت لجنة الجائزة برئاسة الشاعر محمد السرغيني وعضوية محمد العربي المسّاري وعبد المجيد بن جلون وحسن نجمي وعبد الرحمن طنكول ومحمد بناني ونجيب خداري وخالد بلقاسم. ومما جاء في بيان لجنة التحكيم: بالشعر بَدَأ الطاهر بن جلون الكتابة قبْلَ أنْ تقودَهُ إلى السَّرد، ولكنْ مِنْ غير أنْ يتنكرَ لِفِتنةِ البدايةِ الشعرية ووُعودِها. هكذا أتاحتْ لهُ الكتابة، على مدى قرابة نِصْفِ قرن، إقامة خَصيبَة بيْنَ شكليْن إبداعييْن، عَرَفَ الطاهر بن جلون كيفَ يُديرُ حواراً سِرِّيّاً بينهما بما يُقوّي وشائجَهُما، في ممارستِهِ النصية، ويجعل كلاًّ منهما يغتذي من الآخر. بهذِهِ الإقامة، أيضاً، اِنخرَطَ الطاهر بن جلون في الكتابة مِنْ داخِل حَيَويةِ سُؤال الأدب. حَيَوية اِحتفظتْ على رهاناتِها البعيدة، وأمَّنت، في الإنجاز النصّي، التعايشَ البنّاء بين السَّردِ والشعر، ومَنعَت الأوّلَ مِنْ أنْ يَحْجُبَ الثاني، على نحو ما هو بيِّنٌ مِنْ عناصِر تفاعُلِهما ووشائِجهِ الظاهرة والخفية في مختلف أطوار المسار الكتابي الطويل. تنضوي البداية الشعرية للطاهر بن جلون ضِمْنَ الوعْدِ الذي اِستنبَتتْهُ، منتصف الستينيات، مجموعة أنفاس بأعضائها الثلاثة: عبد اللطيف اللعبي ومصطفى النيسابوري ومحمد خير الدين، في سياق مجتمعي صعب، لمْ يَمْنعْ هذه المجموعَة مِنَ الحُلم، ومِنْ إشراكِ القصيدَةِ في النهوض بما يَسْتحِقهُ هذا الحُلم. وقد اِرتبطت كتابة الشاعر الطاهر بن جلون، مُنذ النصوص الأولى، بألمِ الإنسان وبالدفاع عن قيم الحرية والكرامة، وهو الارتباط الذي تشعّبَ فيما بَعْد، مُنصِتاً لِهذا الألمِ لا في بُعْدِهِ الوطني وحسْب، وإنّما، أيضاً، في بُعْدِه الكوني. من المجموعةِ الشعرية الأولى: “رجالٌ تحت كَفن الصّمت” إلى المجموعة الأخيرة “جِنِين وقصائد أخرى”، عَدَّدَتْ قصيدةُ الشاعر الطاهر بن جلون مَسَالِكها إلى ما تُعيدُ بناءَهُ عَبْرَ التخييل، وعَثرَتْ على مَسَاربها الصّامتة حتى نَحْوَ كتابَتِهِ السَّردية نفسِها. فقدْ أنصَتتْ قصيدتُهُ للفضاءِ المغربي اِنطلاقاً مِنْ إعادَةِ كتابةِ المُدُن المغربية شِعريّاً. كما حَرَصَت على إرساءِ شِعْريتِها بالاشتغال على الهامش وعلى بناء ذاكرةٍ لم تكن تُفرِّط في تمَسُّكِها بالمستقبل. ذاكرةٌ مُستقبلية تغتذي لا مِنَ المُنفتِح في الماضي وحَسْب، بل، أيضاً، من اِحتمال الآتي. وإلى جانبِ ذلك وفي تفاعلٍ معه، عَبَرَتْ كتابتُهُ الشعرية بالمتخيل المغربي والعربي إلى لغةٍ أخرى، بما جعلَ اللغة الفرنسية، التي اِختارَها الطاهر بن جلون مادّةَ كِتابَتِه، تنطوي على ما هو مغربي، مُؤمِّنة لهُ حواراً ثقافيّاً منفتحاً. في شِعْرهِ، يحضرُ العنصر المغربي مُتفاعلاً مع ثقافةِ لغاتٍ أخرى، تضخُّ فيه دِماءً تمنعُ اِنغِلاقهُ وتسْمَحُ لِلقصيدةِ أنْ تُضمِرَ أصواتاً مُتعدّدة، تُبعِدُها عن حُدودِ الصوْتِ الواحد. ولكنّ الدّّمَ المغربي، في كلِّ ذلك، يَظلُّ، من داخل هذا التفاعل والوعْي الكتابي المُصاحِبِ لهُ، ساريّاً في عروق اللغة التي بها يكتبُ الشاعر الطاهر بن جلون. وفي هذا السريان، تَحْفظ القصيدةُ نسَبَها إلى الهُوية المغربية انطلاقاً من حمولة تخييلية، فيها وبها يتحاوَرُ الوطني والعربي والكوني. مارسَ الشاعر الطاهر بن جلون الكتابة بما هي مسؤولية، وتصدّى شعرُهُ للقضايا المصيرية، وفي مُقدّمتها القضية الفلسطينية، التي تحْضُرُ في مُنجَزهِ اِنطلاقا مِنْ رَصْدِ فداحَةِ الدَّمار ومِنْ إدماج الشهداء الفلسطينيين في البناء النصي، بما يَسْتتبعُهُ هذا الإدماجُ مِنْ تفاصيلَ صامتةٍ، تُخوِّلُ للقصيدة أنْ تُواجهَ النسْيَانَ بلغةٍ رَفِيعَة، وأن تُدينَ الخَرَابَ بإيقاعِ الكلِمَةِ الشعرية واستعاراتِها. إنّ استحقاقَ التتويج بجائزة الأركانة العالمية لا يُكرِّسُ الطاهر بن جلون شاعراً مغربيّاً مُنصِتاً لحِوَار العالَمِ وحسب، بل يَكشِفُ، أيضاً، تعَدُّدَ الألسُن واللغات في خريطة الشعر المغربي المعاصر، وحَيَوية هذا التعدّد في إغناءِ الشعرية المغربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©