الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بارجيل».. حاضن إماراتي للفن التشكيلي

«بارجيل».. حاضن إماراتي للفن التشكيلي
28 يوليو 2010 20:48
درس في فرنسا في منتصف التسعينيات، فتعرف وقتها على روائع التحف في دور الآثار والمتاحف الباريسية، وأكثر ما كانت تستهويه المتاحف الخاصة، فعاد ومعه فكرة إنشاء متحف مختلف يحتضن الأعمال الإبداعية للفنانين العرب، فأسس مؤسسة “بارجيل” للفنون كفضاء متنوع، ضمن مقتنياتها الآن أكثر من 500 قطعة فنية، غالبيتها لفنانين عرب، ويقدم معرضاً مفتوحاً طوال العام. في رواق “بارجيل” في الطابق الثاني من مركز مرايا للفنون، في منطقة القصباء، الفينيسية الملامح، بالشارقة استقبلنا سلطان سعود القاسمي، وخصنا بجولة في فضاء مقتنيات من أندر التحف الفنية في عالمنا العربي. بدأ سلطان سعود القاسمي حديثه معنا من التسمية، لأن اختيار الاسم له دلالاته الخاصة، فـ”بارجيل” في المسمى التقليدي هو برج للتهوية في سقف البيوت التراثية القديمة بالإمارات، وله دلالات عديدة مرتبطة بإكرام الضيف والأصالة، لذلك كانت هذه الكلمة المستوحاة من التراث، هي المناسبة لهذا الفضاء كمتنفس للفنانين يرحب بهم ويحتضن أعمالهم، من أجل خلق فضاء مستدام وتواصل فني لحفظ وتوثيق التراث البصري في عالمنا العربي، والذي يعكس ملامح مختلفة من المحيط إلى الخليج، فالفنان حين يرسم بالنسبة له يوثق لتاريخ من حق أجيال قادمة أن تطلع عليه، كما أنه يقدم من خلال أعماله الفنية صوراً عن مجتمعه وتطلعاته، لذلك يقول القاسمي، “أنا لا أهتم بعمر اللوحة بقدر ما أهتم بمضمونها وقيمتها الفنية، وأبعادها الجمالية”. ورغم أن مجموعته تضم مقتنيات تعود إلى الأربعينات من القرن الماضي، فإنه أيضاً يمتلك مجموعات لا يتجاوز عمرها العام، لكنها في فضائها تشكل خلخلة لمفاهيم أو قيم وثوابت على المستوى الفني، لأن الحالة الإبداعية بالنسبة له مستمرة ولا عمر لها، وما هو جميل هو الذي سيحوز السبق. يسافر كثيراً للمشاركة في المعارض الفنية وفي مزادات الفن، ويركز بدرجة أولى على الإنتاج العربي والمواهب العربية، لأنه يرى أنه في عالمنا العربي، وحسب ما شاهد توجد كنوز فنية لا حد لها، رغم ضعف الإمكانات وشح الموارد، ويراهن على مستوى الفن العربي في الفترة الأخيرة، لأن الفن في الغرب ـ رغم التراكمات الفنية التي يمتلك ـ بالنسبة له أصبح يتجه إلى عدمية في الرؤى وضبابية في التصورات، أما الاتجاهات الفنية الحديثة لبعض الفنانين العرب، فمن حقها أن يعاد النظر إليها ويحتفى بها، لأنها بدأت ترسم وتؤسس خصوصيتها وفرادتها. ولا ينتهي الشغف بالفن، لأنه يطمح إلى أن يصبح الفن متاحاً للجميع، ويؤمن بفكرة دفع الناس للتذوق الجمالي، وفي هذا الصدد أقام في رواق “بارجيل” معرضاً سنوياً مفتوحاً للجميع، ترافقه معارض ثانوية وأنشطة أخرى لتكريس جماهيرية اللوحة والمقتنى الفني، وهو يقدم الدعوة لكل الفئات العمرية لزيارة الرواق، وخصوصاً طلبة المدارس والمؤسسات التربوية والتعليمية في الإمارات بشكل عام، وفي الشارقة والمناطق المحيطة بها بشكل خاص، لربط الأجيال بالفن، وتعزيز مفاهيم التربية الجمالية. مشاركة وفعاليات وخلافاً للنشاطات الفنية التي تنظم بشكل دوري في رواق بارجيل، قال سلطان سعود القاسمي إن المؤسسة تشارك على المستوى الخارجي، سواءً بقطعها الفنية أو بتنظيم معارض أو زيارات تبادل فني وثقافي مع كبريات الدور والمؤسسات المهتمة، كما تعير قطعها أيضاً لمعارض ومتاحف دولية، من ضمنها إعارة لمتحف “بومبيدو” في فرنسا، وقطع ستشارك في معرض في ألمانيا للفنان السعودي عبدالناصر غارم، كما شاركت في جناح الإمارات في مهرجان أصيلة الثقافي الأخير في المملكة المغربية بعمل للفنانة سمية السويدي، وستشارك في شهر ديسمبر المقبل في معرض في مدينة ميامي في الولايات المتحدة عن الفنون العربية. ولا يقبل سلطان سعود القاسمي من الضمانات لإعارة اللوحة إلى المؤسسات والمعارض الدولية إلا التأمين على اللوحة، من تاريخ تسلمها حتى لحظة الاسترداد، لأن تنقل القطعة وحركتها من الأسباب التي تعرضها للتلف، وهو يقول إنه يوفر في رواق معرضه ومقتنياته كافة معايير وشروط الأمان، ضمن مواصفات خاصة لحفظ أعماله الفنية. ويقول إن طموحاته تتمثل في أن يعرض مجموعته الفنية في أهم دور العرض العالمية، أو أي مكان أو تظاهرة بها حراك ثقافي حتى يوصل رسالة الفنانين العرب، ويقدم لوحات لهم تنافس على المستوى العالمي. مد الجسور وعلى مستوى التبادل الثقافي، قال سلطان سعود القاسمي إن بارجيل استقبلت منذ إنشائها وفوداً من مختلف الأقطار، حيث نظمت زيارات لمجموعة من طلبة كلية العلوم السياسية في باريس، ومجموعة أخرى لكلية الاقتصاد في لندن، والهدف من هذه الزيارات هو تعريف الآخر بمستوى الفن العربي، وتغيير الصورة النمطية عن العرب، ومد جسور للتعاون والشراكة بين الشرق والغرب. “فالفن يفتح باباً جديداً للحوار بين العالمين، وللأسف العرب يعتمدون في ذلك على الساسة، ومؤسسات المجتمع المدني تلعب دوراً كبيراً في هذا الحوار، لتقريب وجهات النظر، فالفن يستمد نفسه من الجمهور بدرجة أولى لأن الصورة تعكس ألف كلمة، وعن طريقه نقدم ذواتنا بشكل أفضل، لإعطاء تصور جميل عن العالم العربي، وعن سماحة قيمنا وثقافتنا”، ويستطرد سلطان سعود قائلا “إن الفن يلامس قضايا الإنسان العامة، وهي نفس الهموم المشتركة بين كل الشعوب”. الشغف الباريسي وعن بدايات الشغف قال سلطان سعود القاسمي إن لأيام الدراسة في باريس بين العام 1994 و1998 دورها الكبير، حين كان يمضي جل الوقت بين المتاحف والمسارح ودور العرض الفنية، وكان يجد آنذاك براحاً من الوقت كطالب، حيث كان يتابع دراسته في الجامعة الأميركية في باريس، ورغم تخصصه في مجال دقيق من مجالات الاقتصاد، لم يثنه ذلك عن الفن والثقافة، لأنه يجد فيها نفسه أكثر، فبدأت رحلته مع المقتنيات، وحينما عاد للإمارات قرر أن يعطي الأولوية لهذا المجال ويدعم الفن العربي بصيغة ما. وقد لاحظ غياب المتاحف الخاصة في عالمنا العربي، وهي فضاءات على المستوى الأوروبي تحتضن النوابغ من الفنانين، فقرر إنشاء مؤسسة فنية لها معرض دائم مفتوح يحتضن الأعمال الإبداعية للفنانين العرب، فكانت مؤسسة بارجيل للفنون هي ذلك الفضاء، وقد بدأت تخلق مكانها وتستقطب مرتادين فنيين، وتخلق شراكات وتساهم في الحراك الثقافي، واليوم تمتلك أكثر من 500 قطعة فنية أغلبها لفنانين عرب. وهذا مهم أيضاً لتوثيق تاريخنا الفني العربي المعاصر، يقول سلطان، لأن هناك ثيمات فنية في غاية الإبداع تشكل تطوراً كبيراً في استخدامات الفنان العربي، وهي مستمدة من ما يحيط بهؤلاء الفنانين في بيئاتهم المحلية، لكن تجمع بينهم عناصر مشتركة ورؤى واحدة تعبر عن تطلعات الفرد والمجتمعات، فالتوثيق البصري للهموم الإنسانية هو التوثيق الحقيقي. ويضيف إنه يعطي الأولوية دائما لأعمال الفنانين العرب، لأنها كما يقول أعمال تعبر عن بيئته، وتاريخه، وقيمه، وهويته، ويستطرد في القول إنه يوجد فنانون مميزون في عالمنا العربي لا تتيح لهم الظروف عرض لوحاتهم رغم قيمتها وجماليتها ومضامينها في كل الأماكن، لذلك تقدم بارجيل الأعمال العربية لفضاءات أرحب. ويتمنى سلطان سعود القاسمي أن تكثر مثل هذه الفعاليات، لأنها مهمة، ويقول نحتاج لمؤسسات أخرى شبيهة على غرار بارجيل للفنون في عالمنا العربي لترقية مستوى التذوق وتقديم الإبداعات العربية بشكل أكبر مما يساعد في انتشارها، وفي هذا الصدد يقول إنه لا يمانع في التنسيق الفني مع أية مؤسسات شبيهة ترى النور في أية دولة عربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©