الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الميتالجيون مراهقون يتمردون بالموسيقى

23 يناير 2006

دمشق ـ عمّار أبو عابد:
أثناء حفل موسيقي أقيم في سبتمبر الماضي في صالة سينما الزهراء بدمشق، فوجئ الجمهور بمجموعة من الشباب ذوي اللحى واللباس الأسود شبه الموحد وهم يقومون بأعمال شغب وتخريب داخل الصالة ويثيرون الفوضى ويظهرون سوء الخلق والسلوك الفج، مما أوقف الحفل الموسيقي واستدعى تدخل رجال الأمن·
هذه الحادثة لفتت الانتباه إلى ظاهرة غريبة تفشت بين شرائح قليلة من الشباب السوري تسمى (الميتالجية)، وهم يتواجدون عادة في الحفلات الموسيقية وفي صالات الديسكو، ويمكن مشاهدة بعضهم في أروقة الجامعات وفي الأماكن العامة· فمن هم هؤلاء (الميتالجية)؟ هل هم موسيقيون متمردون؟ أم (عبدة شيطان) جدد؟! هل هم شاذون ومشوهون نفسياً أم مجرد مراهقين يخالفون المألوف والمعتاد، ويتمردون عليه، وما سر الملابس السوداء واللحى والوشوم الغريبة على أيديهم ووجوههم وأجسادهم؟ وتلك (الحلوق) التي يضعونها في آذانهم وأنوفهم؟!
لم تكن رحلة البحث عن هؤلاء شاقة! لكن إقناعهم بالحديث كان هو الشاق! أما التصوير فقد كان مستحيلاً، لأن هؤلاء يشعرون أنهم تحت (المراقبة) وهم يخشون من اطلاع الجهات الأمنية على هوايتهم وهوياتهم؟! وبالتالي يمكن استدعاؤهم للتحقيق والتدقيق!·
سمير (21 عاماً) بادرنا بالقول إن التلفزيون هو الشيطان الحقيقي، فهو الذي ربط في أذهان الناس أن (الميتالجي) الذي يرتدي الزي الأسود هو من عبدة الشيطان، وقد شاهدت ذلك في مسلسل مصري، كما شاهدته في ندوة نقاش على إحدى الفضائيات اللبنانية مما عزز الاعتقاد أن كل من يرتدي الأسود، ويتزين بالحلق والوشم، ويطلق شعر رأسه ولحيته هو من عبدة الشيطان!
وأنت هل تنتمي إلى (عبدة الشيطان)؟
ـ أنا لا أنتمي إلى شيء! لا إلى الشيطان ولا إلى غيره· أنا أنتمي إلى نفسي، أحب (الميتال) وأستمع إليها، وأكره المألوف والمكرر، لأنه يشعرني بالملل·
ولكن لماذا ترتدي هذه الملابس السوداء؟
ـ إنها مسألة ذوق واختيار، فأنا حر! ولا تؤثر علي أذواق الآخرين أو ملاحظات أسرتي السقيمة! إني أجد نفسي في هذه الملابس، وأرتاح لها·
والوشم والحلق والأساور الجلدية أليست غريبة؟
ـ هي غريبة من وجهة نظرك، أما بالنسبة لي فهي عادية، وأشعر أنها جزء من شخصيتي·
هل كنت في حفل سينما الزهراء؟
ـ هل أنت شرطي··!
لا أنا صحافي كما ترى!
ـ إذن لماذا تسألني هذا السؤال، لتثبت علي تهمة!
لا، لكني أريد أن أعرف لماذا حصل ما حصل؟
ـ لم تكن الموسيقا مناسبة، كانت سخيفة وبعيدة عن (الميتال)، لقد خدعوا الشباب فتمردوا عليهم وأوقفوهم!
ألم يكن ما جرى جزءا من طقوس معينة؟
ـ (نظر بارتياب وحذر) لا أعرف عن ماذا تتحدث، ولكن ما جرى كان طبيعياً!
هل كان طبيعياً محاولة تخريب الصالة وإثارة الشغب واستعمال الكلمات النابية والعبارات الغامضة؟!
ـ هل أنت هنا لتحاكمني! لا أسمح لأحد أن يتهمني أو يحاكمني، أنا حر ومسؤول عن تصرفي أمام نفسي فقط!
عند هذه النقطة الحادة من الحديث انقطع الحوار مع سمير ولم يكن ممكناً متابعته معه·
هل هي تهمة
سألته: عفواً هل أنت (ميتالجي)!
أجاب (عبد م·) 24 سنة: نعم أنا ميتالجي، هل هي تهمة!
قلت: لا، هل تسمح لنا أن نسألك بعض الأسئلة؟
أشار برأسه بالإيجاب، فقلت له: لماذا أنت ميتالجي، وماذا تعني الميتالجية؟
ـ أنا ميتالجي لأنني أحب هذه الموسيقا، وأستمتع بها، إضافة إلى أنني عازف موسيقا·
وهل صحيح أنكم من عبدة الشيطان؟!
ـ يا أخي الميتالجي هو إنسان يحب موسيقا الميتال والروك، وهي ليست كفراً! هناك من يتشبهون بعبدة الشيطان، لكن أنا لست منهم، ولا أعرف إذا كانوا كذلك فعلاً، أم أنهم يحاولون التشبه فقط!
ألا تعرف أحداً من عبدة الشيطان؟!
ـ كيف لي أن أعرفهم!· إذا كانوا موجودين فهم لا يكشفون عن أنفسهم خوفاً من الأمن·
إذا كنتم لستم عبدة شيطان، فلماذا ينظر إليكم المجتمع بعين الغضب؟
ـ (بدت عليه علامات التوتر) المجتمع·· أي مجتمع؟! هل هو مجتمع جدي أو أبي وأمي، هذا المجتمع ليس مجتمعي! فأنا أعيش المستقبل وهم يكرهوننا ويتهموننا بالخروج عن المجتمع والتقاليد، لأننا نرفض واقعهم، وأنا أريد أن أعيش حياتي·
هل للمتالجية طقوس خاصة؟!
ـ ليس لنا طقوس·
وماذا تفعلون عند حضور حفل موسيقي؟
ـ آه·· نفعل مثلما يفعل الآخرون·
ماذا تفعلون تماماً، أنا أسأل حتى نتعرف إليكم؟
ـ (كويس) بعضنا قد يشرب (كأساً أو اثنين) لتحقيق الانسجام·
وهل تدخنون! أو تتعاطون المخدرات؟
ـ هذه مسألة حرية!
هل صحيح أنكم لا تستحمون؟
ـ أن أستحم أو لا أستحم هذه مسألة مزاج وذوق!
هل تحس أن انتماءك إلى الميتالجية تعبير عن مرحلة الشباب أم أنها ستستمر·
هل تعرف أنت ماذا يحدث غداً (أنا هيك مرتاح) وعندما أنزعج قد أغير!
متحفظة وجريئة
روعة (19) سنة كانت متحفظة بقدر ما هي جريئة جداً! رغم أنها من أسرة محافظة أصلاً، وإن كانت واسعة الثراء! وهي تحمل وشماً صغيراً على خدها الأيسر، وتضع حلقاً في أنفها، بينما تضع على ياقة سترتها شعار الموت (جمجمة وعظمتان متقاطعتان)·
هل أنت سعيدة وسط أجواء الميتالجية؟
ـ أنا سعيدة جداً، وهؤلاء الشباب (بيعقدوا)·
يقال إنكم عبدة شيطان!
ـ أنا لم أر شيطاناً! نحن نعيش الحرية، فهل الحرية هي الشيطان!
ولماذا ترتدين الأسود، وتضعين هذه الرموز؟
ـ أنا أحب اللون الأسود كثيراً، أما هذه·· وهذه فهي الحقيقة·
حقيقة ماذا؟
ـ أنظر حولك، ترى الموت، وكلنا سنموت! أنظر حولك ألا تسمع بمن ينتحرون في هذا العالم الكئيب·
أنت فتاة وجميلة وأسرتك ثرية، فلماذا اخترت هذا الطريق!
ـ لأنني أريد أن أعيش؟! الجمال والثراء ليسا كل شيء· إن لحظات الانسجام التي أعيشها مع المتالجية تساوي الدنيا كلها·
ميتالجي مختلف!
آخر ميتالجي قابلته يبدو مختلفاً عن كل الآخرين، اسمه (ح·) عمره (27 سنة)، وهو هادئ جداً، ولكن شكله يميزه عن الجميع، فرغم هدوئه يبدو أنه يتحدى كل الآخرين بصرعاته! فإضافة إلى لباسه الأسود وشعره الطويل يلفتك فيه ثلاثة أقراط في أذنه اليسرى، وقرط في حاجبه الأيمن، ووشم كبير على ذراعه اليسرى، وآخر أصفر على ذراعه اليمنى· خواتم عديدة في أصابع يده وأساور من الجلد الأسود على معصميه·
إنه يشكل النموذج الأغرب، فهو خريج جامعي وقد تجاوز سن المراهقة منذ زمن، ورغم هدوئه ودماثة حديثه، فقد رفض بداية أن يتحدث إلينا، مشيحاً بوجهه عنا، وبعد محاولات عديدة اقتنع أو كاد، وبادرنا قائلاً: هل تتعاملون معي وكأني مخلوق قادم من كوكب آخر؟
لا·· ولكننا أحببنا أن نتعرف إلى وجهة نظرك·
ـ وجهة نظري أني إنسان عادي أتصرف وفقاً لمشاعري وأحاسيسي، والمهم أنني منسجم مع نفسي ولا يهمني الآخرين، وكيف ينظرون إلي؟ أو يتعاملون معي؟· قبل سنوات كنت أتشاجر مع الناس عندما أرى نظراتهم المستغربة أو المستهجنة، أما الآن فأنا لا أبالي بهم وأعتبرهم سطحيين!·
ولكن ألا ترى أن لباسك الأسود وبقية الإكسسوارات والوشوم تلفت النظر؟
ـ لأن الناس يقلدون بعضهم في ملابسهم، وأنا لا أقلد أحداً، أنا ألبس ما يريحني ويعجبني·
وهذه الأقراط في أذنك أليست غريبة؟
ـ ملوك الكلدانيين كانوا يضعون الأقراط في الأذن اليسرى دلالة على القوة، والآن فإن الناس (السطحيين) يعتبرون ذلك دليل تخنث وشذوذ!
وهذا الوشم على ذراعك اليمنى ماذا يعني؟
ـ إنه عدة (وشوم) وليس واحداً، لكن الأهم منها هو كلمة الموت التي (وشمتها) بالإنجليزية، لتكون رفيقتي الدائمة، فأنا أحب دائماً أن يكون الموت حاضراً، بينما الآخرون (السطحيون) يهربون من ذكر كلمة الموت!
بصراحة، هل أنت من عبدة الشيطان؟
ـ أنا لا أفهم لماذا تصرون على اعتبار (الميتال) موسيقا شيطانية، ولماذا تحكمون علينا بأننا عبدة شيطان لأننا نختار ملابسنا السوداء، ونضع الأقراط والوشوم، ثم إذا كنت لا أؤذي أحداً، فماذا يهمك إن كنت شيطاناً أو من عبدة الشيطان! يا أخي أنا إنسان عادي لي مشاعري وأحاسيسي، ولي اتجاهي الفكري ومذهبي الثقافي!
ولكن الآخرين ينظرون إليكم على أنكم جماعة فاسدة وشاذة ومستهترة؟
ـ ليقل الناس ما يقولون، فهم لا يعنون لي شيئاً، لأنهم سطحيون!
ظاهرة مجنونة
ربما لا يكون أي من الذين صادفناهم وتحاورنا معهم من عبدة الشيطان! وربما هم لا يعرفون الطقوس السوداء، لكن الملحوظ أن هناك خروجاً عن المألوف، وتمرداً يحاول إثبات ذاته بالهروب إلى الغرابة! ولعل هذا هو ما يربط بين هؤلاء وبين موسيقا (الميتال) التي تجمع بين الصاخب والغريب بإيقاع حاد وغناء صارخ مبهم! مع تركيز شديد على استخدام كلمات الدم والقتل والشناعة، والدعوة للانتحار والتخريب، وهذه المعاني النابية وسط الضجيج الحاد والرؤوس الصغيرة المخمورة، تخلق أجواءً مخدرة وغريبة، وتجعل من هؤلاء المراهقين والشباب أقرب إلى عبدة الشيطان، حتى لو لم يكونوا منهم؟!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©