الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من القدم.. إلى الرأس!

من القدم.. إلى الرأس!
20 يونيو 2018 19:39
انطلق العرس الكروي الأكبر، الأشهر، الأهم في العالم قبل أيام في موسكو، وسط اهتمام ومتابعة مئات الملايين في كل أنحاء المعمورة.. كأس العالم في نسختها الواحدة والعشرين، يتنافس على شرف الظفر بها 32 منتخباً؛ ملتقى كرنفالي بكل ما تعنيه الكلمة؛ حيث التجسيد الناصع لتحاور وتجاور وتفاعل الثقافة بكل مظاهرها؛ اللغة، الطقوس، مظاهر التعبير، الأزياء الغناء، الأهازيج الشعبية، المقطوعات الحماسية.. نعم. ما زلت عند ظني بأن الكرة فن عظيم واختراع مدهش لتجميع الطاقة الإيجابية (العقلية والبدنية والنفسية والاجتماعية أيضاً).. من منا لم يمارسها ولو لمرات معدودة؟ ومن منا لم يستشعر أو يتشرب بعض قيمها الجميلة، مثل العمل الشاق، والمثابرة بل تقبل الهزيمة واحترام المنافس وتهنئته حال فوزه؟ لقد كان ذلك هو المثال حتى لو لم يطبق 100% على أرض الواقع! وقع الكثيرون في غرامها من أهل الأدب والفكر والثقافة؛ وكتب الكثيرون منهم عن الكرة كظاهرة اجتماعية وثقافية وإنسانية، ردّوا بها على تلك التنظيرات العجيبة المتواترة عن تسفيه اللعبة الشعبية الأولى في العالم وتسفيه الاهتمام بها، وهم الذين تصدوا لشرح وتفسير وقراءة معنى أن يتراص اللاعبون لصنع «حائط بشري» في الملعب، أو معنى أن يكون الفرد جزءاً من فريق، أو كيف تدير وتتحكم في مشاعرك وأحاسيسك وإحباطاتك وتسيطر عليها أمام جمهور غفير بالآلاف، مثلما صنع النجم المصري والعربي محمد صلاح عقب هدف التعادل مع الكونغو في المباراة التي تأهل المنتخب المصري على إثرها إلى منافسات كأس العالم حالياً في روسيا! هنا ستجد بعضاً مما يجمع بين عشاقها كل من مكانه في العالم، ومن بلده في المعمورة، وحسب رؤيته: فنون المراوغة الكتاب: كرة القدم ـ تاريخ ثقافي المؤلف: كلاوس تسايرنجر ـ ألمانيا ترجمة: أيمن شرف في السنوات الأولى لظهور كرة القدم بأميركا اللاتينية؛ وخاصة في البرازيل التي ستصير أهم معقل للمهارة والمتعة والإبداع الكروي، كان حكام كرم القدم يمتنعون أو بالأحرى يتجاهلون عن احتساب المخالفات «الفاولات» التي يرتكبها البيض ضد السود؛ فما كان من اللاعبين البرازيليين إلا أن يجيدوا فنون المراوغة والمهارة والسرعة كي يتجنبوا الإصابات والابتعاد عن المباراة! كان هذا هو التفسير الثقافي الذي طرحه الألماني كلاوس تسايرنجر لقراءة فنون المراوغة الأسطورية لدى لاعبي أميركا اللاتينية بعامة وأسس المهارة البرازيلية بخاصة، وإن كان البرازيليون الآن لديهم قدرة ضخمة وغير عادية في تطويع الكرة بشكل يجبر خصومهم على احتساب المخالفات.. لكن الأهم هو إمتاع الملايين في جميع أنحاء العالم بالمهارات والمراوغات وسرعة التحرك ونقل الكرة وإحراز الأهداف الجميلة.. إنهم سحرة كرة القدم يا سادة! ولأن كرة القدم كانت تحرك الجماهير منذ العشرينيات، أدرك السياسيون على اختلاف مشاربهم أنها فرصة للدعاية السياسية، كان الناس يتابعونها في المدرجات مباشرة، أثناء المباريات، وبعد ذلك من خلال وسائل الإعلام، وغالباً في التقارير الإخبارية المصورة على الشاشة الكبيرة (السينما). وظن السياسيون أن بمقدورهم أن يتقربوا إلى الناس بشكل لا يثير الشبهة من خلال تلك اللعبة البريئة.. هكذا يربط المؤلف بين الرياضة الأولى والأكثر شهرة وشعبية في العالم، وبين الطرح السياسي الذي يتحكم ويتغلغل في كل شؤون حياتنا مهما صغرت بما فيها الرياضة؛ وكرة القدم! فقد كان من السهل ربط جماهير الكرة الكبيرة المتجمعة معاً ـ رغم أنها غير متجانسة ـ كحشد في الملعب، وهو وضع مفضل وحساس بالنسبة للديكتاتوريات، فالحشد يمكنه أن يفتح مساحة للتمرد، وبالتالي اجتهد الحكام الشموليون في وضع قواعد صارمة لجعل قصص الدعاية الشاملة والأساطير المختلقة الموجهة لبناء المجتمع في صالحهم. هذا الكتاب من أهم وأمتع الكتب التي دارت حول الساحرة المستديرة. مع المتعصّبين الكتاب: جنون المستديرة المؤلف: خوان بيورو ـ المكسيك ترجمة: محمد عثمان خليفة الناشر: دار العربي للنشر والتوزيع إذا كنت من عشاق، بل من مجانين الساحرة المستديرة، فهذا الكتاب لك وحدك! مع انطلاق مباريات كأس العالم بروسيا 2018، واحتفالاً بمشاركة المنتخبات العربية ومن ضمنها المنتخب المصري، أصدرت دار العربي للنشر والتوزيع كتاب «جنون المستديرة» للروائي والصحفي المكسيكي خوان بيورو، وترجمة محمد عثمان خليفة. حصل الكتاب على الجائزة الوطنية للصحافة «باثكيث مونتالبان» عام 2006. وفيه يتناول خوان بيورو إلى أي مدى يصل جنون الساحرة المستديرة من خلال مواقف ونماذج وأهداف تاريخية، بعضها عاشها شخصياً بنفسه وبعضها يرويها بشكل عام. كما يحلل في بعض الفصول تأثير كرة القدم على حياة الكثيرين من خلال مقارنتها بالعديد من المواقف الحياتية والقصص الأدبية. فتشعر للمرة الأولى أنك لا تقرأ تحليلاً رياضياً لكرة القدم، بل تقرأ رواية أدبية تسرد جنونها وتأثيرها على العالم على مدار التاريخ. ويستعين الكاتب في ذلك بتاريخ العديد من أساطير الرياضة مثل:«بيليه»، و«مارادونا»، و«ميسي»، و«كرستيانو رونالدو». وفي هذا الكتاب، يقدم لنا رحلة في عالم المستديرة تتخذ أكثر من مسار زماني ومكاني فريد، يرى من خلاله اللعبة بعين الأديب، ويقص علينا نوادرها بروح وشغف مشجع سكن المدرجات لأعوام طويلة. ينغمس «بيورو» في الأعماق النفسية والوجدانية لما تمثله اللعبة للعالم أجمع، ومعنى أن تكون مشجعَ كرة قدم حقيقياً. وهو يدفعك دفعاً إلى أن تقوم بمزيد من البحث في أسرار المستطيل الأخضر وكرته المجنونة. فهو أمضى حياته مشجعاً مخلصاً للعبة، وأهدانا هذه التحفة الأدبية في محاولة منه لتخليد مشاعره نحوها. لن تجد محور الكتاب حكاية نادي، أو ملحمة نجم كروي، أو قصة انتصار في كأس العالم، بل هو جماع كل ذلك، وأكثر. لماذا كان اللاعب «الأشول» أشد موهبة وذكاءً من غيره من اللاعبين؟ لماذا يصر مشجع على إخلاصه وولائه وتشجيعه لنادٍ بعينه، حتى وإن خيّب آماله موسماً بعد موسم؟ هل يسبق التفكير التمرير والتسديد أم أن اللاعب في تلك اللحظة لا يفكر في أي شيء؟ هل صار «الإخلاص للفانلة» ضرباً من المستحيلات؟ هذا الكتاب ليس لمشجعي كرة القدم العاديين، بل هو كتاب لمتعصّبيها فقط. كتاب لمَن تمثل له كرة القدم الكثير من المشاعر والعواطف والآمال والتعصب والصراعات والتنافسات. كتاب سيزيد من حماسة وشعارات كرة القدم التشجيعية لديك مع اقتراب كأس العالم! سيرة بطل الكتاب: محمد صلاح ـ حكاية بطل المؤلف: عماد أنور ـ مصر الناشر: دار العربي للنشر والتوزيع «محمد صلاح: حكاية بطل» صدر قبل أيام من انطلاق منافسات المونديال عن دار العربي للنشر والتوزيع؛ وهو يروي سيرة ذاتية للاعب المصري والعربي الأمهر، الأشهر، الأكثر جاذبية وشعبية في السنة الأخيرة؛ محمد صلاح؛ أسطورة الكرة المصرية والعربية ونجم المنتخب المصري ونجم نجوم الدوري الإنجليزي وناديه الأعرق ليفربول. يأتي هذا الكتاب بالإضافة إلى تأريخ أوليّ لسيرة اللاعب المصري، توثيقاً لما فعله من إنجازات أهمها الصعود بمنتخب مصر إلى كأس العالم بروسيا بعد غياب 28 عاماً، لذلك أصبح صورة مشرفة لمصر تستحق التقدير. الكتاب من تأليف عماد أنور، الصحفي بالأهرام، ويهدف إلى تقديم صلاح كقدوة للشباب، باعتباره نموذجاً ناجحاً يسيرون على نفس خطاه وبنفس عزيمته وإصراره كونه أحد أبناء جيلهم. وكذلك يستهدف جيل الكبار؛ فصلاح بالنسبة لهم أيقونة الأمل، نظراً لما حققه من إنجازات على مستوى مصر والوطن العربي. يبدأ المؤلف الكتاب بحياة محمد صلاح منذ الصغر وكيف صارع وتغلب على الظروف الصعبة ونشأته المتواضعة في إحدى قرى مصر الفقيرة. وسرد لمشواره الذي بدأه خطوة خطوة حتى وصل إلى العالمية، لكنه لم يحقق النجاح إلا بإيمانه بموهبته. كما يركز المؤلف على أهم إنجازات محمد صلاح حتى الآن، وكيف صار لاعباً غير عادي يستحق الوصول إلى العالمية، وأن ينافس مَن هم على عرش الساحة الكروية في الأرقام مثل كرستيانو رونالدو وميسي. سرد تاريخي الكتاب: مصر وكرة القدم ـ التاريخ الحقيقي وأين وكيف بدأت الحكاية؟ المؤلف: ياسر أيوب - مصر الناشر: الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة في هذا الكتاب الجديد الذي صدر عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، بالتزامن مع انطلاق منافسات كأس العالم في روسيا 2018، حاول الكاتب والمؤرخ الرياضي والكروي ياسر أيوب الإجابة على كثير من الأسئلة مثل: كيف وأين ومتى ولماذا لعب المصريون كرة القدم ووقعوا في غرامها؟، من هم المصريون الذين كانوا أول من لعب الكرة؟ وأين أقيمت أول مباراة رسمية في مصر، ومتى تشكل أول منتخب رسمي لمصر وكيف تأسست الأندية المصرية ثم الاتحاد المصري لكرة القدم؟ وماذا كانت البطولة الكروية الأولى في مصر؟. وعبر ثلاثة وثلاثين فصلاً يضمها هذا الكتاب، تتوالى حكايات الكرة المصرية ووقائعها منذ عام 1882 حتى عام 1967م، وكيف تطورت وتغيرت تفاصيلها وملامحها من لعبة الإنجليز البدائية إلى اللعبة التي تتحكم وحدها في المزاج المصري العام، وما هي أكبر وأهم وأجمل الانتصارات وأقسى الخسائر والهزائم في تاريخ الكرة المصرية؟ وما هي نتائج كل المشاركات المصرية في الدورات الأوليمبية والبطولات الكروية الدولية والأفريقية والودية.. كما حرص الكتاب أيضاً على تصحيح الكثير جدّاً من الأخطاء التاريخية التي شاعت وتم ترديدها طول الوقت في الإعلام الكروي المصري، ويقدم الكتاب أيضاً الحقائق الكاملة لتأسيس وبداية أندية الكرة في مصر مثل: الأهلي والزمالك والاتحاد السكندري والمصري والإسماعيلي والسكة الحديد والترسانة والسويس والقناة، وأشهر الأندية التي لعب وأحبت كرة القدم في الدلتا والصعيد. كما يتوقف الكتاب أيضاً أمام الاستغلال السياسي لكرة القدم في مصر منذ أن بدأه الملك فؤاد الأول وحتى ثورة يوليو عام 1952م، وكيف كان هذا الاستغلال أحياناً يدفع كرة القدم للأمام ويجعلها أقوى وأكثر قدرة على الاستمرار والانتصار، وفي أحيان أخرى يكون أحد عوامل ضعفها وأسباب ارتباكها وإخفاقاتها، وكيف كانت الحسابات السياسية هي التي تختار من يديرون الاتحاد المصري لكرة القدم وحتى أنديتها أحياناً؟ يناقش الكتاب أيضاً علاقة كرة القدم في مصر بالاقتصاد والإعلام والمجتمع، وكيف بدأت صحافة كرة القدم في مصر؟ ومتى بدأت الكرة المصرية تربح الكثير من أموال المراهنات؟ ولماذا تأخرت بطولة الدوري بمصر، ولماذا بدأت بالتحديد عام 1948؟ وما هو الفارق بين بطولة الكأس السلطانية وكأس الأمير، ثم كأس الملك قبل أن تصبح كأس مصر؟.. إنه كتاب تأريخي توثيقي غير مسبوق لكل مهتم في مصر والعالم العربي. دراما المتعة.. يهاجم البعض كرة القدم بدعوى أنها مجرد وسيلة لإلهاء الشعوب التي تعاني من المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية. حسنا. فلماذا إذن تجتاح الفرحة العارمة شعوب ألمانيا أو فرنسا أو السويد عندما يفوزون ببطولة كبرى مثل بطولة أمم أوروبا أو كأس العالم التي تقام كل أربع سنوات كاملة؟ ولماذا ينفقون عليها الملايين بل المليارات وهم ينتصرون يومياً في مجالات أخرى كثيرة؟ أنا، ومثلي كثيرون، نشعر بدهشة حقيقية من آراء باهتة ما زال أصحابها ينظرون باستعلاء إلى كرة القدم، ثم يفلسف البعضُ القضيةَ باعتبار الكرة «أفيون الشعوب»، ووسيلة الأنظمة الحاكمة في الدول الفقيرة لإلهاء الناس، وتعويضهم عن نكساتهم الوطنية، وكأن دولًا غنية تحقق انتصاراتٍ في كل المجالات، لا تحتشد خلف فرقها الكروية، ولا تتوقف فيها الحياة أثناء المباريات المهمة. تبدو هذه الآراء، للناقد محمود عبد الشكور، من ميراث القرن العشرين الغابر، لا تلتفت، ولو قليلًا، إلى تحليل أعمق لهذه اللعبة كظاهرة اجتماعية واقتصادية وإنسانية تلخص دلالات كثيرة، ولا تعترف بدور كرة القدم الإيجابي الكاسح سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات، ولا تتوقف أمام تفاصيل اللعبة، وقوانينها، وطقوسها، كجزءٍ أساسي من ثقافة القرن العشرين. فضلا عما تمثله الكرة من فلسفة ذات مغزى ومعنى تحمل العديد من القيم الإنسانية الإيجابية ولو في صورتها المثالية (بالمناسبة تحقق منها الكثير والكثير على الملاعب الأوروبية والغربية عموما) فإنها في صورتها الواقعية أيضاً يمكنها أن ترسخ وتنمي قيمة المنافسة الحرة النزيهة، وقيمة احترام الآخر المختلف (المنافس أو الخصم الذي تواجهه وتسعى للفوز عليه)، إنها أيضا تجعل من الضروري ترويض النفس والفؤاد على السيطرة على المشاعر وحتمية إدارة هذه المشاعر في الملعب وخارج الملعب؛ وتقبل الهزيمة بروح رياضية حال وقوعها، أهمية روح الفريق والتعاون الجماعي مسرح وجمهور يطرح الناقد محمود عبد الشكور قراءة «فنية جمالية» رائعة، إذا جاز التعبير، لكرة القدم ومباريات كرة القدم ومنافساتها على الملاعب الخضراء، باعتبارها، لو تأملناها بعمق واستبصار، تنقل إلينا ولطلاب الفن والأدب معاً معنى وجوهر الدراما: البداية والوسط والنهاية، كل مباراة لها أبطال، وكلما كان الطرفان متكافئين ازداد الصراع سخونة وإثارة، وصولا إلى ذروة وتأزم (كما حدث عقب هدف الكونغو في المنتخب المصري في المباراة المؤهلة إلى منافسات كأس العالم في روسيا 2018)، ولا يمكن الوصول إلى النهاية السعيدة، إلا بهدف الفوز، على طريقة اللاعب المصري الأسطوري محمد صلاح! الممثلون هم اللاعبون، والمخرجون هم المدربون، والجمهور يحيط خشبة المسرح من الجهات الأربع، والملايين يتفرجون أيضًا أمام الشاشات! لقد شرح المذيع الراحل محمد لطيف يومًا في تعليقه على إحدى المباريات أن الكرة ليست سوى «حربٍ مصغّرة»، ولكنها من دون قتلى ودماء، ووفقًا لقانونٍ صارم، يطبقه حكم محايد؛ أي أنه من خلال الكرة يمكن تعلم فكرة احترام القانون، والعمل الجماعي، واحترام الجمهور، والاحتفاء بالموهبة الفردية الاستثنائية، وترويض طاقة العنف والقوة الغاشمة. تجمع كرة القدم بين الساحة الواسعة، والمرمى الضيق، يركض اللاعبون مثل متسابقي ألعاب القوى، ويطير حارس المرمى في مرونة ورشاقة لاعب الجمباز، وينافس في رمياته وصداته لاعبي كرة اليد، ويقفز لاعب كرة القدم عاليا فيذكرنا بلاعب كرة السلة، ويصطف لاعبو الدفاع معًا على خط واحد، فيوقعون المهاجم المنافس في مصيدة التسلل، يخرجونه من اللعب، مثلما يفعل لاعب الشطرنج، عندما يطيح بقطعة من جنود خصمه، يجعلها خارج اللعب والرُقُعة، كرة القدم لعبة العقل والمهارة، مثلما هي لعبة الالتحام والقوة. «الفهلوة» والتعب إذا أردنا أيضا أن نقدم مثالاً ناصعاً وساطعاً على القيم السابقة مجتمعة في فرد ضمن فريق بما يحقق مقولة «الكل في واحد» فليس لدينا حالياً أفضل ولا أجمل من حالة اللاعب المصري محمد صلاح الشهير بـ مو صلاح. مع كل فوز يحققه محمد صلاح مع ليفربول أو المنتخب المصري، يؤكد أنه متعهد السعادة للمصريين والعرب، وعندما فاز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي، وقبلها بجائزة أحسن لاعب في أفريقيا، وعدد لا يحصى من الألقاب والجوائز المرموقة في عالم الرياضة وكرة القدم أصبح محمد صلاح المصري الموهوب هو نموذج النجاح والطموح الحقيقي بعيدًا عن «الفهلوة» والعشوائية، وعدم النظام والمعارك الجانبية وانعدام الطموح. محمد صلاح ليس لاعباً موهوباً ورائعاً وماكينة إصرار على اجتياز العقبات ومواجهة التحديات وتحقيق الأرقام القياسية فقط! محمد صلاح بفضل وعيه (الذي يشمل إيمانه بعمله واتساق رؤيته للعالم مع طموحه واستيعابه لما يدور حوله وتحديد هدفه بدقة ووضوح) أقول إن هذا الوعي أنتج مثالاً رائعاً ونادراً وغير مسبوق في إدارة الموهبة وتطويرها.. انظر كلمته في حفل تتويجه أحسن لاعب في الدوري الإنجليزي «اللاعب الذي عاد إلى الدوري الإنجليزي ضمن صفوف فريق ليفربول كان لاعباً جديداً بشخصية جديدة، وليس اللاعب الذي لم تتح له فرصة حقيقية في صفوف نادي تشيلسي».. هذا في ظني أحد مفاتيح شخصية محمد صلاح الرائعة، التعامل بمرونة ووعي وذكاء مع كل المستجدات والتغيرات المحيطة.. لا رشوة، لا فساد، لا واسطة، لا محسوبية.. فقط التعب والجهد والإصرار والعمل على أن تكون دائماً في الصدارة، وكل ذلك في إطار منظومة تحترم كل ما سبق (انظر اللاعب الإنجليزي المعروف هاري كين كيف كان ينظر إلى صلاح وهو يلقي كلمته عقب إعلان فوزه، لاعب عظيم ينظر بإجلال إلى لاعب عظيم تفوق عليه. نظرة عينه تحمل اعترافاً كاملاً وإقراراً بالقيمة والتقدير والاحترام لصاحبها.. في مقابل رقي وتهذيب وثقة محمد صلاح). «أدبية» كرة القدم! كل عشاق المستديرة خاصة من المتصلين بدوائر الأدب والفن والثقافة يعتبرون كتاب البرازيلي إدواردو غاليانو «كرة القدم ـ بين الشمس والظل» (صدر عام 1995، وترجمه إلى العربية صالح علماني) أيقونة الكتب الثقافية التي تعرضت لظاهرة كرة القدم في العالم أجمع. رغم مرور ما يقرب من ربع القرن على صدور الكتاب؛ فإنه ما زال قادراً على جذب الآلاف لقراءته ومعاودة قراءته مع كل منافسة عالمية دورية. نعم. فلم يكن كتاب غاليانو «كرة القدم بين الشمس والظل» مجرد مصادفة في عالم الأدب، إذ لا يمكن أن ننحِّي هذه الاستعراضية العالية للطاقة البشرية على أنَّها مجرد نوع من الرياضة البدنية وحسب، بل يمكننا قراءة هذه اللعبة الأكثر شعبية في العالم بمستويات متعددة؛ وعبر أكثر من رؤية تفسيرية وتأويلية مختلفة. في كتابه «جنون المستديرة» (صدرت ترجمته العربية قبل أيام عن دار العربي للنشر والتوزيع وبتوقيع محمد عثمان خليفة)، يرصد الكاتب والصحفي المكسيكي خوان بيورو تلك العلاقة الفريدة على الورق بين الأدب وكرة القدم من خلال الأعمال المهمة التي قدمها كتاب أميركا اللاتينية العظام. يوضح مترجم الكتاب «ربما لا يعرف كثيرون أن أسماء مثل جابرييل جارثيا ماركيز، وماريو فارجاس يوسا؛ الحائزين على جائزة نوبل في الأدب، قد بدا مشوار الكتابة بمقالات كانا يسطِّرانها شغفًا بكل المتعة والإثارة التي كانت تدور أمامهما في الحلبة الخضراء. وكاتبنا خوان بيورو ذاته، أحد أشهر أدباء المكسيك، فهو روائي وقصاص ومترجم إلى الإسبانية أعمالًا لأسماء منها جراهام جرين، وجوته، وترومان كابوتي». يرى «بيورو» أن الرياضة صورة راقية من صور الشغف، وتفريغ للشحنات العاطفية الوجدانية في مجتمعاتنا المعاصرة. وهو يخرج كل طاقاته في أنماط التشجيع؛ الأولتراس، العنف، الهتافات، وبقية أشكال تفريغ الطاقات المكبوتة فوق كراسي المدرجات. حسنا. إلى هؤلاء الذين لا يحبون كرة القدم. هذا حقكم. لكن لا تظلموها ولا تلوموا الكرة وتتهمونها بأنها أفيون أو مضيعة للوقت أو حتى ساحة صراع شريرة! كلا. وجهوا اللوم لأنفسكم؛ لأنكم تركتم الشباب يتعلمونها بطريقة خاطئة، وتركتموهم لمن استغل طاقتهم في اتجاه «التعصب»، حينما تم محو الرياضة من المدرسة وإلغاء الموسيقى واستبدال حصص التربية الجمالية والبدنية بالعلوم فقط، فصارت لقيطة بلا رعاية، وأفرزت كل التشوهات والكوارث. القوة والضعف تبنى المكسيكي خوان بيورو في كتابه «جنون المستديرة»؛ أسلوباً جمالياً مثيراً (يجسد بذاته أدبية الكتابة والتصوير في إبرازه للأفكار التي يتضمنها الكتاب أو أراد لها أن تكون معبرة عن اللقطات والزوايا التي ركز عليها في تناوله لجماليات وتفاصيل الساحرة المستديرة).. تتجلى موهبته الأدبية التي أحسن استغلالها، ومزج في سرده بين الخيال والثراء اللغوي وحسن اختيار التشبيهات، التي لا تخلو من سخرية أحيانًا. فلا أعتقد أن القارئ المحب لكرة القدم قد قرأ من قبل وصفًا أدبيًا لافتًا لأجمل هدف على مر العصور، أو للحظات الحاسمة في تاريخ المونديال الكروي، أو سحر الرقم 10، أو نقاط القوة والضعف لدى نجوم المستديرة أمثال «مارادونا» و»ميسي» و«بيليه» و«زيدان»، وغيرهم من العمالقة عبر أكثر من مائة عام.. الكرة والسياسة يقول مؤلف كتاب «كرة القدم ـ تاريخ ثقافي»، الألماني كلاوس تسايرنجر، ومن ترجمة أيمن شرف: إن الأنظمة الشمولية كانت تريد دائماً تحقيق استفادة شاملة من الحركات الشعبية والجماهيرية، وبدا لفرانكو ـ كما بدا مع الفارق لموسوليني وهتلر وستالين وسالازار وجنرالات الأرجنتين والبرازيل ـ أن من المهم سياسياً استخدام كرة القدم محلياً كوسيلة للتسلية من أجل تهدئة الوضع الداخلي، ولترويج الصورة الذاتية في الخارج على المستوى الدولي، وكانت هناك أسباب أخرى لوضع كرة القدم تحت سيطرتهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©