رجع الصدى

على مدى أكثر من ربع قرن التقيت بالعشرات من كبار أساتذة الطب في العالم أو من يطلق عليهم نجوم الطب أو من ينطبق عليهم وصف الطبيب العالم·· وعلى الرغم من اختلاف التخصصات وتباين المدارس، كان الغذاء الحاضر الغائب الذي يفرض نفسه على كل المحاورات· مثلا·· عندما سألت قبل سنوات الدكتور ارفينج فرانكو أستاذ أمراض القلب في مستشفى كليفلاند كلينك فاونديشن، عن سبب الانتشار المخيف لأمراض القلب والشرايين، استهل حديثه بذكر النمط الغذائي الأميركي كسبب مهم وربما السبب الأهم· نفس المعنى تكرر على لسان العالم الأميركي من أصل عربي فؤاد جبران أستاذ القلب في نفس المستشفى·· قالها بالإنجليزية: ابحث عن ''الفاست فود''·· وهذا صحيح فقد أفسدت ثقافة الساندويتش السلوك الغذائي، الطعام فقد احترامه فاحتج علينا وتحول إلى عامل من عوامل المرض واعتلال الصحة· ربما كان طعامنا، زمان، فقيرا بسيطا متواضعا، ولكنه كان صحيا أكثر لأننا كنا نتناوله عندما نجوع، نتناوله بلا إفراط، نتناوله في أوقات محددة لا تتغير، نبذل من الجهد ما يكفي لحرق السعرات الزائدة وحماية الشرايين من التراكمات الضارة، كنا نجتمع حول مائدة الطعام، نتواصل ونتبادل المشاعر والأحاسيس الجميلة فتصفو نفوسنا وتهدأ مشاعرنا وتهون علينا متاعبنا وتستقر عواطفنا، كان طعامنا يعتمد على خيرات الأرض وما تجود به، كان طازجا ''صابحا'' طريا نديا، لم تكن فيه نكهات صناعية ومكسبات طعم ولون ورائحة· الصورة الآن اختلفت، أصبحنا نأكل في أي وقت وطوال الوقت، نأكل طعاما محتويا على كيماويات سامة، نأكل وجبات غارقة في الدهون، لم تعد المائدة بمعناها الحقيقي وشكلها التقليدي لها وجود في حياة الكثيرين، زمان كان الخضار الطازج وفواكه الموسم لا يخلو منها مطبخ، واليوم أصبحت المعلبات والمحفوظات والمجمدات هي البديل، هي الخيار المفضل والأثير، زمان في طفولتنا كنا نسعد عندما يدخل آباؤنا علينا بأكياس البرتقال والمانجو والموز والتين والعنب، واليوم لم يعد أطفالنا يسعدون بغير أكياس رقائق البطاطا·· لماذا يعاني إنسان العصر الحديث من اعتلال الصحة؟·· لكل الأسباب السابقة·