السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عصر اللاعنف

12 نوفمبر 2008 00:18
تدفع تكتيكات المهاتما غاندي والدكتور مارتن لوثر كينج اللاعنفية باتجاه باب مفتوح، ما جعل البنتاجون تنظر إلى قيمة هذه التكتيكات في مواقف النزاع والجمود السياسي· تغطي الأخبار اليوم الكفاح اللاعنفي بشكل أساسي للمعارضة في زيمبابوي، التي تحاول أن تدفع نظام روبرت موجابي جانباً· رغم استفزازات الشرطة والجيش، أدارت المعارضة الخد الآخر (بعكس كينيا)، وفازت بحوالي مئة بالمئة من الرأي العام الخارجي· يجري وصف القرن العشرين، وبشكل صحيح، على أنه أكثر القرون دموية في تاريخ البشرية· إلا أنه كان كذلك أكثر القرون إبداعاً من حيث بدائل العنف، ليس فقط حركة مارتن لوثر كينج وغاندي (مع انضمام الباتان المعادين للبريطانيين في جنوب آسيا لحركته، وهو تطور تاريخي يجري تجاهله هذه الأيام بطريقة ما من قبل جيوش الناتو في أفغانستان)، وإنما كذلك عمل الرئيس ألبرت ليثولي ورئيس الأساقفة ديزموند توتو بجنوب أفريقيا، ورئيس الأساقفة هيلدر كامارا في البرازيل والمطران كارلوس بيلو وهوزية راموس هورتا في تيمور الشرقية· ثم كانت هناك مظاهرات ومسيرات في خمسينات القرن الماضي ضد الأسلحة النووية، والتي ساعدت على إقناع الرئيس كينيدي على الضغط باتجاه معاهدة وقف التجارب· ثم أتت بعد ذلك الاحتجاجات الضخمة ضد حرب فيتنام· لا يمكن لأحد أن يضع أصبعه بشكل دقيق عليها· إلا أنه كان هناك بحر من التغيير في مواقف المجتمع الغربي حيال الحرب· لقد تخلت الأمم الصناعية الديمقراطية الأكثر غنى في أكثر الأحوال عن النزاع المسلح كأسلوب لممارسة علاقاتها مع الدول الأخرى· حروب العراق وأفغانستان هي الاستثناء الوحيد· ولا يوجد سوى قلة في الغرب تدعم ضربة ضد إيران· وحتى في الدول الأكثر فقراً حيث تستشري الحرب، تقوم مجموعة صغيرة بشكل ملموس بشن الحرب، معظمها من المجرمين وجنرالات الحرب، الذين يمكن دحرهم بسهولة أحياناً من قبل تدخل عسكريين من الأمم المتحدة، ربما مع ضغوط سياسية خارجية، إلا في حالات نادرة مثل أفغانستان· ولنلق نظرة عن كثب على هولندا والسويد وسويسرا إذا كان هناك ثمة شك حول كيف يمكن للثقافات التي تصنع الحرب أن تتغير· في نهاية القرن الثامن عشر، كان لهولندا وسويسرا جيوش أكبر من جيوش بريطانيا أو النمسا وأكبر بكثير من جيش بروسيا· كانت هولندا واحدة من أكبر الدول المغامرة عبر البحار والإمبريالية في العالم· ولكنها أصبحت في القرنين ونصف الأخيرين بعيدة كل البعد عن الحرب· كانت الدول الإسكندنافية خلال الفترة من 1415 و1809 تخوض حروباً وبشكل دائم تقريباً· ولكن منذ هزيمة السويد من قبل روسيا عام 1809 تراجعت هذه الدول إلى درجة ما عن النزاع العنفي، كما حصل مع سويسرا، التي كانت أمة محاربة يُعتّد بها في القرن السادس عشر· إذا كانت البيئة العسكرية للعصور الماضية قد بدأت تتغير، يجـــب على المرء ألا يستغرب الدور الأعظم الذي لعبتـــه حمـــلات اللاعنف خـــلال السنــــوات الستين الماضية· وضمن هذا الإطار، ذكرت دراسة أجراها مؤخراً كل من ماريا ستيفن وإيريكا تشينويث، وغطتها مجلة هارفارد الربعية ''الأمن الدولي'' (International Security) أن حملات اللاعنف الواسعة حققت نجاحاً بالمقارنة بالحملات الإرهابية· يأتي النجاح من عوامل عديدة، ليس أقلّها الإصرار والمثابرة· ولكنه يأتي كذلك من شرعية محلية ودولية معززة لحركات كهذه ومن عزل الأنظمة التي تقمعها، كما حصل في أوكرانيا قبل ثلاث سنوات· ثانياً، يجد الرأي العام في البلد- الذي يشمئز من العنف - حركات اللاعنف مستحبة بشكل متزايد· يساعد قمع رجال الشرطة المسلّحين جيداً على قلب الرأي العام ضد النظام، حدث هذا في الفلبين حيث فشلت المعارضة العنفية· عندما تظاهر مليونا شخص سلمياً للإطاحة بالديكتاتور فيردناند ماركوس، ثم ضغطت إدارة الرئيس ريجان عليه لكي يتنحّى· يستطيع المرء أن يشير إلى مواقــف متعددة حيث يمكــــن جعــل اللاعنــف يعمــل اليوم، ولكن لا يوجـــد أي وضــع أكثر نضوجاً لهـــا من النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني· إذا تمكن الفلسطينيون من إلقاء سلاحهم وحجارتهم وتنظيم حركة لا عنفية فاعلة، فقد يجدون مليون إسرائيلي يساندونهم· كتب ''جون مويلر''، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية أوهايو أن الحرب كانت تعتبر في يوم من الأيام ''طبيعية، لا يمكن تجنبها، مفعمة بالكرامة والشرف، مثيرة، رجولية، منشّطة، ضرورية، مفعمة بالمجد وتقدمية مرغوبة''· قد يكون أن هذا العصر يقترب من نهايته وأن المقاومة اللاعنفية أصبحت الأداة الرئيسية للتغيير الراديكالي، بل وحتى الثوري· جوناثان باور كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومون جراوند
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©