الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مائدة السحور وصحبة كالورد المنثور

20 يونيو 2018 22:15
بعد طول غياب، جمعتني ليلة رمضانية وترية بأخيار كرام تصافحك قلوبهم قبل أياديهم. تستشعر أنهم نصفك الآخر النابض بشجون الحديث وعمق الفكر وثراء المعرفة. يرحبون بك على طريقتهم الخاصة بأسئلتهم ونوادرهم وأصواتهم التي قد تصل عنان السماء حين يحتدم النقاش وتتباين الآراء حول دروب الخير ومناحي الحياة، بينما تتجلى قبسات الفلسفة الكامنة في بعضهم بوحاً خجولاً وفي البعض الآخر صمتاً آسراً. وأنت في حضرتهم، تدخل منصة مفتوحة على العالم، وتحار هل أنت في جلسة حوارية ثقافية تراثية من عبق الأصالة العربية الخليجية، أم أنك تستشرف المستقبل بمحطاته الذكية والافتراضية. وكأنّك تتصفّح موسوعة متكاملة في المال والأعمال والعلوم والآداب والفنون والحكم ونوادر الأقوال، أو تجلس مشجعاً وسط صخب الملاعب وسباق الفرسان، تصول وتجول في صحبتهم عوالمَ متعدّدة بين مستشار بارع، وناقد حاذق، وحَكَم عادل، وفارس حكيم، والقائمة تطول. وبعد أن أدركت أنك جزء من هذه الصحبة الاستثنائية، فلا مناص لك من الحوار، ولا مفر من التفاعل حد الانفعال، ولا خيار سوى الرد والسجال، وإن آثرت الصمت، فاعلم أن هروبك محال، وأنك في مرمى السهام، وعليك التزود بحسن الإصغاء، والتأمل في حِكمة العقلاء، والتدبر في فكر الأذكياء، وسرعة البديهة مع نوادر الظرفاء، والتأهب بالحجة والدليل إن عزمت بالرد الشافي وطمعت بالإقناع الوافي، فالخطب دوما جلل!.. وكذا تدور رحى الليلِ حتى تأتي استراحة السحور، فيغمرونك بكرمهم الحاتمي على مائدتهم العامرة بطيب نفوسهم وجميل حفاوتهم. وتتساءل كيف ستوفيهم حقهم يوماً، وأنت دوماً الحاضر الغائب بين دروب الأسفار وثقل الأعمال، فتلمح جميل العذر يشع في بريق عيونهم وشجي صوتهم، ولسان حالهم: «مهما طال غيابك، فأنت عنوان الحضور، وإن لم تعد أعدناك، ومتى حضرتَ فكأننا يوماً ما افتقدناك»، إنهم بحق عيال زايد بقيمهم ورقيهم الآسر. تلك حروف تقدير وامتنان صاغتها القلوب قبل الأنامل، لن ترتقي إلى جميل خصالكم وحسن وصالكم وكرم أخلاقكم، فصحبة الأخيار نصف الرزق. كل مائدة سحور وأنتم وردها المنثور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©