الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البلد الصّغير للروائية اللبنانية رشا الأمير

البلد الصّغير للروائية اللبنانية رشا الأمير
13 نوفمبر 2008 03:03
بثلاثة آلاف كلمة أو أقلّ، تلخّص الروائية اللبنانية رشا الأمير في حكايتها المصوّرة ''البلد الصّغير''، الصادرة بالفرنسية عن دار الجديد البيروتية مأساة موطن ''كاد الجغرافيون أن يسقطوه من خرائطهم''· موطن أسكره الغرور، غرور شمسه وبحره، فظّن أن جماله وغنجه سوف يرأفان دوماً به· للبلد الصّغير في الكتاب الفني ملامح رجل وسيم يحبّ مرآته وعضلاته المفتولة، ويتأمل بحنان طفلين من أطفاله: ألبي وثريا الراتعين في نعمه والدارسين بلغات كثيرة، وفي كتب تاريخ غير متناغمة· ثم إنّهما متحابّان حبّاً ''لا يفهمه الكبار على الأرجح''· حبّ لذيذ طعمه طعم السكّر والعسل الذي تصنع منه أم ثريّا أطيب أنواع الحلوى· بعد صفحات من اللهو والفرح، تدق ساعة الحروب، وتنقلب الجنّة إلى جحيم مزروع بالأسئلة وبالدّمار· لا يقتنع ألبي وثريا بمصيرهما وبمصير بلدهما الصغير الذي يصير في هذا الجزء من الكتاب عالة عليهما· يفكّر الولدان ويقرران اختطاف البلد الصّغير لإرغامه على ''قول لا لمصيره''· يخطفانه إلى البعيد حيث ''العصافير لا تعلَّم الطيران، بل تطير بأجنحتها مذ تولد''· يتفكّر البلد الوسيم، المشروخة مرآته بحروبه ومأساته، ويقرر أن يطير كما أراده له ألبي وثريّا· إن رشا الأمير تستحضر من ذاكرتها أحداثاً عديدة، ترويها للصغار والكبار على حد سواء بأسلوب شاعري ممتع· تحدثهم عن بلد صغير يضطر فيه ابناه ألبي، وثريّا، بطلا روايتها، وأترابهما الى الدراسة في أكثر من 20 كتاب تاريخ و10 لغات مختلفة، وهنا غمزة واضحة للفوضى السائدة، في بلاد كثيرة حين يصل الأمر إلى تقييم التاريخ والاستفادة من عبره· تخبرهم الكاتبة بين المزاح والجد كيف يتغنى بلدهم بأدبائه وأطبائه ومبدعيه وكيف يتحول مريضاً، واهناً، خائر القوى عندما يتعلق الأمر بتسديد حسابات البنك الدولي! تقصّ عليهم كيف ان ثقة بلدهم الكبيرة بنفسه لم تحل دون أن ينظر اليه جيرانه، الأقربون والأبعدون، بعين الشهوة وكيف أن عصا الساحرات ـ اللواتي سهرن على ولادته ـ لم تعد كافية لحمايته· تكلمهم عن بلد يعيش كل يوم بيومه، من دون أن يعي ما سيحمله القدر اليه غداً· وذات يوم تشتعل الحروب· حروب لا يفهم الصّغار قواعدها· حروب يتيقّن الناس كلّهم بأنهم تحت رحمتها، وأنهم لا يستطيعون الوقوف في وجه ما اعتقدوه قدرا محتّما· واذا كان سكّان البلد الصّغير لم يستطيعوا أن يقولوا لا للحرب سابقاً، فإن الكاتبة عبر أبطال روايتها تقول لا للحرب· إذ تحمل رفوف العصافير البلد الصغير، في يوم من أيام استراحة المحاربين، وتحلّق به الى مكان آمن، بعيداً عن أهله وجيرانه، الذين اعتقد انه لا يستطيع أن يحيا يوماً بعيداً عنهم· الى مكان لا يستطيع أحد، سوى العصافير، بلوغه· يجد البلد الصغير نفسه كالعصفور المتروك وحده، أمام اختبار التحليق للمرة الاولى في حياته، بمنأى عن أمه وأبيه وجيرانه، فيما يأخذ الشك طريقه اليه مرات عديدة· صبيحة ذات يوم، يستفيق البلد الصغير على وقع سيمفونية تنشدها له العصافير التي تحضر لتشاهده جميعها وهو يغرّد للمرة الأولى··· يغرد بأجنحته ويشاهد النجوم كما ولم يسبق ان بدت له على هذا القدر من الجمال· ليس مضمون القصة وأسلوب الكاتبة في ايصال ما أرادت ايصاله الى القارئ، وحدهما ما يميزان هذا الكتاب، فلا بد لمتصفحه من ان يتوقف عند الرسوم التصويرية التي ترافقه، والتي تتبدل ملامحها وألوانها ودلالاتها وتتغير تبعاً للمسار الذي تأخذه مجريات وأحداث القصة· بدعابة، بكلمات قليلة وبرسوم دانيال قطّار المدهشة، يلخص كتاب البلد الّصغير دراما وطن ممزق اسمه لبنان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©