الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجال من ذهب في سوق الصاغة بالقاهرة

رجال من ذهب في سوق الصاغة بالقاهرة
16 مايو 2011 20:21
الزائر لمحال وورش الذهب بسوق الصاغة بالقاهرة يتوقف أمام المشغولات الفخمة المتناهية الدقة والأساور والحلي التي تتلألأ أمامه بألوان زاهية صفراء وبيضاء وزخارف بديعة. ولا يصدق الزائر أن كل هذا الإبداع ابتكرته يد إنسان وليس الآلة وان أسرار تلك المهنة الفريدة يتوارثها مجموعه من الحرفيين المصريين عن أجدادهم وآبائهم منذ مئات السنين ومازالوا رغم الصعوبات التي يواجهونها يؤمنون بالإبداع اليدوي في مجال الذهب ويرفضون الاستعانة بالآلة حتى ولو أخذ منهم تصنيع قطعه حلي واحدة أسبوعا طالما أن هناك زبائن تقدر هذا الجهد. تقع «سوق الصاغة» في قلب القاهرة الفاطمية بالقرب من سوق الغورية وتمتد على مساحة 300 متر ولها أربعة مداخل من ناحية الموسكي والغورية والعطارين وبيت القاضي وترجع نشأة السوق إلى نحو 1000 سنة تقريبا حيث يرجع عمرها للسنوات الأولى لتأسيس مدينة القاهرة في عهد القائد الفاطمي جوهر الصقلي. كما أنها تضم سوق تجارة الجملة وتحتوي على نحو 200 ورشة ومحل لصناعة الذهب والمجوهرات النفيسة وتعد سوق الصاغة بمثابة البورصة التي تحدد أسعار بيع وشراء الذهب محليا بالتشاور اليومي بين كبار تجار السوق. المعلم الكبير ويقول لبيب نور الدين «47 سنة» صائغ ـ توارثنا المهنة أبا عن جد وهذا سهل علينا التعرف على الكثير من أسرارها في وقت وجيز عكس من يريد تعلمها من خارج العائلة اذ يحتاج إلى سنوات من الصبر والاجتهاد كي يكتسب ثقة «المعلم الكبير» فيمنحه من خبراته ما يمكنه من ان يصبح متمكنا في مهنته. وأضاف أن الصائغ يجب أن يكون صبورا ودقيقا ويتمتع بحس فني وذائقة عالية في الإحساس بالجمال وقبل كل هذا يكون أمينا ويراعي الله في تعاملاته فلا يغش أو يتحايل أو ينصب على الزبون. وأوضح أن هناك أدوات لابد من توفرها لأي صائغ في ورشة الذهب وهي الميزان والمنشار والمقصات و»الكفت» أو الملقاط ويستخدم في الإمساك بالقطع الذهبية الصغيرة و»الكوة» وهي جهاز خاص لصهر الذهب ويعتمد في تشغيله على الكهرباء أو الغاز. وقال إن هناك قطعا ذهبية يجري تصنيعها وزخرفتها وفقا لرغبات الزبائن وأخرى من وحي خيال وابتكار الصائغ الذي قد يعتمد في أحيان كثيرة على التراث لاستلهام زخرفة رسوم محددة. ويشير إلى أن للذهب ألوانا منها الوردي الذي يحتوي على 20 في المئة من الفضة و5 في المئة من النحاس والذهب الأبيض والذي يحتوي على 20 في المئة من النيكل و5 في المئة من الفضة كما أن هناك أنواعا للذهب عرفها الجميع وتتم حسب درجة النقاوة وتتراوح بين عيار «18, 21, 24» وتعبر هذه الأرقام عن نسبة الذهب إلى النحاس في القطعة فكلما قلت نسبة النحاس زادت قيمة العيار. وقال أن هناك أنواعا لدمغ المشغولات الذهبية والفضية والبلاتينية والسبائك في مصر طبقا لنوع المعدن المصنوع منه من خلال علامة محددة فشارة الذهب طائر وشارة الفضة زهرة اللوتس. وشدد على أن قيمة المجوهرات لا تقاس بوزنها من الذهب فقط وإنما تضاف إليها «المصنعية» وهى قيمة نسبية يضعها الصائغ وفق الجهد الذي بذله في تصنيع وتزيين تلك المشغولات الذهبية. ويؤكد أن هناك مواسما تنتعش فيها سوق الذهب وهى غالبا في شهر رمضان إلى جانب الأعياد وفترة إعلان نتائج امتحانات نهاية العام الدراسي ونجاح الأبناء وهناك تغير كبير طرأ على نوعية الزبائن في السنوات الأخيرة يختلف عما كان سائدا في الماضي فالجيل الحالي أصبح ذوقه مختلفا خاصة العرائس اللاتي تفضلن القطع الخفيفة والبسيطة ويرجع ذلك لغلاء أسعار الذهب. ويؤكد انه يفرح كثيرا عندما يجد من الزبائن من يأتون إليه لتنفيذ تصميم جميل يتخيلونها وهو ينفذها لهم بسعادة لأنه يعتبر صناعة الذهب التقليدية ليست مجرد حرفة وإنما هواية يستمتع بالانشغال بها . الذهب يوضح عادل سعيد صائغ «56 سنة» أنه ليس كل من يعمل في الذهب بقادر على صهر وتصميم إحدى القطع الذهبية فتلك مهارة يكتسبها الصائغ بعد سنوات طويلة من العمل المستمر منوها إلى أن أولى مراحل الصناعة تبدأ بفحص الذهب وتحديد عياره ثم الصهر في الكوة إلى أن يصبح ذائبا كالماء فيتم صبه على شكل سبائك ذهبية بأشكال وأحجام مختلفة حسب الطلب ثم تبدأ مرحلة أخذ الأبعاد والأطوال للقطعة المطلوب صناعتها كالخواتم مثلا أو الأساور وبعدها تبدأ عملية تلميع الذهب بإعطائه بريقا اصفر وذلك بوضع القطعة في مواد حامضية ثم نقوم بتعريضها لدرجة حرارة محدده وبعدها يتم غسل الذهب بالماء العادي لخفض درجة حرارته وإزالة المواد الكيميائية ويبدأ الصائغ تزيين القطعة بالنقوش والزخارف حسب الطلب وهناك زبائن ترغبون في نقش أسمائهم أو الحروف الأولى منها وهناك من يستعيض عن ذلك بأية قرآنية أو لفظ الجلالة. وأكد ضرورة ختم كل قطعه ذهبية في مصلحة الدمغة والموازين حسب عيارها وقبل بيعها للزبون فإذا كان العيار صحيحا تم اعتماد الذهب وختمه بخاتم المصلحة الرسمي أما إذا كان غير صحيح فان المصلحة تعيد القطعة إلى الصائغ لصهرها من جديد وإعادة التصنيع كي تطابق العيار المطلوب. ويشير منير شاكر «49 سنة» جواهرجي وخبير معادن إلى أن غلاء الذهب وغيره من المعادن النفيسة واعتماد الناس عليها كوسيلة لادخار ثرواتهم شجع بعض ضعاف النفوس على ابتكار طرق وأساليب غش المشغولات من المعادن الثمينة مثل إضافة أجزاء غير مدموغة أو أقل من العيار القانوني للمشغولات بعد دمغها وكذلك ملء المصوغات المفرغة مثل الغوايش والحلقان «المكرونة» من الداخل بالنحاس أو أي مواد أخرى لزيادة وزنها وأيضا ملء تجاويف المشغولات بالقطن المبلل بالماء . ودمغ بعض المشغولات بأختام مقلدة ولذا فالنصيحة التي نتوجه بها إلى اي زبون أن يتعامل مع ورش ذهب معروفة وذات سمعة طيبة ولها سجل تجاري وبطاقة ضريبية كي يحصل على فاتورة بالمشتريات موضحا بها الوزن والعيار والنوع والوصف التفصيلي للمشغولات والاحتفاظ بها كي يمكنه إثبات حقه في حاله اكتشاف وقوعه ضحية النصب أو الغش أو التدليس. صانع مصوغات ويقول د.نبيل حلمي ـ عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق الأسبق ـ إن ممارسة مهنة صانع مصوغات أو خبير مثمن معادن ثمينة دون الحصول على التراخيص اللازمة من مصلحة الدمغة والموازين - الجهة الحكومية الرسمية - يعد عملا ضد القانون الذي يعاقب كل من يدعي ذلك بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وأشار إلى أن هناك عدة قوانين خاصة بالدمغة المستعملة في الذهب لا يجوز الغش أو التحايل معها من قبل الصانع أو الزبون وذلك بعد دمغها لحماية الاقتصاد الوطني ومدخرات الناس. وقال: نص المشرع على إن إحداث تغيير أو تعديل بالمشغولات لغرض غير مشروع بعد دمغها يجعلها غير مطابقة للعيار ويعاقب مرتكبه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وفي حال دمغ المشغولات بدمغات مزورة أو بطريقة غير مشروعة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألفاً وفي جميع الأحوال مصادرة المضبوطات. كما أن عرض مشغولات من دون دمغة حكومية أو حيازتها بقصد البيع والتعامل فيها بأي طريقة عقوبته غرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه مع ضبط المشغولات والحكم بمصادرتها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©