الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة كوريا الشمالية.. أجواء حرب باردة

20 يناير 2018 01:27
في الأيام القليلة الماضية، تلقى سكان جزر هاواي تحذير طوارئ مرعباً على هواتفهم، مفاده بأن صاروخاً باليستياً سيضربهم. وطالبهم التحذير بأحرف كبيرة بأن: «ابحثوا عن ملاذ على الفور. هذا ليس تدريباً». لكن التحذير لم يكن حقيقياً وصدر مصادفة عن موظف من الدولة. ورغم أن السلطات استغرقت أكثر من نصف ساعة للتعامل مع الرسالة، فإن الرعب الذي أشاعته كان هائلاً، ما أحيا الخوف الذي نتج عن تحذيرات مشابهة أثناء الحرب الباردة. وأبرز التحذير أيضاً وقائع الوقت الحالي التي تتمثل في أنه في ظل حالة التوترات مع كوريا الشمالية، وما لدى النظام الحاكم هناك من قدرات حربية يستعرضها، فإن احتمال تساقط صواريخ باليستية على هاواي لا يمكن التغاضي عنه. فقد أعلن وليام بيري وزير الدفاع في إدارة بيل كلينتون وأحد دعاة التصدي لتهديد الأسلحة النووية على تويتر قائلاً: «احتمال وقوعنا ضحية كارثة نووية أكبر الآن مما كان عليه أثناء الحرب الباردة». وهناك سوء فهم للعواقب الكارثية المحتملة. فقد ظهرت «تولسي جابارد» العضو «الديمقراطي» في الكونجرس عن هاواي، باعتبارها صوتاً مناهضاً للصقور، وإنْ يكن مثيراً للجدل في واشنطن. ونشرت تغريدة على تويتر في الآونة الأخيرة دعت فيها إلى إجراء مفاوضات مع بيونج يانج. لكن الدبلوماسية من دون شروط مسبقة ليست بالتأكيد شعار البيت الأبيض. فقد دعا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في قمة دولية عقدت في مدينة فانكوفر الكندية، يوم الثلاثاء الماضي، إلى ممارسة المزيد من الضغط الاقتصادي على النظام المنبوذ للزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون. وأعلن تيلرسون أثناء مناقشته تشديد القيود على كوريا الشمالية قائلاً: «يتعين علينا أن نفاقم التكلفة الناتجة عن تصرف النظام حتى تضطر كوريا الشمالية إلى القدوم إلى طاولة لإجراء مفاوضات يعتمد عليها». ومضى يقول: «هدف المفاوضات إذا حدثت هو النزع الكامل، والذي يمكن التحقق منه، ولا يمكن الرجوع عنه للأسلحة النووية لكوريا الشمالية». والاجتماع الذي ألقى فيه هذه التصريحات ربما يعتبر في حد ذاته عملاً من أعمال المواجهة بدرجة ما. والاجتماع الذي أقيم في ضيافة مشتركة من تيلرسون ووزيرة الخارجية الكندية «كريستيا فريلاند شاركت فيه 18 دولة أخرى، بينها تباين كبير، مثل كوريا الجنوبية وبلجيكا وكولومبيا واليونان والهند وإيطاليا ونيوزيلندا وبريطانيا. والسبب في هذا أن غالبية هذه الدول شاركت في الحرب الكورية قبل أكثر من ستة عقود، ودخلت الصراع لمصلحة كوريا الشمالية برعاية الأمم المتحدة. وما يبرز أجواء الحرب الباردة، غياب وسيطين محوريين آخرين وهما الصين وروسيا. وقبيل قمة فانكوفر، عبر مسؤولون من بكين وموسكو عن عدم تأييدهم للاجتماع برمته. ووصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحفي يوم الاثنين الماضي الاجتماع بأنه «ضار». وقال لافروف: «حين علمنا بشأن الاجتماع سألنا عن سبب الحاجة إلى كل هذه الدول معاً؟ اليونان وبلجيكا وكولومبيا ولكومسبورج؟ ما علاقتهم بشبه الجزيرة الكورية؟». ونقلت وسائل إعلام كندية انتقادات لـ«لو كانج»، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية للقمة، وقوله عنها: «إنها تعكس تفكير الحرب الباردة، وهو لن يخلق إلا انقسامات في المجتمع الدولي، ويُقوض الجهود المشتركة التي تُبذل لحل القضية النووية لكوريا الشمالية بشكل ملائم». وفي كوريا الشمالية، أصبح جنون العظمة المرتبط بالحرب الباردة أكثر وضوحاً. ويغذي نظام «كيم» شعوراً بالعداء الدائم تجاه الولايات المتحدة التي أشرفت على حملة قصف بشعة ضد كوريا الشمالية تعيش منذ فترة طويلة في ذاكرة البلاد. والتوترات الحالية لم تؤد إلا إلى تفاقم مخاوف بيونج يانج القائمة دوماً وزيادة جهود الدعاية المروجة للحرب. وأثناء انعقاد القمة اختار النظام الكوري الشمالي شن هجوم خطابي جديد على الرئيس ترامب متهكماً علي تغريدته التي قال فيها: «إنه يمتلك «زرا نوويا» أكبر مما يمتلكه كيم». وجاء في صحيفة «رودونج سينمون» الناطق الرسمي بلسان الحزب الحاكم في بيونج يانج أن كلام ترامب «ليس إلا تشنجاً، يعكس رعباً من قوة كوريا الشمالية». وبالمثل يبدو أن إدارة ترامب لا تريد تهدئة الأجواء. فقد أعلن تيلرسون في فانكوفر أن الولايات المتحدة لن توقف المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية في مقابل وقف كوريا الشمالية برنامجها للأسلحة النووية. وما يعرف في لغة الدبلوماسية باسم «التجميد مقابل التجميد»، يمثل وسيلة نحو تخفيف التصعيد الذي طالما فضلته موسكو وبكين لكنه يلقى معارضة شديدة من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. لكن لا يمكن تحقيق شيء ملموس في الأساس في كوريا الشمالية من دون الانصات إلى الروس والصينيين. ومن ثم فإن محاولات إدارة ترامب التباحث مع بيونج يانج ستتعثر بلا شك. ويعتقد عدد من الخبراء الأميركيين على جانبي الطيف السياسي أن إدارة ترامب يتعين عليها ببساطة أن تتعلم كيفية التعايش مع كوريا الشمالية النووية. ويجادل «جون دوليري» الخبير في الشؤون الصينية والإقليمية، وهو مقيم في سيول، أنه يتعين على واشنطن أن تتجاوز نموذج الحرب الباردة إلى الأبد. وكتب «دوليري» في مجلة فورين بوليسي «وقوع انفراجة مع الولايات المتحدة سيسمح لكوريا الشمالية أن تبدأ تطبيع العلاقات الاقتصادية مع جيرانها بناء على التحول الذي يجري بالفعل بهدوء. وعلى المدى الطويل فإن عملية تدريجية من التفكيك قد تؤدي إلى نزع الأسلحة النووية مع إزالة الشعور المتبادل بالخطر. وإذا كان ماو الذي تحدث عن الحرب النووية باعتبارها احتمالاً حقيقياً تستطيع الصين النجاة منه، ونيكسون الذي أقام إرثه على التصدي للشيوعية، أن يدفنا السيوف من أجل مصلحة الاستقرار الجيوسياسي، فلماذا لا يستطيع كيم وترامب هذا؟ إنهما يستطيعان ويتعين عليهما ذلك». *كاتب متخصص في الشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©