نكمل اليوم حديثنا عن العجلة والتسرع في أمور كثيرة، منها ما يصيب ومنها ما يخطئ، منها ما يجعل الشخص يفرح أنه لم يتأخر في اتخاذ القرار، ومنها ما يجعله يعض أصابع الندم. ونحن اليوم سنسعى إلى ما يحقق - قدر الإمكان - النتيجة السليمة بتفعيل الوعي والفكر. الحكمة تقول: «المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»، ونحن نريد أن نحقق الكثير من أهدافنا والوصول إليها دون أن نفقد أو نخسر أشياء ثمينة. عزيزي القارئ تأنى ولا تستعجل في الوصول للنجاح دون دراسة الأهداف لوقتٍ كافٍ، فكل شيء يبنى على مهل يكون قوياً وثابتاً ومتيناً. قد تكون الأمور حولك مزخرفة ومنمقة وجميلة أو يشوهها لك شخص ما، أو يكون عليها ما يعيبها، فكل ما هو جيد أو غير جيد تظهره الدراسة المتأنية، واستشارة أهل الخبرة والاختصاص من الثقات. فكم من الأمور التي حكمنا عليها بالسلب أو الإيجاب ظهرت لنا بغير ما ظننا، فمن يتمهل يرى الأمور واضحة، ومن له نظرة لما وراء الأمور يمكن له أن يتبين منها ما لا يتبينه غيره ممن هو خارج الدائرة وليس لديه النظرة والتفكير نفسهما. فقد استعجل داوود عليه السلام في حكمه في مسألة الأخوين فعاتبه الله، قال تعالى: (.. وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) (ص:24).
لا تعجل في الغضب والزعل والخصومة، لأنها من مضيعات العلاقات والأموال والفرص، وكم هدمت بيوتاً وأزهقت أرواحاً، وفرقت عائلات، وشردت أطفالاً، وعطلت مصالح خاصة وعامة. إذا حدثت في العمل تتحول إلى مسألة شخصية، وعطلت مصالح العمل. وإذا حدث في قاعات الدراسة، تعطل التحصيل العلمي وبناء العقول والأجيال، وإذا حدثت بين الجيران قست القلوب ومرضت الأنفس. لا تعجل عزيزي الزوج بالطلاق فتهدم أسرة وتشتت أطفالاً، ولا تستعجلي أختي الفاضلة فتطلبي الطلاق وأنت في حالة انفعال وألم وحزن وعدم وعي، فالبناء صعب والهدم أسهل ما يكون. قال (الشيرازي): «على النابل أن يتأنى، فالسهم متى انطلق لا يعود». والمثل العربي يقول: «العجولُ مخطئٌ ولو ملك، والمتأني مصيبٌ ولو هلكَ». وقالت العرب: «الخطأُ زادُ العجولِ».
لا تعجل في أخذ ردة فعل معينة تجاه أمر ما أو موقف معين أو كلمة قيلت قبل أن تترك الفرصة لعقلك يقلب الأمور ويحلل معطياتها، فليس كل ما نراه أو نسمعه هو ما يعنيه صاحبه. فذلك الرجل الذي غاب عن زوجته 20 سنة بعد زواجه منها بأيام، عاد في ليل فرأى زوجته من نافذة الدار تتحدث إلى رجل فهم بقتله ولكنه تذكر حكمة قالها له حكيم دفع ثمنها ثلث ما كسب طيلة العشرين سنة، قال له: «لا تبدأ بالدم فتندم»، فمسك نفسه، وأكمل يستمع للحديث بين زوجته والرجل، فإذا به يسمع الزوجة تقول للرجل: «اذهب يا بني وابحث عن أبيك الذي تركنا منذ 20 عاماً ..»، فذهل الرجل مما سمع، فقد كاد أن يقتل ولده الوحيد، والذي لم يره من قبل. وللحديث صلة...
د. عبداللطيف العزعزي | dralazazi@yahoo.com
عدد اليوم
