الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وسائل الاتصال الحديثة.. طوق نجاة للغة العربية أم مصدر خطر؟

وسائل الاتصال الحديثة.. طوق نجاة للغة العربية أم مصدر خطر؟
13 مايو 2013 20:29
أمر جميل أن يتقن الطفل أكثر من لغة، فعولمة القرن الواحد والعشرين تحتم علينا أن نكون ملمين بلغة ثانية وثالثة لكن من دون المساس بلغتنا العربية الأم. ومن الأمور الإيجابية أن نجد بيننا أصواتاً تذكرنا بأهمية اللغة العربية كعنصر ثقافي فاعل ومؤثر في عملية الاتصال، وكيفية توظيف وسائل التواصل في تعلم اللغة التي أسست لحضارة العالم بأسره ولنهضته وتقدمه، وهي اللغة التي نعتز بها ونتمسك بحروفها ومكنوناتها وإبداعاتها وجمالياتها التي تفتقر إليها كثير من لغات العالم. لكن ما هي الوسائل والأدوات التي يمكن أن تحقق هذه الغاية؟ خورشيد حرفوش (أبوظبي)- ما من شك أن اللغة بشكل عام هي أداة وعصب عملية التواصل الاجتماعي بين الناس باختلاف ثقافاتهم وألوانهم وجنسياتهم وألسنتهم. لكن لا يختلف رأيان على أن العقود الثلاثة الماضية شهدت ثورة وطفرة هائلة في الاتصال والتواصل في العالم من حولنا. ومن ثم غدت لغة وسائل الاتصال الحديثة أكثر قرباً وتأثيراً في توجيه الناس وتعبئتهم وتشكيل ثقافتهم واتجاهاتهم، بل تعدى هذا الدور إلى مرحلة الخطورة لانعدام عوامل الضبط والسيطرة المجتمعية على لغة التواصل بين الناس من دون قيود. إن اللغة كأداة للتواصل البشري نتاج اجتماعي بطبيعتها، ومرآة تعكس تاريخ الشعوب واهتماماتها، بل هي الوسيلة التي تساعد على نقل التقاليد وتكوين الأهداف، وتساعد على قيام التنظيمات الاجتماعية البشرية وتعطيها استمراراً في الزمان والمكان. بل ويمكننا القول إن أعظم ما ابتدعه الإنسان هو اللغة كأداة للتفاعل الاجتماعي ولنمو الفرد ونمو المجتمع. فهل فقدت اللغة العربية دورها كأداة للتواصل بين الناس؟ «سلاح ذو حدين» فتحي قنصوة ، مدرس اللغة العربية، والمشرف العام على برنامج الأوليات والأوائل بالمدرسة الدولية في العين، يوضح علاقة وسائل الاتصال الحديثة باللغة العربية سلباً وإيجاباً، ويقول: «اللغة العربية أصبحت الآن مع الأسف لغة ثانية، بل أصبحت مهملة لدى كثيرين، فالطفل العربي في مجتمعات عديدة ينشأ لا يعرف من لغة دينه إلا كلمات معدودة، بحجة أن المستقبل المهني لمن يتقن اللغات الأجنبية، ولسنا ضد تعلمها، لكن لنعطي الأولوية والأهمية للغة الأم حتى لا تضيع هويتنا العربية». ويضيف قنصوة: «من الممكن أن تؤثر وسائل الاتصال الحديثة على اللغة العربية سلباً وإيجاباً في آن واحد، أي أنها تصبح سلاحاً ذا حدين، فالجانب السلبي يتمثل في مساهمتها في نشر المفردات اللغوية الهشّة والغريبة والركيكة، وبلكنات ولهجات تضر بسلامة اللغة العربية نتيجة تداخل الثقافات واللهجات، والخطورة تكمن في أن الأطفال والصبية والشباب والمراهقين يتناقلون عبر وسائل الاتصال الحديثة هذه اللغة بيسر وسهولة، ويستسهلونها عن اللغة الفصيحة، بل إننا نجد لغة خاصة تسود بين بعض الأوساط أو بين بعض الجماعات، ولا نفهمها بل نجد أنهم يتداولون مفردات غريبة بعيدة عن ثقافتنا العربية، ومن شأنها تشوّه معتقداتهم وعواطفهم وسلوكاتهم وتشتت أفكارهم وولاءهم واتجاهاتهم؛ لأنهم سينشأون مفصومين فكرياً ونفسياً ومنقسمين ذهنياً ووجدانيا ما بين المجتمع المحلي والبيئة المحيطة والواقع الذي يعيشون بين جنباته وبين محاولات الهروب منه، والانسلاخ عن هذا المجتمع، وهم في الوقت ذاته غير قادرين على التكيف مع واقعهم الحقيقي هذا وغير منسجمين معه. فالانبهارات السطحية التي لم ترقَ إلى تفكير عميق وواع بكيفية انتقاء الأنسب والأصلح من الآخر والحوار معه. أما الجانب الإيجابي فيتمثل في إمكانية مساهمة وسائل الاتصال في نشر اللغة العربية السليمة بلغة محايدة وسهلة، تذوب فيها فوارق اللهجات، ولعل التلفاز ومواقع «الإنترنت» وشبكات التواصل يمكن أن تحقق هذا الهدف». نقل الأفكار يرى الدكتور فؤاد أسعد، أستاذ علوم الاتصال والعلاقات الإنسانية، أن لغة الحديث مرتبطة بإمكانات المتحدث في التعبير لنقل فكرته لكي يتم استيعابها وفهمها. لذلك يجب أن تكون لغة المتحدث بسيطة وواضحة ومختصرة وتعبيرية وعملية في آن واحد. فمفردات الحديث هي التي بواسطتها ينقل بها المتحدث فكرته بأقل ما يمكن من الكلمات، وأعمق وأقوى ما يمكن من التأثير على مستمعيه. إن الواقع والتجارب أثبتت كل يوم بأنه إذا كانت مفردات المتحدث ضعيفة وسيئة فلا يمكنها أن تحقق أي نجاح وتأثير حتى لو أنه يعالج فكرة وقضية علمية عميقة وحيوية معاً. فاختيار الكلمة المناسبة والمؤثرة في معناها ضروري، وذو أهمية في معالجة أي موضوع كان. فكلما كانت اللغة أبسط ومفهومة أكثر كانت أفضل وأحسن، فمفردات الحديث المستعملة يجب أن تتمتع بالدقة والسطوع لكي تحرك أحاسيس المستمعين وتجذب انتباههم. واللغة من الأمور التي يرى كل فرد نفسه مضطراً إلى الخضوع لما ترسمه، وكل خروج على نظامها ولو كان عن خطأ أو جهل يلقى من الرأي العام مقاومة تكفل رد الأمور إلى نصابها الصحيح، وتأخذ المخالف ببعض أنواع الجزاء. فاللغة كغيرها من مظاهر الثقافة تتميز بخاصية التراكم والاستمرار والنمو والقدرة على الانتقال. والأكثر من هذا كله فإنها هي ذلك الجزء من الثقافة أو الحضارة الذي يساعد أكثر من غيره على التعلم وزيادة الخبرة والمشاركة في خبرات الآخرين، سواء الخبرات الماضية أو الحالية، أي أنها العامل الأساسي في علمية التراكم التي هي عنصر في الحضارة الإنسانية. تقنيات الاتصال أما الاختصاصية اللغوية أحلام الجمالي، فتوضح العلاقة بين اللغة ووسائل الاتصال الحديثة، وتقول:« هناك دراسة أميركية تشير إلى أن الأميركيين الذين يستخدمون تقنيات الاتصال الحديثة اجتماعيون أكثر من غيرهم، وأن الإنترنت والهواتف المحمولة لا تشد الناس بعيداً عن الأوساط الاجتماعية التقليدية بل تعززها، حيث يرتبط استخدامها بشبكات مناقشة أوسع وأكثر تنوعًا. وعلى الرغم من أن الدراسة أشارت إلى أن استخدام الشبكات الاجتماعية مثل «الفيس بوك» و«تويتر» وغيرها قد احتل مكان العلاقات الاجتماعية المباشرة بين الجيران مثلاً، إلا أنها تظهر أن مستخدمي «الإنترنت» قد يزورون جيرانهم مثلهم مثل الآخرين، كما أن الأشخاص الذين يستخدمون الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت بكثرة في العمل، غالباً ما ينتمون إلى مجموعات تطوعية محلية أيضاً. إن معرفة تأثير الثورة المعلوماتية والاتصالات وانتشار «الإنترنت» في البيوت والمؤسسات والمقاهي تعد ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة لمعرفة آثارها الاجتماعية والنفسية، فاستخدام «الإنترنت» أصبح من الظواهر التي يرى الإنسان العادي انعكاساتها بسهولة. فاستخدام «الإنترنت» أصبح بديلاً للتفاعل الاجتماعي الصحي مع الرفاق والأقارب، وأصبح هم الفرد قضاء الساعات الطويلة في استكشاف مواقع «الإنترنت» المتعددة، مما يعني تغيرًا في منظومة القيم الاجتماعية للأفراد، حيث يعزز هذا الاستخدام المفرط القيم الفردية بدلاً من القيم الاجتماعية وقيم العمل الجماعي المشترك الذي يمثل عنصراً مهماً في ثقافتنا. وتضيف الجمالي: « إن الاستخدام الفردي للحواسيب و«الإنترنت» يعزز الرغبة والميل للوحدة والعزلة، مما يقلل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي والانفعالي الصحي الذي لا يقل أهمية عن النمو المعرفي وحب الاستطلاع والاستكشاف، وأن بعض الدراسات الأولية تشير إلى أن استخدام «الإنترنت» يعرض الأطفال والمراهقين إلى مواد ومعلومات خيالية وغير واقعية، مما يعيق تفكيرهم وتكيفهم وينمي بعض الأفكار غير العقلانية وخصوصاً ما يتصل منها بنمط العلاقات الشخصية وأنماط الحياة والعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات الأخرى». برامج الحماية عدنان عباس، مدير مدارس النهضة الوطنية للبنين في أبوظبي، يؤكد مسؤولية التعليم في الحفاظ على اللغة العربية، ويقول:« اللغة بشكل عام وعاء الفكر، ومرآة الحضارة الإنسانية التي تنعكس عليها مفاهيم التخاطب بين البشر، ووسيلة التواصل، ومن ثم اهتم بها الإنسان، وطور آلياتها لتصبح قادرة على احتواء كل جديد. ومسؤوليتنا الكبرى تستوجب منا أن نحافظ على رمز هويتنا، ونصونها بإتقان قواعدها، وتعليمها للأجيال، وتربية الناشئة على حبها، واحترامها، والاعتزاز بها، والشغف بتعلمها، على اعتباره أنها رمز للهوية العربية وعنوانها». ويكمل عباس:« يمكن توظيف وسائل الاتصال الحديثة في تعزيز مكانة اللغة العربية، وعلينا أن نتذكر كيف كانت حياتنا قبل اختراع «الإنترنت» والهاتف المحمول، ربما كانت أكثر تواصلاً، فوسائل الاتصال الحديثة مزقت الصلات والتواصل الاجتماعي المباشر بين أفراد الأسرة الواحدة والأشخاص المقربين لصالح عالم وهمي افتراضي، وعلينا أن نستثمر هذا الانتشار الواسع لوسائل الاتصال الحديثة في تعزيز اللغة العربية، والحفاظ عليها، وهي مسؤولية مجتمعية كبيرة وصعبة، ولا تتأتى إلا من خلال توفير برامج لغوية للتداول، وترجمة البرامج الإلكترونية التي تحظى بانتشار وإقبال لدى الشباب والمراهقين إلى لغة عربية سليمة، وإيجاد رقابة لغوية دقيقة على ما تتعرض له مجتمعاتنا من غزو للغات ولهجات هابطة وهشة، ومراجعة المناهج الإلكترونية المدرسية مراجعة دقيقة، وتصحيح الأخطاء السائدة، ومن ثم أؤكد أهمية مراجعة برامج الترجمة الإلكترونية، ومناهج اللغة العربية أو غيرها من العلوم التي دخلت المقررات الدراسية حديثاً، والتأكيد على دور المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام والمكتبات والجمعيات الأهلية في مكافحة أي مظاهر سلبية تؤثر على اللغة العربية، والاهتمام بالبرامج والأنشطة اللاصفية في المدارس لمقاومة التأثير السلبي لوسائل الاتصال على لغتنا العربية، وحرص القائمين على تعليم اللغة أو العاملين في أجهزة الاتصال المؤثرة كالإذاعة والتلفزيون على نشر وتعزيز ثقافة التمسك باللغة العربية كمقوِّم ثقافي وحضاري وإرث يرتبط ارتباطاً مباشراً بهويتنا الوطنية». تأثيرات سلبية يشير عدنان عباس إلى نتائج لاستطلاع رأى أُجري على عينة من مائة معلم، وفيه أكد 70% منهم أن قضاء الأطفال لساعات طويلة بشكل منفرد مع التقنيات، وبخاصة الإنترنت، يؤثر سلبياً على تواصلهم ومهاراتهم الاجتماعية. كما أن فقدان التواصل المباشر في مقدمة أبرز نتائج الاستخدام السلبي لإدمان أحد الزوجين أو لإدمان الصبية والمراهقين للإنترنت. وفي دراسة أخرى منشورة عن الآثار الاجتماعية للإنترنت على الشباب، كشفت أن 50.07 % من أفراد العينة يذهبون إلى أن شبكة الإنترنت تؤثر سلبياً على الوقت الذي يتم قضاؤه مع أسرهم، ورأى 52.5% منهم أن لشبكة الإنترنت تأثيراً سلبياً على العلاقات الأسرية، وذهب 60.8 % أن لها تأثيراً سلبياً على العلاقات مع الأصدقاء والأقارب، حيث تقل معدلات الزيارات الأسرية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©