النضال الديمقراطي الفلسطيني

الفلسطينيون شعب استثنائي، يسير حافياً فوق الأشواك ليجني الزيتون والبرتقال وحده· ولعل مشهد عرس الديمقراطية الفلسطيني أمس كان أبلغ دليل على استثنائية الفلسطينيين·
فبينما كان الكثيرون يترقبون مشاهد 'الفوضى' و'العنف' في ظل انتشار السلاح والصراعات المحتدمة بين الفصائل وطلقات بنادق الاحتلال الإسرائيلي، أبهر الفلسطينيون العالم بمشهد انتخابي يماثل ما يحدث في أعرق الديمقراطيات الغربية·
لقد انتصرت 'فلسطين' على نزاعات الفصائل والصراعات الصغيرة والفلتان الأمني، فجرت الانتخابات في أجواء ديمقراطية احتفالية وفاقت نسب التصويت كافة التوقعات بل تجاوزت نسب الاقتراع في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية·
إن مشهد الأمس يدلل على أن الفلسطينيين يجيدون الديمقراطية كما يجيدون النضال، فالفلسطينيون يدركون أكثر من 'المتشنجين' العرب أن النضال عبر صناديق الانتخاب له قدسيته ، وأنه مثل السلاح أداة للنضال وليس ترفاً أو 'ديكوراً' لمشهد مسرحي·
لقد أشاد العالم بما فيه البيت الأبيض بالانتخابات الفلسطينية وانبهر المراقبون الدوليون بما يحدث أمامهم من ممارسة ديمقراطية راقية غير معتادة في المنطقة، بل أن عدداً من المعلقين الإسرائيليين أبدو استغرابهم من درجة احترام الفلسطينيين لصناديق الاقتراع·
إن هذا الانبهار'الغربي' والاستغراب 'الإسرائيلي' يعبر عن عدم فهم الشخصية الفلسطينية السياسية، تلك الشخصية التي نضجت عبر وحدة النضال وتعدد مساراته منذ وقت مبكر·
فقد تعددت توجهات ومشارب التنظيمات الفلسطينية منذ إرهاصات الثورة في الستينيات بين قوى قومية ويسارية، ولكنها وحدت نفسها في إطار النضال من أجل التحرير مع الاحتفاظ بوجودها المستقل، وهي الصيغة التي جاءت منظمة التحرير الفلسطينية تعبيراً عنها وتأكيداً لممارسة (نوع من الديمقراطية) في ظل النضال المسلح· وحتى مع ظهور 'حماس' خارج السرب في الثمانينات إلا أن التجربة أجبرتها على الدخول في الصيغة الفلسطينية على قاعدة وحدة الهدف و'حرمانية' تفتيت الصف الفلسطيني·
إن المشهد الفلسطيني الانتخابي هو ليس ابن اللحظة أو صدفة تاريخية بل نتاج تجربة تزيد عن 40 عاما من النضال السياسي والديمقراطي· ولكن يظل السؤال هو هل ستنتصر الفصائل لفلسطين بعد الانتخابات أم سيكون لها رأي آخر قد يحول دون استكمال تجربة فريدة لشعب عربي استثنائي؟
أكـرم ألـفي