الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أم كلثوم على القمة في العهدين الملكي والجمهوري

أم كلثوم على القمة في العهدين الملكي والجمهوري
14 نوفمبر 2008 00:30
الفنان لا يبتعد عن السياسة ولا الساسة حتى لو اراد أو حاول، فالسياسي أو الحاكم يسعى للتأثير على الجماهير واحتوائهم، والفنان بحكم فنه يفعل ذلك، لذا فإن كثيرا من الحكام يهمهم أن تكون لهم صلة ود بالفن والفنان، وكثير من الفنانين يسعون الى تلك الصلة، فهم عبر الحكام يسهل التقاؤهم بالجماهير، صحيح أن في بلادنا بعض حالات لفنانين يقفون في صف المعارضة، مثل الشيخ إمام ذلك الملحن والمطرب الكفيف الذي لم يكن يقل موهبة عن الفنان سيد مكاوي، ولكن توجهه السياسي حرمه لفترات طويلة من الأضواء·· على أي حال فإن الشيخ إمام ينتمي الى نموذج محدود لا يمثل سوى استثناء فيما القاعدة العامة هي صلة الود بين الفنان والحاكم، وتختلف مستويات هذه الصلات من فنان إلى آخر من زعيم سياسي إلى اخر· فالفنان محمد عبدالوهاب اطلق عليه لقب ''مطرب الامراء والملوك'' لانه غنى لعدد كبير من الامراء العرب منذ الثلاثينيات·· وام كلثوم لم تأخذ هذا اللقب، لكنها لم تكن بعيدة تماما عن الحكام، خاصة حكام مصر، بل كانت لها بهم صلات طيبة· عاصرت أم كلثوم، منذ احترافها الفن وحتى وفاتها حكام مصر من الملك فؤاد وحتى الرئيس السادات، وفي عهد الملك فؤاد كانت لا تزال مطربة مبتدئة وصاعدة، وفي أواخر عهده بدأت تتألق، وتصبح نجمة كبرى ومطربة الشرق، ونظرا لارتباطها الشديد بعصر عبدالناصر وشخصية الزعيم فيما بعد، ذهب بعض المحللين والمؤرخين إلى القول أن الملك فاروق كان يكرهها بشدة وأنها كانت تكرهه، وأظن أن هذا القول بحاجة إلى مراجعة، فلا هي كرهت الملك ولا هو كذلك· وقد جاء حديث الكراهية بسبب ما روي عن قصة حب جمعت بين أم كلثوم وشقيق الملكة نازلي الوجيه شريف صبري واعتراض الملك على الزواج ولم تتوقف أم كلثوم عند هذه القصة طويلا بدليل انها مرت بعدد من التجارب العاطفية بعد ذلك ثم تزوجت· وبعد قيام ثورة يوليو 1952 كتب سيد قطب مقالا في مجلة ''الرسالة'' بعنوان ''اخرسوا هذه الأصوات'' طالب فيها بمنع الأصوات التي غنت للملك فاروق من الغناء أو ممارسة أي نشاط فني، وكانت أم كلثوم من بينهم، ومنعت بالفعل بعض الوقت لأن الضابط الذي كان يراقب الإذاعة اعتبرها من رموز العهد البائد، واشتكت إلى الكاتب الصحفي مصطفى أمين، الذي نقل شكواها إلى البكباشى جمال عبدالناصر الذي سخر من تصرف الضابط· واستدعى عبدالناصر ذلك الضابط وسأله عن منع اذاعة اغنيات ام كلثوم فاجابه بالتأكيد لانها من العهد البائد وعاد عبدالناصر ليسأله ان كان لديه قوة كافية ومعدات فرد عليه خير يا افندم فقال عبدالناصر خذ القوة واذهب الى الهرم ودمره تماما فهو ايضا من العهد البائد وقال مقولته التي رددها كثير من النقاد والصحفيين ''ام كلثوم هي هرم مصر'' وامتنت كثيرا لعبدالناصر· ويمكن القول ان تجربة المنع في عام 1952 جعلتها تدرك انها لابد ان تتوافق مع العهد الجديد وان تتملص من العهد القديم وفي هذه الأثناء ظهرت الكراهية المتبادلة بينها وبين الملك فاروق ثم اندمجت في الأحداث الكبرى مثل تأميم قناة السويس، وبناء السد العالي، وساعد على ذلك احترام عبدالناصر لها وتقديره لشخصها· وبعد هزيمة 1967 أحيت حفلات ضخمة داخل مصر وخارجها وخصصت دخلها للمجهود الحربي وكان عبدالناصر ممتنا لها ومقدرا، لذا منحها جواز سفر خاصا بكبار المسؤولين واعتبرت السيدة الاولى في مصر، ذلك ان قرينة الرئيس عبدالناصر لم يكن لها نشاط عام وقد غنت ام كلثوم في زواج ابنتيه منى وهدى· كانت ام كلثوم تقدر عبدالناصر لكنها كانت تعي ما في عصره ويختلف عن العصر السابق ففي متحف ام كلثوم هناك نوتة خاصة بها كانت تسجل فيها الحفلات التي كانت تشارك فيها والعائد المادي الذي حصلت عليه منذ الثلاثينيات وفي عام 1954 تسجل انها غنت في حفل زفاف شقيقة الصاغ صلاح سالم والاجر والثواب عند الله اي انها غنت مجانا· وبوفاة عبدالناصر دخلت أم كلثوم مرحلة المحاق، وكانت سنها قد كبرت وصحتها لم تكن على ما يرام، وتحدث كثيرون عن ان ازمة وقعت بينها وبين قرينة الرئيس السادات السيدة جيهان· وروى الاستاذ محمد حسنين هيكل واقعة ان أم كلثوم قالت عبارة في حفل خاص ببيت الرئيس السادات وفي حضور المهندس سيد مرعي وهيكل وزوجتيهما، وجاء الرئيس مرتديا ''بليزر'' ابيض وبنطلونا اسود، فعلقت أم كلثوم بان الرئيس ''زي الشجرة في الضلمة'' ابيض واسود وضحك الرئيس لكن جيهان غضبت وبعدها ساءت علاقتها بالرئيس، وتعثر مشروعها لانشاء جمعية لرعاية المعوقين واليتامى وهو المشروع الذي تولته بعد وفاتها السيدة جيهان السادات باسم ''الوفاء والامل'' ونفت جيهان السادات الواقعة تماما واكدت مدى الود والتقدير الذي كان لديها ولدى زوجها لأم كلثوم· وقالت ان ام كلثوم كانت حساسة وذكية ولذا لا يمكن ان تقول مزحة عن الرئيس، ولاحظ كل المراقبين ان أم كلثوم حين توفيت في عام 1975 فإن بيان نعيها صدر عن رئاسة مجلس الوزراء وليس عن رئاسة الجمهورية كما ان الرئيس لم يتقدم جنازتها، رغم انهم توقعوا ذلك فقد كانت تستحق واعتبر ذلك دليل عدم الود من السادات نحوها، ولعل السادات كان يدرك ان أم كلثوم غنت كثيرا لعبدالناصر ولمشاريعه بينما لم تغن له، لا حين تولى الحكم خلفا لعبدالناصر ولا عندما قام بما اعتبره ثورة التصحيح في 15 مايو ·1971 ولعل أم كلثوم كانت تدرك انها في نهايات العمر لذا لم تحرص على الارتباط بالسادات، فضلا عن انه صار رئيسا وهي في قمة نجوميتها لكن أهم ما يميز هذه السيدة التي جاءت من الريف المصري هو انها لم يكن لديها انكسار تجاه السلطة في اي وقت أو مرحلة ولعل هذا ما جعل عبدالناصر يرسل اليها مبعوثا يشرح لها ابعاد قضية مصطفى امين عام ·1965 غلبت أصالح لعبد الناصر ورفاقه في الفالوجا كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يقدر فن أم كلثوم ويحترمها منذ بداية حياته العملية، وعبر عن ذلك عندما كان محاصرا في الفالوجا عام 1948 وارسل هو وزملاؤه يطلبون من وزير الحربية أن تغني لهم أم كلثوم في حفلتها الشهرية ''غلبت أصالح في روحي''، وطلب منها حيدر باشا وزير الحربية ذلك واستجابت، وبعد عودتهم من الفالوجا، أقامت لهم حفل استقبال في بيتها، حيث التقت بعبدالناصر لأول مرة· وكان عبدالناصر يحرص على أن تكون أم كلثوم هي التي تفتتح احتفالات 23 يوليو كل عام، وكان يحضر هذه الاحتفالات هو وضباط مجلس القيادة خاصة في السنوات الاولى من الثورة· صاحبة العصمة ··· كوكب الشرق في عام 1936 حين تولى فاروق عرش مصر غنت له اغنية بهذه المناسبة هي ''الملك بين يديك'' وقام بتلحينها رياض السنباطي ولن نجد هذه الاغنية في اي من اشرطتها الان ولا تذاع، وفي عهده نالت لقب ''صاحبة العصمة'' ثم لقب ''كوكب الشرق'' والثابت ان صالة الاحتفالات بقصر عابدين لم يكن يدخلها بانتظام سوى عبدالوهاب وأم كلثوم وكانت العادة ان تقام هذه الحفلات حتى يتمكن الملك وافراد اسرته سواء شقيقاته أو زوجته وبناته من الاستماع لهما بدون الاضطرار الى الذهاب الى الحفلات العامة، حيث الاجراءات الامنية والجو الذي لا يحبونه، وهذا ينفي حكاية الكراهية المزعومة·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©