الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المِهَن التقليدية·· رهينة المتاحف والمناسباتية والنظرة السياحية

المِهَن التقليدية·· رهينة المتاحف والمناسباتية والنظرة السياحية
5 فبراير 2009 02:21
لأنها تعد واحدةً من أهم الرموز المادية في دراسة التراث الشعبي لمختلف الشعوب والأمم، لما يمثله مخزونها المادي من دلالات وصور عن درجة التطور المادي والمعنوي الذي عاشته، إضافة لدورها في إبراز حجم وتطور الإبداع البشري والموهبة الإنسانية، التي تمكنت من معرفة المادة وأسلوب التعامل معها وتشكيلها لتكون في خدمة الحاجات الأساسية للفرد، تكتسب جهود البحث في الحرف التراثية والصناعات التقليدية أهمية مميزة، تتضاعف ـ بلا شك ـ في ظل ما يواجهه هذا الحقل من حقول التراث الثقافي من تحديات تتمثل في كونه عرضة للضياع والاندثار أمام الحالة المدنية التي تعيشها الإمارات منذ ظهور النفط، وتراجع عدد المواطنين العاملين في ما تبقى منه على قيد الحياة، وغلبة العناصر غير المحلية في هذه الصناعات والحرف، و''النظرة السياحية'' في التعاطي معه، والطابع المناسباتي الذي يغلب عليه، وغير ذلك مما دأب الباحثون والمشتغلون في هذا الحقل على إيراده في دراساتهم أو الحديث عنه في المناسبات المختلفة· ويبدو الهاجس الأكثر إلحاحاً ووضوحاً على هذا الصعيد هو الخوف على هذه الحرف والمهن التقليدية من الضياع والاندثار، وهو الهاجس الذي بدا واضحاً في الدورة الثالثة لملتقى الحرف التراثية الذي نظمته دائرة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة مؤخراً، والذي يشكل، بحسب دائرة التراث، ''ركيزة مهمة لبلورة استراتيجية وطنية للنهوض بالحرف التقليدية، خاصة أنها أصبحت احد عناصر الجذب السياحي عبر الإسهام في كثير من المعارض والاحتفالات المحلية والإقليمية والعربية والعالمية''· بيد أن أهمية مثل هذه الملتقيات أو المنتديات المعنية بالتراث تتجسد - في تقديري - في كونها فرصة لإنجاز الدراسات المتخصصة وبلورة الأفكار وتلاقحها، ووضع الهموم كلها على طاولة البحث والسؤال· هذه الهموم التي لم تغب ليس فقط عن البحوث وأوراق العمل والشهادات المشاركة بل حتى عن كلمة الدائرة التي جاء فيها: ''وقد ازدهرت وتنامت وتوسعت الحرف الشعبية في زمانها ومكانها، وبفعل التطور تم إحلال الكثير من الصناعات والحرف المستوردة، مما أدى إلى اندثار الكثير منها، وما بقي منها ظل رهين المتاحف وصالات العرض، مما يدعونا في هذا الملتقى إلى إلقاء الضوء على التجارب والدراسات التي أنجزت في مجال الحرف التراثية زيادة في التقدير لهذه الحرف وإعطائها جزءاً من حقها علينا، وإيجاد آليات للمحافظة عليها كجزء معبر عن هويتنا الوطنية''· التراث المعنوي إن واحدة من الملامح الأساسية في العمل التراثي تتمثل في ''النظرة السياحية'' للموروث الحرفي، والتعاطي معه كثيمة تعرض في المناسبات أو يتم التركيز عليه في المؤتمرات ثم ينتهي الأمر، فضلاً عن الاهتمام بالتراث المادي وإغفال التراث المعنوي أو الاهتمام به بشكل أقل· وإذا كانت الهموم التي يعانيها التراث المادي كثيرة، إلا أنه حظي بشكل أو بآخر بعناية بحثية واهتمام واقعي مهما كان الاعتراض على هذا الاهتمام كماً ونوعاً، في حين أن إهمال أو إغفال الجانب المعنوي من التراث الإماراتي لم يحظ إلا بالقليل والنادر من المعالجات البحثية والتنظير المنهجي، ومن بين هذه البحوث القليلة التي انتبهت لهذه المسألة الدقيقة دراسة الدكتور إسماعيل علي الفحيل (خبير تراث معنوي، ورئيس قسم البحوث بإدارة التراث المعنوي في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث) والتي حملت عنوان: ''نقل المهارات للأجيال اللاحقة: مشاريع جمع وتوثيق الحرف والصناعات الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة''· قبل التطرق إلى الواقع والطموحات التي اعتنت بها الدراسة، عمد الفحيل إلى تأصيل اصطلاحي يعرف بلفظة تراث وحقولها الدلالية مع الاتكاء على بعض النصوص القرآنية والحديث النبوي، ثم تعريف اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي (المعنوي) بأنه ''الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات ـ وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية ـ التي تعتبرها الجماعات والمجموعات، وأحياناً الأفراد، جزءاً من تراثهم الثقافي· وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلاً عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية''· وتوضح الورقة مجالات التراث المعنوي وهي: التقاليد وأشكال التعبير الشفهي (الأدب الشعبي)، فنون وتقاليد أداء العروض (الفنون الشعبية)، المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون (المعتقدات والمعارف العامة)، المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية (الثقافة المادية)، وما تنقسم إليه هذه المجالات الرئيسة من مجالات فرعية متنوعة· لكن أبرز ما في هذا البحث هو الجزء الخاص بالطموحات والتي جاءت على النحو التالي: أولاً: تأسيس إدارة (إدارات) خاصة ومستقلة للحفاظ على التراث المعنوي وإدارته· ثانياً: إنشاء معهد خاص بدراسة التراث المعنوي، يشرف على عمليات التدريب ويوجه برامج الجمع والتوثيق والتحليل والدراسة بصورة علمية· ثالثاً: تحويل القرى التراثية إلى متحف مفتوح، لأنه المكان الذي يرى فيه الزائر التراث في سياقه الطبيعي أو شبه الطبيعي، ويتيح الاستمرارية والتطوير· رابعاً: إنشاء متحف (متاحف) للإثنوجرافيا (التراث) تعنى بمعنوية التراث في العرض بجانب ما هو ملموس· خامساً: إنشاء معهد للتدريب الحرفي وذلك في إطار هيئة أو إدارة خاصة تختص بالحفاظ على الحرف والصناعات الشعبية وتعمل على تطويرها· سادساً: تنظيم النشاط الأهلي وتنسيقه مع بقية الشركاء تحت مظلة ''مجموعة الإرشاد والدعم الفني والمادي''· خطر الاندثار خطر الضياع أو الاندثار هو التحدي الأبرز الذي تكرر في الأوراق المختلفة، وإن قدم كل باحث المشكلة في صياغته الخاصة، واقترح أيضاً حلوله التي يراها مناسبة، فشيخة الجابري ترى في بحثها الموسوم بـ ''إطلالة على الصناعات النسائية التلقيدية في دولة الإمارات العربية المتحدة'' أن ''الحرف والصناعات التقليدية النسائية تعبتر من أهم المكملات للصناعات التقليدية في مجتمع الإمارات في وقت لم يعرف الإنسان فيه غير الطبيعة منهلا يستغله لتحقيق حاجاته الرئيسة وتوفيرها، وإن كانت الصناعات التقليدية تحظى اليوم باهتمام رسمي فإننا نأمل أن يكون هذا الاهتمام عمليا أكثر منه تشجيعا نظريا بمعنى إنشاء أسواق شعبية تروج للبضاعة المحلية وتعمل على حمايتها من الاندثار، خاصة أن في الإمارات الكثير من المؤسسات والهيئات التي تعنى بالحفاظ على التراث والحرص على ديمومته وجودته''· وتعتقد الجابري أن ''التحول الاقتصادي الكبير الذي شهدته الدولة أثر تأثيراً مباشراً في قطاع الحرف والصناعات التقليدية، إذ هجر السكان هذه المهن إلا بعضاً منها، خاصة المهن النسائية، مما أدى إلى اندثار أغلب الحرف النسائية التقليدية، وسيطر عليها بعض الوافدين من دول آسيا الذين برعوا في خياطة الملابس، وتقريض البراقع''· وتقدم الجابري عدداً من الاقتراحات من شأنها إحياء هذه المهن منها: توحيد الجهود بين المؤسسات العاملة في مجال حفظ التراث والموروث الشعبي في الدولة، وذلك من أجل وضع سياسة اتحادية واضحة للاعتناء بالتراث بكافة أشكاله المادي منه وغير المادي، وإصدار قوانين وتشريعات خاصة بالتراث وحمايته، بهدف صونه وتقنينه وتحديد علاماته ومواصفاته والمشتغلين فيه، والحرف التقليدية من أهم فروع التراث التي تحتاج إلى تشريعات واهتمام، وتضمين الحرف في المناهج في شتى المراحل الدراسية، والاهتمام بالحرفيين من كبار السن، وتسجيلهم في سجلات خاصة لدى المؤسسات المعنية بالتراث وعمل بطاقات بهم تحوي كافة المعلومات عنهم والمهن التي يتقنونها، وتشجيع الجيل الحالي على الاهتمام بتراث آبائهم وأجدادهم وتنفيذ ورش العمل الكفيلة بتدريب الراغبين منهم تدريباً حديثاً لإعادة الاعتبار للمهن التقليدية، وتشجيع الكتاب والباحثين في مجال التراث وتفريغهم للقيام بالبحوث والمشروعات التي تهدف إلى تدوين الحرف والصناعات التقليدية في كافة إمارات الدولة عبر مشروع اتحادي واضح تشارك فيه كل الهيئات والمؤسسات ذات الاختصاص، وتنظيم مهرجان للحرفيين والصناع من أبناء الدولة يقام كل عام في إحدى الإمارات، ووضع خطة سياحية واضحة للترويج للمهن والصناعات التقليدية وجعلها في متناول السياح والمقيمين وذلك بإنشاء سوق خاص بالحرفيين من أبناء الدولة''· ولا يبتعد حمدي نصر هو الآخر في ورقته عن ''الحرف التراثية وكيفية الحفاظ عليها: العريش نموذجاً'' عن هذه الفكرة، حيث يشير إلى أن الحرف التراثية ''واجهت تحديات كبيرة متمثلة في زحف البدائل القادمة من الخارج، وقلة تكلفتها، وتلبيتها لحاجات الأسر، ووفرتها، وحداثتها، مما أضعف تلك الحرف وقلل من فرص تواجدها، علاوة على عامل مهم جدا، هو الرخاء الذي شهدته المنطقة، فلم تعد الحاجة ملحة لبذل الجهد المضاعف الذي كان أصحاب المهن يبذلونه في تلك الحرف· لتوفر فرص عمل أعلى دخلا وأقل جهدا، فهجر المهن التراثية أصحابها، وبقيت تندب حظها''· ويضيف في مكان آخر: ''··· ومن بين 50 مهنة قديمة لم يبق إلا مهن تعد على أصابع اليد الواحدة صامدة في وجهة التيارات الحديثة''· ويعتبر نصر أن عام الهوية الذي أعلنته الدولة كان ''بمثابة ''قبلة الحياة'' لكثير من الحرف التراثية''، وأنه ''عام خير وبركة على بعضها''· ويوصي ''بتشجيع الحرف التراثية ودعم من يعملون فيها مادياً ومعنوياً، وتشجيع البحث المتعمق في الحرف التراثية نظراً لقلة البحوث في هذا المجال أو سطحيتها، ونقل الحرف التراثية من مرحلة المناسبات إلى مرحلة الثبات، بمعنى ألا يكون الاهتمام بها للمشاركة في مناسبة وينتهي كل شيء مع انتهاء المناسبة· وأن يكون الاهتمام بالتراث شاملاً ولا يقتصر على جهة أو اثنتين، وتجاوز النظرة القائلة إن التراث جزء من الماضي وتخطيها بحثا عن الجديد''· وبتجاوز ما يورده عبد الجليل السعد في ما يتعلق بدور جمعيات الفنون الشعبية في تطوير الحرف الشعبية التي اختارت صناعة وشد الطبول نموذجاً لها، يمكن العثور على الهاجس نفسه ولكن في صيغة أخرى تظهر هذه المرة في ''تغريب'' التراث أو ''تشويهه'' بتقديمه على نحو يسيء إلى أصالته، بسبب دخول جنسيات أخرى إلى فرق الفنون الشعبية التي قد تصبح بعد سنوات قليلة ''مرتعاً لجنسيات متعددة غايتها الأساسية من ممارستها ـ اي الفنون الشعبية ـ هو الربح المادي مما يسبب اندثار الكثير من جذورها وتقاليدها''، وهو رأي ينقلة السعد عن عبد الرحمن الشلال أحد المتخصصين في الفن الشعبي· ويرى السعد أن ''المحافظة على التراث واجب وطني لا بد أن يحمل الجميع راية المحافظة عليه وترسيخه بالتدوين المنهجي والنقل العلمي له''· ندرة البحوث والتدوين العلمي وندرة الأبحاث المحكمة، هو ثالث التحديات التي تواجهها الحرف التقليدية - رغم أهميتها ودورها التاريخي والاقتصادي في مجتمع الإمارات· وفي هذا الإطار يقول سعيد الحداد في ورقة بحثية خصصها للتعريف بمهنة الحدادة وكل ما يتعلق بها: ''حظيت حرفة أو مهنة الحدادة باهتمام بالغ لا من قبل ممتهنيها فحسب، وإنما من قبل من عرفوا وخبروا مكانة هذه الصناعة، ودورها الذي لعبته على كافة الأصعدة· وبالمقابل فإن هذه الحرف والمهن والصناعات لم تجد الدراسات والأبحاث الوافية المعنية بها، التي تسلط الضوء على مختلف جوانبها، وترصد وتصور لنا أبعاد هذه الحرف التي كانت منتشرة وسائدة في مختلف أرجاء دولة الإمارات العربية المتحدة''· ولا يكتفي الحداد بالتشخيص بل يذهب إلى المطالبة بأن ''نخص هذه الحرف والمهن والصناعات بالدرسات والبحوث، ونوجه إليها أقلام الدارسين والباحثين والمهتمين، لكي يسبروا أغوارها ويخرجوا علينا بحقائق ونتائج عنها لها أهميتها ومكانتها، لنضعها بين أيدي الأجيال الحالية والأجيال اللاحقة، إن لم يكن من أجل هذه الحرف التي يراها بعض الناس في يومنا هذا، على أنها من مخلفات الماضي الذي يشمئز منه كلما أتى ذكره، فعلى أقل تقدير كوقفة وفاء نقفها تقديراً وتثميناً لمن أجادوا وتحملوا العبء في ذلك الوقت''· بدورها، تذكر فاطمة المغني التي تملك تجربة غنية وطويلة في جمع التراث، ندرة البحوث والدراسات والإصدارات كواحدة من المعيقات التي يصطدم بها جامع التراث ميدانياً، وتضيف إليها عدم رغبة الرواة في تسجيل المعلومات التراثية، خاصة السيدات، لا سيما في البدايات، وقلة عدد العاملين في الحقل التراثي من الباحثين والجامعين والمدونين· تدابير واجراءات ثمة تدابير من شأنها أن تحافظ على الحرف التقليدية وتحميها من النسيان منها على سبيل المثال لا الحصر: ؟ إنشاء معهد خاص يشرف على عمليات التدريب ويوجه برامج الجمع والتوثيق والتحليل والدراسة بصورة علمية· ؟ إنشاء متاحف للإثنوجرافيا تعنى بمعنوية التراث في العرض بجانب ما هو ملموس، وتحويل القرى التراثية إلى متاحف مفتوحة· ؟ وضع سياسة اتحادية واضحة وإصدار قوانين وتشريعات خاصة بالتراث وحمايته· ؟ تسجيل الحرفيين من كبار السن في سجلات خاصة وعمل بطاقات تحوي كافة المعلومات عنهم والمهن التي يتقنونها· ؟ إنشاء معهد خاص بدراسة التراث المعنوي، يشرف على عمليات التدريب ويوجه برامج الجمع والتوثيق والتحليل والدراسة بصورة علمية· ؟ تحويل القرى التراثية إلى متحف مفتوح، لأنه المكان الذي يرى فيه الزائر التراث في سياقه الطبيعي أو شبه الطبيعي، ويتيح الاستمرارية والتطوير· ؟ إنشاء معهد للتدريب الحرفي وتضمين الحرف في المناهج الدراسية· ؟ توحيد الجهود بالعاملة في مجال حفظ التراث لوضع سياسة اتحادية واضحة للاعتناء بالتراث بكافة أشكاله· ؟ إصدار قوانين وتشريعات خاصة بالتراث، بهدف صونه وتقنينه وتحديد علاماته ومواصفاته والمشتغلين فيه· ؟ تشجيع الكتاب والباحثين وتفريغهم للقيام بالبحوث والمشروعات التي تهدف إلى تدوين الحرف والصناعات التقليدية في كافة إمارات الدولة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©