الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا ومخاطر تقليص الإنفاق الفيدرالي

30 يوليو 2010 22:29
لا أريد أن يكون رد فعلي مبالغاً فيه، وأكره أن أنتقد بشكل سابق لأوانه "اللجنةَ الوطنية للمسؤولية الضريبية والإصلاح"، التي أنشأها أوباما وعقدت اجتماعها العلني الرابع يوم الأربعاء الماضي؛ ولكن الرئيس المشارك للجنة، "الديمقراطي" إيرسكن باولز، ربما أساء تدبير الأمور منذ الآن. ففي تصريحات أدلى بها قبل بضعة أسابيع ولم يلتفت إليها كثيرون، أشار باولز إلى أن الهدف طويل المدى الذي على اللجنة أن تتبناه بخصوص الإنفاق الفيدرالي هو 21 في المئة من الناتج الداخلي الخام؛ والحال أن هدف باولز من شأنه أن ينهي الطموح التقدمي، ويكرس تراجع تنافسية أميركا، ويقبر الحلم الأميركي، بشكل حاسم. لماذا؟ إن أحد الأسباب يكمن في حقيقة أن متوسط الإنفاق الفيدرالي في عهد ريجان ناهز 22 في المئة من الناتج الداخلي الخام. وبالتالي، فإن حدود تطلعات الحزب "الديمقراطي" في القرن الحادي والعشرين، كما يرى باولز، هي إدارة الحكومة بحجم أصغر مما فعل أحد رموز المحافظين في القرن العشرين. وعلاوة على ذلك، فإن ريجان أدار حكومة بهذا الحجم في وقت لم يكن فيه 76 مليون شخص من جيل كبار السن على وشك التقاعد. ففي 1988، كان 32 مليون متقاعد يتلقون "الضمان الاجتماعي" و33 مليوناً يستفيدون من برنامج "ميدي- كير"، في حين أنه بحلول 2020، سيتلقى نحو 48 مليون أميركي من كبار السن "الضمان الاجتماعي"، و62 مليون أميركي سيستفيدون من "ميدي-كير". وبعملية حسابية بسيطة، إذا أدرتَ الحكومةَ بحجم أصغر مقارنة مع إدارة ريجان، مع القيام في الوقت نفسه باستيعاب هذا الارتفاع الضخم في أعداد كبار السن ضمن برامج الصحة والتقاعد، فعليك أن تخفض بشكل كبير بقية الميزانية. وهذا صحيح بشكل خاص عندما نعرف أن تكاليف الصحة في عهد ريجان كانت تناهز 10 في المئة، في حين أنها تمثل اليوم 17 في المئة، وتسير بخطى حثيثة نحو 20 في المئة. وبالتالي، فإن من الواضح أننا في حاجة إلى حملة وطنية لجعل توفير الرعاية الصحية أكثر فعالية؛ ولكن إلى أن يحصل تقدم على هذه الجبهة، فإن هدف 21 في المئة يعادل اتفاق "الديمقراطيين" على ضرورة تكفل "العم سام" بالرعاية الصحية، والمعاشات، والدفاع، وغيرها. ثم إن ذلك يحدث دون الأخذ بعين الاعتبار احتمال عودة الشركات الأميركية إلى رشدها في غضون بضع سنوات ومطالبتها الحكومة برفع عبء التكاليف الصحية الكبير عن كاهلها؛ وفي تلك اللحظة، فإن الـ4 في المئة من الناتج الداخلي الخام التي تنفقها الشركات الكبرى اليوم على الرعاية الصحية يمكن أن تنتقل على نحو معقول إلى دفاتر الحسابات العامة (وهذا، يقول كيفن هاسيت، المستشار الاقتصادي لجون ماكين، إنه سيكون انتقالاً بدون مشاكل من الناحية الاقتصادية). وهو ما يجعل من هدف باولز (21 في المئة) قيداً غير واقعي وأكثر دراماتيكية. ولكن، في ماذا كان باولز يفكر؟ لعله لم يكن يفكر أصلا. أو ربما كان يفكر في ملامح صفقة بين الحزبين الأميركيين الكبيرين من أجل اللجنة. ذلك أن الإنفاق الفيدرالي، وبفضل تدابير مكافحة الركود، يوجد اليوم في مستوى مرتفع هو 24 في المئة من الناتج الداخلي الخام. هذا في حين انخفضت الضرائب في الظروف الاقتصادية العصيبة إلى 15 في المئة، أي تحت 18 في المئة، وهو المعدل المتوسط على المدى الطويل. وربما يكون باولز فد فكر في حل وسط: نخفض الإنفاق بـ3 نقاط مئوية من 24 في المئة، ونرفع الضرائب بـ3 نقاط مئوية من 18 في المئة، وننهي المسألة. وربما وجد أنه لا ضير في ذلك فكلينتون، في نهاية المطاف، غادر الرئاسة وترك وراءه فوائض بفضل معدل إنفاق بلغ 18.2 في المئة ومعدل ضرائب ناهز 20.6 في المئة. بيد أن باولز أغفل بضعة أشياء أخرى مهمة. ذلك أن كلينتون لم يضطر لإحالة جيل كامل إلى التقاعد. كما أنه تخلى عن الاستثمارات العامة التي يعرف العديد من المدافعين في كلا الحزبين أنه طال انتظارها، من القائمة الطويلة للبنى التحتية الضخمة، إلى تأخر قطاع البحث والتطوير، إلى معالجة عدم المساواة المخجل بين المناطق التعليمية الغنية والفقيرة، إلى إغراء جيل جديد من المواهب التعليمية للتدريس في أصعب الأقسام الدراسية في أميركا... إلخ. ودعوني أكون واضحاً وصريحاً: إنني أؤيد إنهاء البرامج غير الفعالة وإعادة توزيع التمويلات؛ وتقليص البنتاجون المتضخم؛ وإصلاح الدعم الضريبي لفوائد القروض العقارية والمساهمات الخيرية، التي يستفيد من معظم مزاياها الناس الأغنى (يذكر أن أوباما ومدير "مكتب التدبير والميزانية" المنصرف بيتر أورزاج دفعا بهذه الأفكار الأخيرة على رغم المعارضة القوية، وهو ما يستحقان عليه الإشادة). ولكن حتى أكثر هذه الجهود طموحاً لن تغيِّر قيود الـ21 في المئة في أميركا الآخذة في الشيخوخة. وهذا الخريف، سيكون لدينا نقاش مزيف حول تمديد تخفيضات بوش الضريبية، في وقت لا مفر فيه من أن ترتفع الضرائب نظراً لتقدم جيل العاملين الحالي في السن. والحال أن الشكل الحقيقي لمستقبل أميركا إنما سيحددُه مستوى الناتج الداخلي الخام الذي نهدف إلى وضع الميزانية الفيدرالية مرة أخرى عنده -سواء في 21 في المئة، مثلا، أو أكثر من ذلك مثل 28 في المئة. (وإذا قمنا بذلك على نحو صحيح، فإن الاقتصاد سيزدهر في الحالة الثانية، ولكن ذلك موضوع حديث آخر). وبالتالي، فإذا لم يجعل "الديمقراطيون" باولز ينتبه إلى خطئه، فإن النقاش الكبير الذي يفترض أن تطلقه هذه اللجنة بشأن سبل المزاوجة بين المالية العامة الحذرة، والقيم والتطلعات الأميركية سيفشل حتى قبل أن يبدأ. مات ميلر زميل بمركز التقدم الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©