الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان... عيوب في خطط إعادة الإعمار

30 يوليو 2010 22:30
هناك ما يشير إلى خسارة "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" لمعركة كسب العقول والقلوب التي خاضتها في محافظة بدخشان الأفغانية. ذلك ما أكده أحد متعاقدي الوكالة عبر تصريح له ذكر فيه أن مشروع إنشاء قناة مائية في بدخشان بتكلفة مليون دولار كان يمكن له أن يحقق الكثير من الفوائد للمحافظة، غير أن القناة لم تكتمل، وبذلك خسرت الوكالة معركتها الأساسية التي قام عليها المشروع. فهناك يتعرج ما يشبه الخندق الملتوي مثل الثعبان، وقد تهاوت جوانبه، ويمتد لمسافة خمسة أميال تنتهي إلى محطة توليد كهربائي عاطلة هنا في هذا الجزء الشمالي الشرقي من أفغانستان. وعلى أحد جانبي القناة المهجورة يحدثنا المهندس قاند أغا نوري عن كيف وعد الأميركيون ببناء قناة مائية ذات كفاءة عالية، بهدف زيادة الإمداد الكهربائي المتوفر لمواطني المنطقة. غير أن هذه الحفريات الترابية التي تمت، لا تبدو الآن أكثر من كونها ندبة على الأرض، وعلى انطباع المهندس نوري وغيره من الأفغان، عما تعنيه الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لهم. قال "نوري" في هذا الصدد: لم ينجز الأميركيون من عملهم نسبة 50 في المئة. فقد حفر عمالهم هذا الخندق ثم غادروا المكان بعد حصولهم على توقيع الحكومة ومباركتها للمشروع في كابول. كما أوضح نوري أن تلك الحفريات والإنشاءات- بما فيها الحوائط المبنية بالخرسانة المسلحة ومصارف المياه غير المكتملة- قد تسببت في انهيارات التربة، ما أعاق وصول المياه إلى المولد الكهربائي والحيلولة دون وصول التيار إلى البيوت التي كان يفترض أن يضيئها. وكان مشروع القناة البالغة تكلفته مليون دولار، جزءاً من عقد تنموي بقيمة 6 ملايين دولار أبرمته الوكالة مع شركة "بادكو" الأميركية. وقد أشار تقرير الشركة عن الأعمال المنجزة من المشروع إلى أن تلك الأعمال ساهمت في زيادة الطاقة الكهربائية لسكان "بهراك" و"فايز آباد" المجاورة لها بمعدل ثلاثة أمثال ما كانت عليه قبل المشروع. ولكن نفى مسؤولون أفغان أن يكون مواطنو المنطقتين قد حصلوا على أي طاقة كهربائية إضافية. فعلى الورق يبدو هذا المشروع متعدد الأهداف والأغراض قادراً على إحياء إحدى المحافظات الأفغانية المتخلفة، ليس عن طريق توفير المزيد من الطاقة الكهربائية للمواطنين فحسب، بل بدوره في مكافحة زراعة الخشخاش واستبداله بمحصول زراعي شرعي وأفضل. وبذلك فهو قادر على كسب عقول وقلوب المواطنين. غير أن تحقيقاً صحفياً، كشف عن مكاسب محدودة ومتواضعة جداً حققها المشروع. ولكن أثار عدم اكتماله غضب المواطنين من فشل المشروع ومن إهدار الأموال الطائلة فيه. وعلى حد قول سيد عبد البصير، رئيس الخدمات الكهربائية لمحافظة بدخشان، "فقد كره الأفغان الشركات الأميركية مثل "بادكو" وغيرها، لأنها كثيراً ما جلبت إليهم ملايين الدولارات، ولكن دون أن تفعل بها أي شيء. ويدرك جميع أهالي المحافظة أن الأميركيين أنفقوا مبلغ 60 مليون دولار، دون أن يرى الأهالي أي أثر لها على الأرض". وتكشف هذه القصة وغيرها عن جوانب ضعف أساسي في الركيزة الثالثة لاستراتيجية الحرب الأفغانية التي تقوم على مبادئ: تنظيف الأرض من المتمردين، ثم فرض السيطرة الأمنية والعسكرية التامة عليها، لتليهما خطوة البناء وإعادة الإعمار. ومن مظاهر الضعف الرئيسية في الركيزة الثالثة للاستراتيجية: ضخامة حجم الإنفاق المالي على المشاريع، والتسرع في التخطيط والتنفيذ، وتحديد مواعيد غير واقعية لإتمام المشاريع، وارتفاع رواتب ومخصصات الموظفين العاملين في مشاريع التنمية هذه، والتخطيط غير المستند على حقائق الواقع، إضافة إلى استمرار الخطر الأمني الذي يستهدف المشاريع نفسها. يعلق "لورينزو دليسجاس" -مدير منظمة "إنتجرتي ووتش أفغانستان"، مقرها كابول- على ما يحدث هناك بقوله: أثناء الحرب الفيتنامية كان يقاس نجاح العمليات بعدد القتلى الذين حصدتهم. أما في أفغانستان فيقاس النجاح بعدد المدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق الخدمية التي تم بناؤها، وبحجم الأموال التي أنفقت على تلك المرافق. وهذا مقياس أفضل بالطبع، لكنه خاطئ بالقدر نفسه. ذلك أن المطلوب قياسه فعلاً هو الأثر الذي تركته تلك المشاريع المنجزة. يذكر أن محافظة بدخشان النائية في شمال غربي أفغانستان، قد أثارت قلق المسؤولين الأميركيين في عام 2005. فبدلاً من أن كانت تعد من أكثر الأقاليم الأفغانية هدوءً وسلاماً، تحولت هذه المحافظة إلى منتج رئيسي للخشخاش وترويج المخدرات. وقد دعا ذلك التحول وكالة "المعونة الأميركية" إلى طرح عطاءات بقيمة 60 مليون دولار تخصص لأغراض التنمية في المحافظة. ولم تكن لشركة "بادكو" التي تحول اسمها الآن إلى "إيكوم" أي خبرة سابقة في أفغانستان. لكنها تبنت مشروعاً طموحاً لاستبدال زراعة الخشخاش وخطة تنموية اقتصادية تهدف إلى بناء الطرق وقنوات الري الزراعي ومحطات التوليد الكهربائي المائي، فضلاً عن تحسين نوعية الزراعة. وقد اكتمل ذلك المشروع الذي حمل اسم "البرنامج التنموي البديل" في عجلة من أمره في بدايات عام 2009، وهو ما يفسر بقاء أجزاء منه غير مكتملة إلى اليوم. "لقد غادرت الشركة أعمالها في الموعد المحدد لانتهاء المشاريع" ذلك هو تعليق عبد الواجد واجد، وزير التخطيط الإقليمي الأفغاني حينها لحظة تنفيذ المشروع. وعلى سبيل المثال، فقد تركت الشركة الجدران الإسمنتية المسلحة في محطة بهراك لتوليد الكهرباء من الماء، دون أن يكتمل منها ميل واحد منذ بدء إنشائها. وهذا ما أدى إلى الأضرار الناجمة عن الانهيارات الأرضية. ثم توقفت الإنشاءات لمدة عام كامل بسبب تهديد أهالي إحدى القرى التي تمر بها القناة بوقف العمل فيها، تعبيراً عن غضبهم من عدم وفاء وكالة مساعدات سابقة بالتزاماتها تجاههم. وعندها تحولت الأموال المطلوبة لإكمال العمل في القناة لأغراض أخرى، على حد قول "يوهانيس أوستركامب"، الذي عمل مهندساً مع شركة "بادكو" في بهراك. والنتيجة النهائية هي خسارة أميركا كلها لمعركة كسب العقول والقلوب الأفغانية. مونيك جاكس - أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©