الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل هي ثورة صناعية ثالثة؟

هل هي ثورة صناعية ثالثة؟
28 سبتمبر 2016 19:43
محمد سبيلا يبدو أن ما يطلق عليه اليوم «ثورة صناعية ثالثة» ما كان بالإمكان تصوره والتفكير فيه، دون اكتشاف الأنترنت وتعميمه على نطاق واسع، باعتباره «البنية التحتية» لكل التحولات التكنولوجية التي تتلاحق اليوم. وحسب السوسيولوجي الأميركي جيريمي ريفكين، الذي يعتبر إلى حد الآن المصدر والمرجع الأساسي لمفهوم «ثورة صناعية ثالثة»، بل مروجها وإيديولوجيها الرئيس، فإن هذه الثورة، وبغض النظر عن الطابع اليوتوبي لاستشرافاته، التي صنفها الفيلسوف الفرنسي المعاصر لوك فيرى Luc Ferry ضمن خانة «الهذيان الإيديولوجي» حول «نهاية الرأسمالية»، فإن هذه الثورة ستمكن الإنسانية المتقدمة من أن تنظم حياتها، بعيداً عن النظام الرأسمالي، القائم أساساً على جني الأرباح. وبغض النظر عن اختلافات المؤرخين حول عدد ومدى وتاريخ الثورات الصناعية الكبرى في الغرب، نقول مع جيريمي ريفكين J.RIEFKIN، إن العالم الغربي شهد إلى حد الآن ثلاث ثورات تكنولوجية صناعية كبرى، غيرت معالم أوروبا والعالم. وتلازمت في هذه الثورات، حسب رييفكين، ثلاثة عناصر أساسية: الطاقة والإنتاج والتواصل. فكل شكل جديد من أشكال الطاقة، يلزمه شكل جديد من أشكال الإنتاج، كما أنه قد ارتبط به شكل جديد من أشكال التواصل، حيث ارتبطت الثورة الصناعية الأولى بالاستعمال الموسع للفحم، الذي استعمل لتشغيل الآلات البخارية، كما ارتبطت باستفادتها من اختراع سابق هو المطبعة، التي تمت صناعتها في القرن الخامس عشر. وشكل التواصل الذي رافق الطاقة الجديدة هو الطباعة والاستعمال الموسع للورق، وما صاحبه من انتشار المعرفة وازدهار التعليم، إضافة إلى ما رافقه من تعمير وتخطيط للمدن، وتمركز لوسائل الإنتاج جغرافياً وبشرياً. أما الثورة الصناعية الثانية التي تبلورت ابتداء من نحو 1850، فقد تمحورت حول اكتشاف الكهرباء كمصدر جديد للطاقة، واختراع المحرك القائم على الاحتراق الداخلي. وتعتبر الثورة الثانية لحظة أساسية في تشكٌل النظام الرأسمالي الحديث. وقد صاحبها اكتشاف اختراعات تقنية جديدة، شكلت ذراعها التواصلي أجهزة: الهاتف والتلغراف والراديو والتيلقون، إضافة إلى مخترعات تقنية أخرى أهمها السيارة والطائرة... وترتبط الثورة الصناعية الثالثة بظهور موارد جديدة كالطاقة الهوائية والشمسية، إضافة إلى الطاقة الذرية، ورافق هذه المرحلة الثالثة اختراع أدوات تقنية جديدة، هي عصارة وخلاصة مجددة لمعطيات الثورات التكنولوجية السابقة. ولعله سيكون من باب المجاز فقط أن نستعمل مصطلح ثورة هنا، لأن الأمر يتعلق بتحولات عنقودية نوعية متكاثفة، من بينها ما يصطلح عليه اليوم بمختصر NBIC: 1- النانو تكنولوجيا، أو التكنولوجيات المتناهية الصغر (جزء على المليار من المتر مثلا)، وتدخل ضمنها صناعة الكائن الآلي (ROBOT) اللامتناهي الصغر. 2- البيو تكنولوجيا، أو تكنولوجيات الحياة، أو صناعة الحياة، ومن ضمنها البيولوجيا التركيبية، أو التحويلية Biologie Synthétique وما يترتب عنها من آفاق لصناعة الحياة. 3- الإعلاميات والمعلوميات في ارتباطها بالشبكة العنكبوتية، التي يعتبرها ريفيكين البنية التحتية لكل التحولات التكنولوجية الجديدة، أو القاسم المشترك بينها، والتي تتجه بسرعة نحو رقمنة العالم (Digitalisation)، مثل: أنترنت التواصل والمعرفة وتخزين أضخم المعلومات (Big Data)، وأنترنيت الأشياء والطباعة الثلاثية الأبعاد، وأنترنيت الطاقة المنظمة لتوزيع الطاقة على أية مجموعة صناعية أو سكنية أو غيرها. 4- علوم الدماغ والذكاء الصناعي، ولنضف إلى ذلك مجالات أخرى تتحقق فيها ثورات علمية وتكنولوجية نوعية، كمجال الفلكيات ونشأة الكون (Big bang)، ولانهائيته المكانية والزمانية، وغيرها.كل هذه التحولات التكنولوجية/‏‏العلمية تتضافر لتدخل الإنسانية في عصور جديدة، أهم معالمها الحلم بمجاوزة النوع الإنساني (Transhumanism). لكن إدراج هذه التحولات ضمن رؤى إيديولوجية، كالقول بنهاية العمل، ونشوء اقتصاد تعاوني، وبتوجه هامش الربح نحو الصفر، وبلوغ الرأسمالية مرحلتها القصوى، وهو أقرب ما يكون إلى التنبؤ منه إلى التوقع، وربما إلى الحلم، أو أخذ الرغبات على أنها وقائع. ومن المؤكد أن لهذه التحولات الصناعية والعلمية/‏‏التقنية، مفاعيل صناعية وتجارية كبيرة، ولها أيضاً مفاعيل ثقافية، من حيث أنها تصبح شارطة لطريقتنا في التفكير والإدراك، وإطاراً محدداً لمرجعياتنا في التقييم، وإن كان ذلك على المدى الطويل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©