الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القصة القصيرة.. تلك الخفة اللاّذعة

القصة القصيرة.. تلك الخفة اللاّذعة
28 سبتمبر 2016 19:44
إسماعيل غزالي عندما تدق ساعة الثلج في الحكاية (وتنخفض درجة الحرارة بشكل غير متوقع، إلى ما دون صفرها)، وحده القاص الحكيم والعظيم، يخفي عود الثقاب الأخير في مكان سرّي داخل القصة، عود الثقاب المنذور لإضرام نار الدهشة في جليد الأبدية. *** تعلّمْ كيف تخلق من الصمت إيقاعاً لقصتك القصيرة. الكتابة من دون لغة عمل شاق، يوازي الكتابة باللغة نفسها. لا تهرطق إذن، ولو بنأمة في الفراغ المفزع بين الكلمة والكلمة، في العدم الحكيم بين الموجة والموجة، في الجرح الخفي بين المياه واليابسة. *** القصة القصيرة لا تحكي، القصة القصيرة تحلم. *** دع قصتك تحلم حتى النهاية، لا ترتكب حماقة إيقاظها من هذيان قيلولتها. *** النهاية في القصة القصيرة هي أخطر ما يمكن عمله. عظمة القصص القصيرة يكمن معظم أثرها في لسعة الخاتمة. اللّسعة الموشومة على نحو سرمدي. *** ما من بداية في القصة القصيرة إلا وتضمر المآلات المفضية إلى النهاية المفترضة، في كل بداية تنام النهاية مسبقاً، لكن في خفاء مبهم وغائر. وحدها القصة تعرف ذلك، وأما القاص فيجهل ذلك كلياً، إذ يكتشف الأمر على نحو مباغت بعد الكلمة الأخيرة، صائحاً في ذهول: اللّعنة! *** إنك تزاول فناً هامشياً، لا يحظى بالاهتمام (الصاخب حدّ الابتذال) الذي يولى إلى الأنواع الأخرى، وهذا سبب كاف لكي تخلص له على نحو أبدي. *** عندما تخلق شخصية في قصة قصيرة، فهذا لا يعني أنك من يملك سلطة رسم قدريتها. دائماً ثمة شيء غامض في القصة ينحرف بشخصياتك إلى ما لم تكن تتوقعه حدوسك البكر، أو تخطيطاتك الواعية الأولية. *** القصة القصيرة من أعمق الفنون إدراكاً لخطورة الزمن، وهي لذلك الفن السردي الأمثل، الخبير بما تكتنزه الأبدية في أثر لمعة البرق. *** القصة القصيرة، تلك الخفة اللاّذعة، التي لا يعرف الملل إليها عنواناً. *** القصة القصيرة – الجيدة طبعاً ــ دائما ما تفضح الشاعر المنسي في داخل القاص. (الشاعر المنذور للقصة وليس للقصيدة). *** عندما يُسْمعُ لنديف الثلج صدى (هسيس بالأحرى) في قصتك، من فرط الصمت وضراوته. فاعلم أن أثرها أمسى يضاهي أثر الموسيقا أو أكثر. *** القصة القصيرة نزوة الأدب، هكذا تبدو للكثيرين. ما أن يتذوقوا عسل التجربة، حتى تتحول النزوة إلى ورطة دائمة. *** القاص الجيّد (أيضاً)، لا يمكن أن يرتكب خطأ ذِكْر الرواية، عندما يتحدث عن القصة القصيرة. *** الحذر الذي يتطلبه منك عمل كتابة القصة القصيرة، هو نفسه الحذر الذي يتطلبه منك الوقوف على حبل مشدود بين أكذوبتين. *** لا تُملي على قصتك طريقك، فهي تصنع طريقها الخاص باستقلال عنك. لا تفرض على قصتك خطتك المسبقة، كيفما بدت لك مثيرة، ستكتشف سريعاً غباء ذلك، حينما تفاجئك القصة بخطتها السرية الأجمل، لحظة الكتابة. ستكتشف أن طريقك كانت تفضي إلى خسارة ما، بينما طريقها كانت تفضي إلى حافة الدهشة (القصوى). *** أتحاشى الحديث عن القواعد في القصة القصيرة، إن كان هناك من قاعدة، فهي كامنة في تقلّبها الدّائم. *** ما من قصة قصيرة إلا وهي درس لاذع في السخرية، وإن بدت بعيدة تماماً عن ذلك. *** هؤلاء الكتاب المرتحلون من أنواع أخرى إلى القصة القصيرة بِنِية الاستجمام، أو تحت ذريعة استراحة المحارب، سرعان ما يبتلعهم ثقبها الأسود. *** الكتّاب الذين يرون في القصة القصيرة تمريناً للتأهب، نزوحاً إلى الرواية، هم في الحقيقة يكتبون خارجها، لم ولن يعرفوا الطريق السري إلى حقيقتها المخادعة أبداً، وأثرهم في ذاكرتها المنفلتة معدوم تماماً. *** القصة القصيرة الأثيرة، تفضل الإقامة على الدوام في حافة الثقب الأسود. *** الصمت في القصة يقوّض اللّغة، ينحو بالكلام إلى البلاغة المنسية في لذوعية الإيحاء، في أثر المحو. *** الحكاية محض غبار، تحتاج دائماً إلى القصة لكي تتحول إلى حجر. (الحجر الذي يقذف به القاص إلى فراغ الأبدية). *** الخيال في القصة القصيرة، طفل يلعب بالغيوم على صفحة مياه الدّلو. *** هؤلاء الذين يثرثرون باستمرار حول قصصهم القصيرة، يناقضون تماماً ما تحتاج القصة القصيرة أن يقال عنها في مناسبة يتيمة، أو في صمت دائم. *** الكتّاب الذين يذهبون إلى القصة من صلب النظرية، أغلبهم يراوح المكان عند حدود الكتابة بالافتراض، وليس بالفعل. *** باردة هي القصة التي يرسمها الذهن كلية، لست ضد أن يكون للقاص وعي جمالي، وحس هندسي أو منطقي متوقد، لكن لحظة الكتابة لا يصح إلا ما يتخلّق عن غموض الكتابة، ما يندلع من مجهولها، ما يتفجر من عدمها المأهول بفتنة الالتباس. *** شيء مفزع يحدث لكاتب القصة القصيرة عندما يقرأ أكثر من شخص قصته، في أكثر من مكان في العالم، في لحظة متزامنة. *** ما قيمة قصة لا يقتلعك خيالها من تربة مألوفك، ويزج بك في الجانب العاتم من حياتك، مضيئاً الأشياء الغريبة التي تفخخ يومك، دون أن تنتبه لوجودها. *** أسوأ ما يعرّضُ القصة إلى مصير الزيف والرداءة، ليس وضوحها الساذج، أو تلقائيتها الفجة عند القاص العفوي والشفوي، بل حماقة الاستعراض، وغرور الوعي المفرط بها عند القاص الذي يدعي تجريباً. *** القصة القصيرة مولعة بالتجريب، بالنظر إلى اهتمامها الدائم بأناقتها وتجدّدها، وعدم احتمالها للنمطية والتكرار، ومهما يكن من أمر، فالتجريب ليس غاية وهدفاً، كما يعتقد خطأ الكثير من كتابها. *** القصة القصيرة أقرب أشكال الأدب إلى اللّعب، إنها اللّعبة الأشد غواية وخطورة في تاريخ المجازفة أيها الفن. *** عظمة إدغار آلان بو كامنة في هذا الأمر المثير: خلْقُ نسقٍ هارمونيّ بين الغرابة وجنس القصة القصيرة، على نحو متلازم وأبدي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©