الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبد الله الغبين يباغت القارئ في نهايات القصيدة ليجعله يتأمل

عبد الله الغبين يباغت القارئ في نهايات القصيدة ليجعله يتأمل
13 مايو 2013 23:14
جهاد هديب (الاتحاد) ـ ما الذي يريده قارئ من الكتاب الأول لصاحبه؟ وما الذي يريده تحديداً إذا كان حقل هذا الكتاب هو الشعر بصرف النظر عن شكل القصيدة سواء أكانت هذه القصيدة نثراً أم موزونة، وفي هذه المرحلة «العربية» بالذات بكل ما فيها من اختلاط رؤى ومفاهيم واختلاف أولويات ورهانات ثقافية وغير ثقافية، غالباً ما تبدو مرتهنة للشرط السياسي الراهن أكثر من أنها على صلة بالبحث عن الجمالي والروحي في الشعر؟ أسئلة كثيرة أخرى من هذا النوع تقرع جدران العقل والمخيلة أثناء قراءة المجموعة الشعرية الأولى للشاعر الشاب عبد الله الغبين التي تحمل عنوان: «18 يناير»، وصدرت مؤخراً عن دار أثر للنشر والتوزيع في الدمام بالسعودية، بعد صدورها عن دار الغاوون البيروتية في طبعة أولى، وجاءت في مائة وثلاث صفحات من القطع المتوسط، مشتملة على أربع وثلاثين قصيدة. وفي حين ينتظر الشاعر الشاب الكثير من الكتاب الأول كأن يمنحه شهرة أو صيتاً بين أقرانه ومجايليه من شعراء بلاده على الأقل، وهذا أمر بريء وفيه لذاذة الكتاب الأول التي تشبه أخطاء الحب الأول، فإن القارئ لا يبحث في مجموعة شعرية من هذا الطراز سوى عن صور شعرية ثرية بالمشاعر والأحاسيس، قد تمّ بناؤها في متن القصيدة، بناءً على متن شعري متبلور في بنية نصية؛ وبمعنى آخر ينبغي أن يكون منطق بناء الصورة الشعرية وتدفقها إلى مخيلة القارئ ومشاعره مقنعاً شعرياً، وكذلك ينبغي لموقع الصورة بالنسبة للقصيدة والصور الشعرية السابقة واللاحقة أن تكون مقنعة بالدرجة نفسها. واللافت في «18 يناير» أن نهايات القصائد وخاتماتها هي أكثر ما يبشّر بموهبة لافتة لدى عبد الله الغبين بوصفه شاعراً سوف تقوده موهبته إلى أن يصير صانعاً في مجموعات مقبلة، إن بقي على نفَسِ الاجتهاد ذاته، والدأب الذي يجعله أكثر حرصاً على أن يذهب دائماً نحو طريق ما يخصّه، الأمر الذي هو مشروع لأي شاعر حتى لو لم يكن قد أصدر ديوانه الأول بعد، فهذا الطموح يغذيه الإحساس بالامتياز عن الشعراء الآخرين، وهو الذي يحفز على خلق هذا الامتياز حقاً وواقعاً. وعبد الله الغبين يباغت القارئ في أواخر القصيدة كما لو انه يصنع له شَرَكاً ما يجعله يقف ويتأمل. لنَرَ بعين مخيلة أخرى هذا المقطع الذي يختتم به الشاعر قصيدته «تريَّث»: «لا تقف على حدود البياض وتترك الموت يشرب من عينيك. لا تأتي مبكِّرا قبل موعدك الأخير مع القيامة، تمدد بين قافيتين حين يرهقك السفر ويغتال قامتك الضبابُ». تجنح نهايات القصائد إلى خيط التأمل بعد أن يبني الشاعر قصيدته بلغة هادئة وبسيطة، وأحياناً وفقاً لمعنى مباشر، لا يحمل أي التباس في التأويل، بما يعني أنه يتقصد هذا النوع من البناء للقصيدة، يؤكد الشاعر في خاتمة قصيدة أخرى: «العبد الذي باع حريته لليل وسافر كان أنا لم يغدر به الليل لكنّه ملّ مساومة التجّار». ويقول أيضاً مختتماً سواها: «هنا على ضفاف القلق أذبل وحيداً كالأوطان». لا يعني ذلك أن المتون تخلو من الصور، لكن يلاحظ أنها تأتي غالباً كالتماعات شعرية، يمكن اقتطاف أكثر من واحدة منها من دون النظر إلى أي عنوان لقصيدة تنتمي: «أبكي فرحي الذي قايضتُه بصِباكِ فألمح صرختي تتدحرج بين العتمة والضياء» .... «وطني الحبيب كان حلماً يُفسد منامات أبي وفي حنايا أوديته سالت دموع أمي بدلاً من هطول المطر» .... «لم تكن أكثر الكائنات بياضاً لكنها انتصبت بزهوٍّ مريب وأضاءت عتمة أقرانها» يبقى القول إن صعوبة هذا النوع من البنية النصية للقصيدة لا تعني عدم الانتباه إلى شعرية التفاصيل في المتن الذي يسبق الخاتمة من القصيدة ذاتها، وهو أمر يحدث في غير قصيدة من القصائد، خاصة تلك التي ليست بقصيرة بالقياس إلى سواها من قصائد «18 يناير»، والمسألة الأخرى التي من غير الممكن لشاعر أن يطوّر من تجربته من دونها هي الإدراك العميق للغة بوصفها جملة بُنى تركيبية ونحوية، مثلما ينبغي إدراك الدور الذي تقوم به في القصيدة، إذ أن الشعر ليس بكلام بل هو على النقيض من ذلك، فهو القول الشعري في عين ذاته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©