الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القرية الكونية تهدد الاستقرار الأسري

القرية الكونية تهدد الاستقرار الأسري
15 نوفمبر 2008 01:52
يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية 2007 إلى أن الطفل الخليجي يقضي ما بين 3-4 ساعات يوميا في المتوسط، خلال أيام الدراسة أمام التليفزيون، وتتضاعف أحيانا كثيرة في أيام العطلات، إلى جانب الانترت، والهواتف النقالة، وغرف المحادثة وغيرها، مما يسهم في خلق بيئة غير صحية لترويج ونقل القيم الغربية المنافية لقيم المجتمع العربي وتقاليده· تقول مديحة معارج ''إعلامية عراقية'': إنه ليس هناك ما ينكر أو يقلل من تأثير الفضائيات كثقافة وافدة ومفروضة على الأسرة الخليجية، وفي هذا العالم المتغير ينبغي علينا جميعاً أن نراجع الكثير من الايجابيات، والسلبيات، والأفكار والمسلمات، والأولويات إذا كانت الأقدار وضعتنا أمام تحديات كبيرة في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة بالفعل، وعلينا أن نعي حتمية مواجهة التيارات الغربية للعولمة، وهي مسألة ليست بالأمر الهين، وتحتاج رؤى واستراتيجيات وطنية وقومية حتى نصبح قادرين على مواجهة حملات وموجات الغزو الثقافي والفكري الذي يهدد الحضارة والثقافة والهوية العربية والإسلامية، وأن تدرك الأسرة العربية والخليجية بوعي، وفهم خطورة ما يحدث اليوم قبل الغد، فليس بامكاننا أن نعيش بمعزل عن العالم من حولنا، وإنما على الأقل أن نجتهد في تقليل التأثيرات السلبية للفضائيات التي اخترقت خصوصيات البيت، والعمل، والشارع، والمدرسة، والجامعة· وأن نعود إلى قيمنا ومورثنا الإسلامي والحضاري والعربي ونتمسك به، ونشيع مفرداته، ونعيد الذاكرة إلى هذا الموروث، ونستلهم منه القيم، والنماذج، ونصوغها في مفردات إنتاجنا الأدبي والفني والإبداعي بشكل مقبول، ومؤثر أمام الأجيال القادمة، وأن تعي الأم خطورة تركها وتخليها عن مسؤولياتها التربوية، وإن لم يكن بوسعها منع أطفالها عن التواصل مع الفضائيات لساعات طويلة، عليها ترشيد وانتقاء ما يشاهدونه على الأقل· تدابير وترى الدكتورة ابتهاج أحمد العلي عضو هيئة التدريس بجامعة البحرين: أن غزو الفضائيات أمر لا مفر منه، وليس أمام الأسرة العربية والخليجية إلا اتخاذ التدابير اللازمة للتقليل من آثار تلك الظاهرة السلبية المتنامية يوما بعد يوم بصورة تكاد تطغى على إيجابياتها المتعددة، وهنا يبرز دور الأسرة المتمثل في الوالدين اللذين يقع عليهما العبء الأكبر من المسؤولية والأشقاء الكبار لأهمية تأثيرهم على الإخوة الصغار، وتحصين الأبناء وتربيتهم تربية صالحة وفق مبادئ الدين والقيم والتعاليم الأخلاقية والعادات الحسنة حتى ينشأوا معتزين بهويتهم الأصيلة، ويحملون بذور الانتماء إلى أوطانهم، ويأخذون من الغرب ما هو صالح لهم، وينبذون ما هو شاذ عن قيمهم وعاداتهم من غير ذوبان، ولا انبهار بتلك القيم الزائفة· مظاهر ومشاهد تشير وجيهة صادق البحارنة رئيسة جمعية البحرين النسائية بمملكة البحرين إلى عدد من التأثيرات، والمشاهد السلبية التي انعكست على سلوكيات وثقافات المجتمع الخليجي، خاصة الشباب بفعل الفضائيات ووسائل الاتصال والثقافة الوافدة، على سبيل المثال لا الحصر، في العزوف عن استخدام اللغة العربية، وإحلال المفردات الأجنبية بدلا منها في التخاطب، وانتشار اللهجة الأميركية الدارجة، وتغيير عبارات التحية مثل ''هاي'' و''هاللو'' بدلا من ''السلام عليكم''، وطريقة السلام، فانتشرت عادة الصفق بالأيدي أو الإشارة بها بدلا من المصافحة، بل إن التغيير طال طريقة ونوعية الأكل، وشاعت الوجبات السريعة، ونسيان البسملة والحمد لله قبل الأكل وبعده، وأصبحت الملابس الفضفاضة أحيانا، أو الضيقة جدا، أو القبعة المعكوسة، والجينز، والتي تحمل صورا نصف عارية، أو العبارات الجنسية المبطنة عنوانل لمسايرة التقدم والتحضر، إلى جانب تسريحات وتقليعات الشعر، وقصة ''المارينز''، وكذلك طريقة حلق اللحية، والجلوس بطريقة معكوسة على الكرسي، وغير ذلك من مشاهد ومظاهر دخيلة استقاها أبناؤنا الشباب من الغرب، ومن المسلسلات الأجنبية، والدرامية العربية التي حذت حذوها بكل أسف· وتضيف وجيهة صادق: لقد تأثرت بعض القيم الاجتماعية بهذا الغزو الثقافي مثل احترام الوالدين وتوقير الكبار، فأصبح بعض الأبناء يعاملون آباءهم أو من يكبرهم سنا كما لو كانوا أندادا لهم في العمر والمنزلة، فضلا عن تمجيد الغرب، والانبهار بثقافته بما يعزز الشعور بالتفوق والسيطرة لهذه الثقافة الوافدة، واستحداث عادات غربية في المجتمع كحفلات الرقص والغناء وأعياد الميلاد، وخروج الفتيات إلى المقاهي والمطاعم ودور السينما، ليتبارين مع الشباب في التقليد والمحاكاة، هذا بالإضافة إلى إشاعة السلوكيات المستهجنة تحت مسميات دخيلة بعيدة عن مضمونها الحقيقي على أنها جزء من الحرية الشخصية، وحقوق الإنسان· نجوم·· وشرور أما راجحة محمود محمد رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإيمان التربوية في سلطنة عمان فترى أنه بالرغم من وجود ايجابيات كثيرة للفضائيات المتعددة على أصعدة متعددة، فإن في المقابل هناك شرورا يجب الانتباه لها، وحان الوقت للتصدي لها كتحديات تواجه الأسرة العربية والخليجية، وعلى الآباء والأمهات ألا يتعللوا بعدم وجود الوقت الكافي لمراقبة أطفالهم، فالتنشئة الاجتماعية مسؤولية الأسرة الأولى، وينبغي ألا نغفل الضوابط والمعايير الاجتماعية ومن قبلها المعايير الدينية والأخلاقية، وألا يتهاون الوالدان في مراقبة التزام أبنائهما بها· وتنوه راجحة محمود إلى خطورة انجرار نجوم المجتمع من فنانين ورياضيين إلى الترويج الاستهلاكي الضار لسلع، أو مواد ثقافية، أو لسلوكيات مستهجنة وغير مقبولة، وأن يدركوا أن كثيرا من الأطفال يتوحدون بهم في التقليد والاقتباس، والبعض يجعل منهم قدوة يحتذى بها، وبالتالي على الحكومات والمسؤولين عن الإعلام أن ينهضوا بمسؤولياتهم في تحقيق الرقابة الجادة، والوعي بالأهداف الخفية المشبوهة، من وراء أي عمل إعلامي أو إعلاني، وأدعو القائمين على برامج وسياسات الفضائيات هذه أن يراعوا خطورة ما يبث، وألا ينحصر دورهم وهمهم في تحقيق العائد المادي وترويج المواد الثقافية الغثة التي تسهم في تشويه وتسطيح فكر الشباب· من جانب آخر تؤكد الدكتورة أمة الرزاق علي الحوري عضو هيئة التدريس بجامعة صنعاء اليمنية دور المدرسة، ومؤسسات المجتمع التي لها صلة بالتربية والتنشئة كالأندية، والمساجد، والجمعيات الأهلية، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في تكريس الثقافة، والقيم الخاصة بمجتمعاتنا، فوق استراتيجيات حكومية جادة، محددة الرؤى والتوجهات والأهداف· توازن تؤكد دعاء عيسى عبدالوهاب مديرة نظم الجودة بديوان الخدمة المدنية في مملكة البحرين، أهمية التوازن في المادة الثقافية التي تبثها القنوات الفضائية، وألا ننغمس كليا نحو ثقافة التهميش والتسطيح، وأن تراجع مضامين خطابها الإعلامي، واعتماد برامج قادرة على جذب اهتمام المشاهد وبوجه خاص الأطفال والشباب حتى لا يجدوا أنفسهم مضطرين لأن يكونوا مجرد متلقين للفضائيات الغربية، فليس بامكاننا الآن حجب الفضائيات الغربية من اختراق بيوتنا، ولكن بالامكان صياغة إعلام قادر على المنافسة، ويتضمن فلسفة وقائية وتحصينية للأطفال والشباب· كما تؤكد دعاء عيسى ''موجهة تربوية'' على توعية الأسرة، وتعليم المرأة، حتى تصبح أماً واعية، ومدركة لخطورة الثقافات الأجنبية الوافدة، وأهمية التدخل، وإعانة أطفالها، وأبنائها نحو انتقاء ما يشاهدون، وتحديد وترشيد استغراقهم أمام شاشات التليفزيون، ومن جانب آخر تشجيع واعتماد المواد الدرامية الشائقة التي تتضمن أبعادا، وقيما، وثقافات عربية وإسلامية تسهم في بناء وتنشئة الأجيال تنشئة صحيحة وسليمة، وإعداد برامجها وفق مناهج علمية وتربوية تجسد معاني التقدم، والتطور، والتحضر بعيدا عن الانسياق والتقليد الأعمى لثقافات هشة ووافدة·شكل وسائل الإعلام المختلفة تأثيراً كبيراً في تشكيل الوعي المجتمعي، بل يمكن القول إنها أقوى العوامل الفاعلة في هذا التشكيل، بل أصبحت أخطر العوامل التي تصوغ أعراف المجتمعات وعاداتها، وتؤثر بشكل مباشر في قيمها، وأنماط سلوكيات الأفراد فيها بسرعة تفوق كل مشتملات الثقافة الأخرى، وقد أحالت الفضائيات في عصر السماوات المفتوحة الكوكب الأرضي إلى قرية صغيرة، نتيجة مقدرتها على تجاوز الزمان والمكان، وقدرتها على مخاطبة جموع وأعداد كبيرة من الجماهير في وقت واحد· ومما لا شك فيه أن الفضائيات قد أسهمت بشكل مباشر أيضا في هيمنة ثقافات معينة فرضت نفسها واكتفت الجهات المتلقية بموقف المتلقي المتفرج، فالأضعف دائما لن يكن بامكانه سوى ''الاستجابة'' شأنه في ذلك شأن المغلوب المولع بتقليد الغالب· اتجاهات وأيديولوجيات كانت الأسرة الخليجية فيما مضى شأنها في ذلك شأن أي أسرة عربية المصدر الأول، والوحيد تقريباً التي يصوغ عملية التنشئة الاجتماعية، باعتبارها البيئة التربوية الأولى التي تشكل الجانب الخلقي، والروحاني، والديني، والقيمي في مراحل الطفولة، أما اليوم فقد قفزت الفضائيات المتعددة لتحتل الموقع الأكثر تأثيراً وأصبحت المصدر الأهم للثقافة، وحملت رياحها قيما، ومعارف، وثقافات، واتجاهات· وأيديولوجيات، وسموما أخرى يعجز المتلقي عن انتقائها، والاختيار فيما بينها، ومن ثم لن يكون بوسعه سوى الانسياق، والتطبع بمضامينها، بما يمثل التحدي الأكبر والرئيسي الذي يواجه الأسرة العربية والخليجية، والمجتمع العربي برمته·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©