الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخطاب العدائي بوصفه نموذجا للخطاب المعرفي

الخطاب العدائي بوصفه نموذجا للخطاب المعرفي
5 فبراير 2009 02:44
يقول محمد مندور: ''إنما أصبح النقد نقدا منهجيا في القرن الرابع فقط عند الآمدي وعبد العزيز الجرجاني· ومن المعلوم أن لا الأدب الجاهلي ولا الأدب الأموي قد شهد معارك فنية كتلك التي نشأت حول البديع وعمود الشعر بين أنصار أبي تمام وأنصار البحتري في القرن الرابع''· ويبدو هنا جليا أن مندور يرى أن النقد المنهجي لا بد وأن يكون معتمدا نموذجا عدائيا خصاميا، أما النقد الذي يحاول أن يغادر هذا النموذج ليقدم خطابا وديا وحميميا، أو بتعبير روبيرت ستيبو التأليف الودي، فإنه يقع خارج البلاغة الأكاديمية، ومن ثم لا يعد نقدا حقيقيا، فالنقد العدائي هو قمة النقد المنهجي عند العرب في رأي مندور· إن هذا الأسلوب المرتكز على الخصومة والعداء الذي ألح عليه محمد مندور سيكون الصفة المميزة في دراسة أمجد الطرابلسي الذي وسّع الهوة الواقعة بين الذاتي والموضوعي، وجعل الذاتي مرتبطا بالشفاهية بينما الموضوعي مرتبطا بالمكتوب والمدوّن، ولجأ إلى تلفيقات عدائية خطيرة ضد الذاتي تظهر في أسلوبه المعادي لكل ما هو غير منهجي، واصفا النقد المدون عن العصر الجاهلي والقرنين الأولين للإسلام بأنه تراث واعد وبسيط وساذج، بينما النقد في القرن الثالث الهجري قد اكتسب مسارا جديدا في نظره، حيث يقول: ''إنها أعظم مرحلة في تاريخ الكتاب العربي، شهدت ظهور أمهات كتب الأدب، وأبرز المجموعات الشعرية، وبواكير المؤلفات النقدية، والكتاب لا محالة يجعل التفكير رصينا، في حين أن التلقين حائر ومفتقر إلى التناسق··· وهكذا نجد أنفسنا منذ القرن الثالث الهجري، إزاء أعمال متقنة في مجملها، تخضع لتعميم محكم وتصاغ بدقة، وهو ما ييسر مهمة المؤرخ، إذ يزوده بوثائق صحيحة، ويمكنه من استنباط نتائج بالاستناد إلى حجج صلبة ومتماسكة''· ويمكن أن يلاحظ هنا المقارنة بين الشفاهي والكتابي، وينحاز الطرابلسي إلى الكتابي مستخدما أسلوبا عدائيا ضد الثقافة الشفاهية، التي يصفها بالسذاجة والجهل وعدم التنسيق، ويظهر الطرابلسي هنا بوصفه واحدا من أهم الباحثين العرب في القرن العشرين الذين أسهموا في بث العداء إلى الأشكال الثقافية الشفاهية، والسؤال الذي يمكن طرحه هنا: هل الكتابية تعزّز الفكر الرصين بينما الشفاهية تعزّز الفكر غير الرصين! لا يمكن الجزم في هذه المسألة، ولو أن الطرابلسي حاول جاهدا أن يجعل القرن الثالث الهجري في جهة والعصر الإسلامي والقرنين الأولين للإسلام في جهة أخرى، دون أن يربط بينهما، وكأن الثقافة تتطور عن طريق التخلص من آثار الأزمنة المناضية، وهذا غير مبرر ومقبول أبدا· a.tamim@kalima.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©