الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرازيل··· ثورة خضراء ناجحة

البرازيل··· ثورة خضراء ناجحة
15 نوفمبر 2008 02:24
عندما كان العالم الزراعي ''إدسون لوباتو'' شاباً يتلمس طريقه في بدايه مشواره العلمي، سرح ببصره على امتداد الأراضي الشاسعة في بلده البرازيل التي تغطيها الغابات والأحراش وتخيلها حقولاً تزخر بشتى أنواع المحاصيل مثل الصويا والذرة والقطن· وفيما كان العديد من أصدقائه يعتبرون تطلعاته ضرباً من الخيال أوجزءاً من شطحات العالم المتطلع إلى المستقبل، وكانت عائلته تنصحه بالحصول على شهادته من مكان آخر عدا البرازيل، انضم العالم الشاب إلى الوكالة البرازيلية لزراعة وتربية الماشية وانتقل إلى وسط البلاد، حيث الغابات المترامية الأطراف· وفي تلك الفترة، كانت الوكالة تراهن على تحويل تلك الأراضي المليئة بالأشجار وغير القابلة للزراعة إلى مناطق ملائمة لجميع أنواع أنواع المحاصيل، وهكـــذا ضخـــت الوكالة البرازيلية الملايين من الدولارات في الأبحـــاث العلمية، وأرسلــــت بعثــات علميـــة، كان من بينها لوباتو نفسه، إلى منطقة الوسط الأميركي المشهورة بأراضيها الخصبة ومنتوجها الزراعي لجمع ما أمكن من معلومات والاستفادة من التجارب العالمية الرائدة· واليوم، وبعد انقضاء بضع سنوات فقط، تحولت البرازيل بفضل رؤية ''إدسون لوباتو'' والعديد من أمثاله إلى أكبر مُصدر عالمي للصويا ولحوم الأبقار والدجاج وعصير البرتقال والإيثانول والسكر· وبالطبع لم يخفَ الإنجاز الذي حققته البرازيل على أيدي علمائها في المجال الزراعي على المهتمين بالأمن الغذائي العالمي، فحصل ''لوباتو'' ومعه آخرون من زملائه على أرقى جائزة دولية في التطوير الزراعي لما اعتبر أهم إنجاز تشهده العلوم الزراعية خلال القرن العشرين· ففي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية بسبب تحسن الظروف المعيشية للملايين من الأشخاص في آسيا والضغط المتزايد على نوعيات أفضل من الطعام، أصبحت البرازيل أحد الحلول المطروحة لأزمة الغذاء العالمية· والحقيقة أن البرازيل لا تكتفي بدورها كمزود عالمي للمواد الغذائية ومصدر أساسي للمحاصيل، بل تعمد حالياً من خلال علمائها على نقل التكنولوجيا الزراعية إلى مناطق أخرى في أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث قامت الوكالة البرازيلية للزراعة وتربية الماشية في العام 2006 بافتتاح مكتب لها في غانا لمساعدة أفريقيا على تحسين إنتاجها الزراعي ومدها بالمعرفة اللازمة لذلك· ويعبر المسؤول عن الشؤون الدولية في الوكالة ''إليسيو كونتيني'' عن البعد الدولي في عمل الوكالة، قائلاً ''في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات تلقينا مساعدة مهمة من أميركا لتحويل البرازيل إلى ما هي عليه الآن، واليوم، حان الوقت لنقل التكنولوجيا إلى البلدان الفقيرة في أميركا اللاتينية وأفريقيا''· وبسبب النجاح الذي حققته الوكالة داخلياً واستعدادها لمد يد المساعدة إلى الدول الفقيرة، بدأت العديد من الجهات الدولية تنظر إلى ما يجري في البرازيل وتراقب إنجازها الزراعي بالكثير من الاهتمام، حيث قامت أكثر من مائة منظمة دولية بزيارة مقر الوكالة في البرازيل خلال السنة الماضية فقط· ومن بين تلك المنظمات وفد، قدم خصيصاً من كولومبيا في الفترة الأخيرة بهدف الاستفادة من التجربة البرازيلية والاطلاع عن قرب على كيفية تحوّل أراض في وسط البلاد كانت إلى وقت قريب جزءاً من أدغال الأمازون، إلى منطقة زراعية خصبة تصدر فائضها إلى الأسواق العالمية· وخلال العرض الذي شاهده الوفد الكولومبي في مقر الوكالة، ظهر صف من الجرارات يقوم بحصاد الصويا بالتزامن مع صف آخر يزرع الأرض ببذور الذرة· ويقول ''مانويل'' جوميز من جمعية تربية الماشية في كولومبيا الذي كان يستمع باهتمام لعرض الوكالة البرازيلية: ''لقد تحولت البرازيل إلى الرقم 1 في تصدير لحوم الأبقار، ونحن هنا لنرى كيف حصل ذلك''· وقد بدأت قصة النجاح البرازيلية في المجال الزراعي من مركز الأبحاث الذي أقامته الوكالة البرازيلية للزراعية وتربية الماشية شمال مدينة برازيليا، والممتد على مساحة 3100 هكتار من الأراضي، وهو المكان الذي تعرف فيه العلماء مثل ''لوباتو'' على طريقة تقليص درجة حموضة التربة، وطوروا فيه أنواعاً متعددة من البذور لتلائم الطقس الاستوائي في الأمازون بعدما كان نموها لا يتم إلا في الأجواء المعتدلة· واليوم، أصبح إنتاج منطقة السهول الشاسعة التي استصلحت مؤخراً ويطلق عليها في البرازيل اسم ''سيرادو'' يفوق 63% من الصويا في البرازيل التي تعتبر أحد أكثر المحاصيل نجاحاً في البلاد· ويشبه ''بيتر جولدسميث''، مدير الأبحاث في جامعة إلينوي الأميركية الإنجاز الزراعي في البرازيل ''بالثورة الخضراء'' التي شهدتها أميركا خلال الأربعينات عندما طورت أنواعاً جديدة من القمح لتلبية الحاجيات الغذائية للسكان· غير أن البحث العلمي ما كان له بمفرده أن يقود هذه الثورة البرازيلية في مجال الإنتاج الزراعي لو لم يسبقها تحرك الحكومات العسكرية في السبعينات التي اتخذت قراراً انطوى على بعد نظر بتشجيعه للمزارعين على الاستيطان في المناطق الشاسعة وسط البلاد مانحة القروض والحوافز لكل مزارع ينتقل من أراضي الجنوب الدافئة إلى مناطق الوسط الاستوائية، فضلاً عن تشجيعها للهجرة إلى الأماكن ذات الكثافة السكانية القليلة· وهكذا، وصلت الصادرات البرازيلية من المنتجات الزراعية إلى عشرين مليار دولار عام ،2000 ليرتفع ذلك الرقم في السنة الماضية إلى 58 مليار دولار حيث شكلت حصة الصويا منها 11,4 مليار دولار، ولا يقتصر الإنتاج على المواد الغذائية، بل يتجاوزه إلى الإيثانول المستخرج من الذرة والمستخدم كوقود للسيارات، إذ يصل إنتاج البرازيل منه إلى 17 مليار لتر أي ما يعادل 33% من مجموع الإنتاج العالمي· سارة ميلر ليانا- البرازيل ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©