الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقييم الذكاء العاطفي

29 يناير 2006

قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)
لدى كل فرد منا طاقة يمكنه استثمارها بالوجهة التي يرغب فيها، ولديه عاطفة يختزنها في المخ في الجزء المختص بالعواطف، ومن خلالها تتولد لديه القدرة على أن يكوِّن درعا واقيا ليقوم بحماية أقوى رغباته من الهجوم الذي يقاوم به الجزء المختص بالتفكير المنطقي، ونتيجة لهذه العملية فكل منا يقوم بأداء مهام وسلوكيات يمكنه تقييمها بين فترة وأخرى، بل ويمكنه تغييرها·
مشاهدات حيَّة
إن مشاهدة التفاعلات العاطفية بشكل جلي يصعب لخصوصية الأمر وحساسيته، إلا أننا نشاهد أحيانا البعض منها كتنازع أغلب الأزواج والزوجات أمام الأطفال، وشكوى العديد من الازواج من شريكه، أواستخدام البعض منهم للانترنيت أوالهاتف المحمول والتكنولوجيا بديلا عن العلاقات الأسرية وقد يقضي الأوقات الثمينة من عمره وهو محتضن لها بدلا من احتضان زوجه وأبنائه، ومنهم من ينسى ربط حزام الأمان في السيارة مما يعرضهم إلى الوقوع ضحايا للحوادث وحرمان أسرهم منهم، والكثير من الأزواج والزوجات الشباب يقودون سياراتهم بسرعة جنونية ولا يتذكرون أنهم يعرضون أنفسهم للمهالك، والبعض الآخر يدخن رغم علمه أن التدخين يرتبط بمرض الوهن والموت السريع، إضافة إلى أنهم يكونون قدوة أمام أطفالهم ليبدأوا التدخين في سن مبكرة ، ومن الأزواج والزوجات من يصرف الأموال دون تذكر مقدرته المالية وقد يوقع نفسه في فخ خداع النفس أو ظلمها لأنه يعيش بعدها بضائقة مالية ونفسية واجتماعية وقد تنسجب لتصبح قانونية·
ولذلك فإننا نقيم اليوم مشاهداتنا الواقعية في علاقاتنا الزوجية والأسرية بهدف التعرف على قدرتنا على تفعيل الذكاء العاطفي لدينا، وهل يمكننا أن نتصف بالصفات التي تؤهلنا لرعاية أزواجنا وأسرنا ، وأن نربي أطفالنا بدرجة من الحيطة والحذر والاعتدال بأداء كل عمل دون افراط ولا تفريط ولا انكار ولا تبرير ( عقلاني أو لا عقلاني)، وأن نرفع رؤوسنا ولا ندفنها في الرمال، وأن نواجه الحقيقة مهما كانت صعبة أو تحتاج لجهود منا لتقبلها·
من واقع العلاقة الزوجية
من خلال تفحصنا ومراجعة العديد من المواقف في العلاقات الزوجية اليوم نجدها تتميز ببعض المميزات المنسجمة مع شخصية الزوجة وأخرى تنسجم مع سمات الزوج وصفاته، ولذلك فإن وجدنا بعض المهارات داخل أسوار العلاقات الزوجية يكون مصدرها تفعيل أحد الزوجين لذكائه العاطفي فمثلا عند تفعيل الزوجة لذكائها العاطفي ولسماتها كامرأة نجد أن لدى هذه الأسرة بعض المهارات الواضحة والتي تسهم في إنجاح العلاقة العاطفية بين الزوجين وبينهما وبين الأبناء من جهة أخرى، والتي تتمثل بالتعرف على عواطف الآخرين أو ( التقمص الوجداني)، ويلاحظ أن أكثر المهارات العاطفية اشباعا وبالأخص لدى الزوجات والأمهات هي المقدرة على الإحساس بمشاعر وعواطف الآخرين ( الحزن، الفرح ) ومشاركتهم هذه الأحاسيس والعواطف·
و القدرة على التقاط الرسائل الاجتماعية التي تدل على إن هناك من يحتاج إلينا مثل النصيحة والمشورة، المساعدة في حل المشكلات المادية، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، المؤاساة، التعويض النفسي، التبادل المرهف للمشاعر·
ولا شك في أن العديد من العلاقات الزوجية تتفرد في استثمار فن وإدارة وتوجيه العلاقات الإنسانية فيما بينهم، والتأثير بسهولة في الآخرين والتفاعل مع أفراد الأسرة وبيئتهم الاجتماعية، وإذا تفحصنا كل ما تقدم يمكننا ملاحظة تمتع أغلب الازواج والزوجات بالعديد من المهارات والمؤشرات التي تدل على قدرة كل منهم على استثمار الذكاء العاطفي سواء أكان في الجانب الجالب للسعادة أو عكس ذلك، وكذلك القدرة على تطويع عواطف الآخرين، وكسب القلوب وخصوصا (كسب الزوجة لقلب زوجها)، وتمتع أغلب الازواج والزوجات معا بأداء مهارات معينة لتحقيق الكفاءة الاجتماعية العالية من خلال إتقان قواعد اللباقة الاجتماعية· والفعالية في عقد الصلات والصداقات مع الآخرين·
بل وقد يظهر ذلك بوضوح من خلال تمتع الزوج والزوجة بالكثير من الصفات الشخصية مثل ( الاطمئنان النفسي ، راحة البال، النجاح الباهر في أداء بعض المهام التي تتطلب رعاية مثل التعليم ، والتربية، التزامن في نقل الحالة النفسية الايجابية، والسرعة في عقد الصلات، التأثير بمرونة وسهولة في كل الأمور التي تعتمد على التفاعل مع من يحيط بنا·
وليس غريبا أن نكتشف أن الزوجة تتمتع بهذه المهارات أكثر من الزوج، وذلك لأن الحب والاتصال والجمال والعلاقات الانسانية تعتلي قيمها الاساسية· ولان فكرة المرأة عن نفسها تتحدد عن طريق مشاعرها ونوعية علاقاتها، ولأنها تشعر بالاشباع من خلال المشاركة والتواصل مع مشاعر وعواطف الزوج والأبناء· فالعلاقات بالنسبة للمرأة اكثر اهمية من العمل والتكنولوجيا، وان البوح بمشاعرها والتعبير عن ذاتها من الأمور المهمة لديها، وأن التواصل في الحديث والمشاعر مع الآخر يعد من الأمور بالغة الاهمية للمرأة ويعتبر أحد أهم مصادر الاشباع لديها، لهذا فان نجاح معظم العلاقات الزوجية يعود أسبابه إلى تفهم الزوج لاهمية هذه القيمة في حياة الزوجة·
إشباع العواطف
إن موضوع إشباع العواطف له أهميته في تقييم الذكاء العاطفي لدينا، إلا أننا قد نجد أن أغلب الزوجات يشعرن بنقص في إشباع عدة مهارات عاطفية منها إمكانية توجيه العواطف والمشاعر في خدمة الأهداف القريبة والبعيدة بكفاءة عالية وقد يظهر هذا واضحاً من خلال النقص في القدرة على التحكم في الانفعالات وتأجيل إشباع الحاجات والغرائز ووقف الدوافع المكبوتة التي لا تقاوم من أجل هدف مؤجل، وخاصة عندما تتسرع الزوجة أو الأم بإصدار الحكم على الاشياء وعدم التريث لدراسة الأمر والبحث عن بدائل وتفحص الكثير من التفصيلات التي تساعد على حل المشكلات وتحقيق الاهداف، وتحفيز النفس لتقديم أفضل لأداء·
وقد أعزى العديد من الباحثين تعرض أغلب الزوجات والأمهات للاحباط والتشاؤم أسرع مما يظهر على الأزواج والآباء، لذلك فان تعرض الزوجة للضغوط النفسية وحاجاتها الى إشباع عواطفها تحتاج إلى تمتع الأزواج باستثمارمهارات الذكاء العاطفي لديهم ·
أما فيما يتعلق بسمات بعض الأزواج الذين لا يعبرون عن مشاعرهم، أو الذين لديهم عدة صفات تضعف من تفعيل الزوجة والأبناء لإنجاح الذكاء العاطفي في علاقتهم وإشباع عواطفهم، فقد تعزى إلى أن بعض هذه الصفات موروثة أو مشاهدة ومكتسبة من البيئة، إلا أنه يمكننا تعلم أغلب هذه السمات من خلال مشاهدة الأبناء لآبائهم وهم يقدمون الأمثلة الحية والحيوية في علاقتهم الزوجية والأسرية مثل استقبال الزوجة زوجها والترحيب به، وتقديم الهدايا والمحبة وإشباع عواطف الأسرة، وتمتعهم بالهدوء وتقبل الرأي عند المناقشات، وإمكانيتهم تقييم علاقاتهم ومحاولة إخراج أنفسهم من العزلة الإيجابية التي وضعوا أنفسهم ضمن دائرتها·
التوافق والتزامن
تنتشر حولنا العديد من المشاهدات العاطفية، وقد يصعب علينا تصنيفها أو اكتشاف المشاعر الصادقة، والتعرف على طرق نقل المشاعر الايجابية لبعضنا البعض كما تنتقل إلينا العديد من الفيروسات الصحية والاجتماعية والتكنولوجية، ويمكننا مشاهدة عواطفنا وملاحظة إرسالنا العديد من الإشارات العاطفية للمحيطين بنا والتي أغلبها تؤثر فيهم، وبظهور التبادل المرهف للمشاعر بمجرد رؤية الزوج الاخر الذي يعبر عن شعور ما و يثير عند الزوج الآخر الحس المرهف والحالة النفسية·
وقد نجد أن لدى أغلب الأسر والعلاقات الزوجية عملية أو حالة من التزامن في نقل الحالة النفسية الايجابية والسلبية، إن التزامن في نقل الحالة النفسية هو الذي يحدد إن كنت تشعر إن التفاعل بينك وبين الأخر كان تفاعلاً جيدا أم لا ، إن هذا التزامن يسهل إرسال واستقبال الأمزجة النفسية حتى ولو كانت سلبية، وتبدأ في التفاعل معه سلبا أو يجاباً، إن التوافق في الأمزجة هو جوهر علاقة الألفة وهو صورة لعلاقة التوافق بين الأم مع وليدها والمرأة مع زوجها·
فإذا كان الزوج محبا لله ومحتسبا في علاقته الزوجية ومتسامحا وخبيرا في التناغم مع حالات الآخرين النفسية يسهل عليه التفاعل أكثر على المستوى العاطفي وهذا ما يميز الزواج الناجح والأب الحاني والزوجة المثالية·
إن توافق الانفعالات في التفاعل بين البشر علامة على عمق تمكن الإنسان على المستوى العاطفي وأن لديه القدرة على استشفاف الحالة المزجية لدى الأخر· وقد نشاهد هذه القوة ونستثمرها في تحديد الصفة العاطفية أو تشخيص الحالة العاطفية الزوجية، وهو ما يسمى (ضابط الإيقاع) أو ( عامل التزامن) وهي عملية تشبه تعاقب الليل والنهار فالإنسان الذي يمتلك قدرة تعبيرية كبيرة أكثر من غيره هو من تنتقل انفعالاته إلى الزوج الآخر ·
هل يمكننا تقييم الذكاء العاطفي
بالتأكيد يمكن كل منا تقييم الذكاء العاطفي لديه من خلال تعرفه على عدة أسس ومعايير ومراجعة لما يتمتع به وهل يمكنه قياس ما يؤديه، ولكي نقيم الذكاء العاطفي الزوجي والأسري لدينا ولدى أزواجنا وأفراد أسرتنا لا بد من أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة منها هل:
·1 تم تحديد أهداف واضحة لكل زوج وزوجة وللعلاقة الزوجية وللأسرة·
·2 نحقق جلسات من الحوار مع الذات ومع الآخر، والتعرف على الخطط ونوعية الأدوار المنوطة بنا·
·3 حددنا المهارات اللازمة للنجاح العاطفي والتي تتطلب التعرف على عواطف الآخرين أو ( التقمص الوجداني)·
·4 لدينا القدرة على اكتشاف المشاعر الصادقة والبدء بقياس التزامن والتوافق في نقل المشاعر والعواطف·
·5 حققنا ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)·
·6 حددنا المهام والأعمال المرتبطة بالتفكير الواقعي، واتخاذ القرارات الصائبة·
·7 يمكننا قياس درجة التفاؤل ومستوى الانجاز لدى كل منا·
·8 نتمكن من إحداث التغيير والتطور ليس لذواتنا فحسب بل ولعلاقتنا الزوجية والأسرية·
·9 يمكننا تفعيل الحديث مع أزواجنا وذواتنا حديثا إيجابيا·
·10 غالبا ما نستخدم التصور والاسترخاء للتغلب على المتاعب والمشكلات التي تحيط بنا·
·11 لدى كل منا قدوة واستراتيجية ويمكننا اتباع عدة بدائل في التغلب على التحديات التي تحيط بنا·
·12 سنعمل على اكتشاف معايير أخرى تسهم في تفعيل الذكاء العاطفي لدينا والشعور بتقبل الله لأعمالنا وأدائها بإحسان ونجاح وإخلاص·
ولا بد أن نتذكر أن الله وضع فينا الخير ويمكننا استثماره بالوجهة التي نرغب فيها، وعلينا أن نقيم أعمالنا ونحدد مسؤولياتنا وأدوارنا باستمرار، وأن نعي قول الحق: (إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكنَّ الناس أنفسهم يظلمون)
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©