الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذم الذات لا ينتج قضية ولا يصنع أدباً

29 يناير 2006

دمشق ـ فاطمة شعبان:
رواية السيرة الذاتية للكاتبة الأردنية الأصل نورما خوري، التي حملت طبعتها الأسترالية عنوان 'الحب المحرم: قصة حقيقية عن الموت والانتقام في الأردن' وحملت طبعتها الأميركية عنوان 'شرف مفقود' وفي طبعتها العربية حملت عنوان 'شرف ضائع: الحب والموت في الأردن'، أثارت الكثير من الجدل منذ صدورها قبل حوالي العامين إلى اليوم· هذه الرواية التي تعالج جرائم الشرف في الأردن، نشرتها دارا نشر، الأسترالية 'راندوم هاوس' والأميركية 'سيمون آند شاستر' بنيويورك، باعت في استراليا أكثر من ربع مليون نسخة، عدا عن النسخ التي بيعت في الولايات المتحدة وأوروبا· وقد حازت نورما خوري صاحبة هذه القصة التي اعتبرت حقيقية ومروعة عن الحب والانتقام في الأردن، جائزة الكتابة الواقعية في أستراليا·
تحمل الرواية على غلافها الخلفي تعبير 'رواية سيرة ذاتية' وقد أكدت كاتبتها على أنها واقعية، وهي تروي سيرتها الذاتية، وسيرة صديقتها داليا التي تعرفت عليها وهما طفلتان، هي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة المسيحية التقليدية وداليا تنتمي إلى الطبقة المتوسطة المسلمة في الأردن، وكلتاهما متزمتتان حسب وصف الرواية، ولدتا بفارق أشهر في العام ·1970 واكتشفتا وهن في سن الخامسة عشرة، أن للأردنيات الحق في أن يمتلكن صالونات للتجميل، هي إحدى المهن القليلة الميسرة لهن· أقنعتا أسرتيهما بأن تنتميا إلى مدرسة تجميل، ومن ثم أن تفتتحا في العام 1990 صالوناً للجنسين في بناء يملكه والد نورما، وأن يرافقهما أخو داليا إلى الصالون كمرافق لهما·
تقع داليا المسلمة في حب الشاب المسيحي الكاثوليكي الذي يتردد على الصالون، أسمه ميشيل وعمره اثنان وثلاثون عاماً، وهو ضابط في الحرس الملكي الأردني· تعيش داليا وميشيل علاقة حب على مدى عام، تتآمر فيها نورما معهما من أجل أن يخرجا مع بعضهما البعض بعيداً عن رقابة أعين أسرة داليا· ولكن الأخ الرقيب يكتشف العلاقة، ويُخبر الأب، مما يدفعه إلى قتل ابنته بإحدى عشر طعنة في صدرها· وتكشف الفحوص الطبية أن داليا كانت ما تزال عذراء عند قتلها·
تجد نورما أن الشكوك تدور حول تورطها في أمر هذه العلاقة مما يمكن أن يعرضها للقتل أيضاً حسب الرواية، يقوم ميشيل بترتيب الأوضاع لها لتهرب خارج الأردن، من خلف أهلها· ينجحان في ترتيب هذا الهروب، وبعد أن تخرج إلى الحرية، تكتب هذه الرواية التي هي سيرة حقيقية لتجربتها الذاتية·
سيرة كاذبة
حصلت نورما خوري التي لجأت إلى استراليا على لجوء إنساني، بدعوى أن حياتها مهددة في بلدها الأردن بسبب جريمة شرف كانت شاهدة عليها· وعلى أساس أن روايتها هذه سرد لتفاصيل جريمة الشرف التي ذهبت ضحيتها صديقتها داليا· ففرت الكاتبة من الأردن خشية القتل من بعد وقوع الجريمة بأشهر إلى اليونان، حيث كتبت روايتها هناك في مقاه للإنترنت، ثم طلبت اللجوء في أستراليا، فمنحوها حق الإقامة المؤقتة عام 2002 مع زوجها وابنيها، وهناك نشرت روايتها·
لم تترك الناشطة النسائية الأردنية الدكتورة أمل صباغ والصحافية الأردنية رنا الحسيني الرواية تمر دون تدقيق، وقد كشف عملهما المترافق مع تحقيق قام به الصحافي الأسترالي مالكولم كنوكس المحرر الأدبي في صحيفة 'سيدني مورننج هيرالد'، استمر نحو 18 شهراً، توصلوا خلالها إلى العديد من التفاصيل المثيرة عن حياة خوري، وكتابها· وتبين الوقائع أن الكاتبة غادرت الأردن في سن الثالثة من عمرها مع ذويها، وأنها تحمل الجنسية الأميركية وتعيش في شيكاغو منذ العام 1973 حتى العام ،2000 وأنها متزوجة من أميركي من أصل يوناني ولديها ولدان هما زو، وكريستوفر، ولم يسبق أن عملت في عمان أو عاشت فيها· وقد استطاع الصحافي الأسترالي أن يزور شيكاغو ويلتقي بوالدة نورما وأن يرى صورها هناك في طفولتها، وصور حفل زفافها، وقد كشفت الصباغ والحسيني الأخطاء والخطايا الواردة بين ثنايا هذا الكتاب، ومنها أنه يقتل في الأردن سنوياً ألفا امرأة بسبب قضايا الشرف، والحقيقة أن الرقم لا يتجاوز العشرين حالة سنوياً وهي مسجلة لدى الصحافة وجمعيات حقوق الإنسان والمحاكم· ومن الأكاذيب الأخرى أن نهر الأردن يمر من عمان وهو ما يغيب عن الطبعة العربية، وهي أكذوبة جغرافية مثيرة للضحك، كما تقول أن للأردن حدودا مع مصر ولبنان· وقد تجاوز عدد الأخطاء المئتين فيما يتعلق بالقصة الحقيقة، إضافة لقصة حياة الكاتبة نفسها·
دفعت هذه الوقائع دار النشر الأسترالية أن تطلب من الكاتبة أن تقدم الدليل لدحض الادعاءات، ولاثبات إقامتها في الأردن خلال السنوات التي ترويها الرواية، ولكن الوثائق التي قدمتها خوري إلى الدار لم تكن كافية من وجهة نظر الدار· وفي ظل غياب الدليل القاطع، على صحة وجود الكاتبة في عمان لحظة أحداث الرواية، وهو يعني عدم صحة وقوع هذه الأحداث· وهو ما جعل مديرة دار النشر الأسترالية مارجريت سيل تقول 'نعتذر إلى بائعي الكتب والقراء الذين اشتروا الحب الحرام معتقدين أنها قصة حقيقية'·
صدق الرواية
الرواية كعمل متخيل أو كعمل واقعي، عليها أن تمتلك مصداقية الحدث الروائي، بأن يكون السرد مقنعاً والوقائع مقنعة، وبذلك العمل الروائي، لا يستند إلى خيال مطلق فقط، بل عليه أن يملك مشروعيته· ومن هنا لا يجوز أن تتم رواية غير الموجود واعتباره واقعاً روائياً، إن لم نقل واقعاً واقعياً· على سبيل المثال، تتحدث الرواية عن فتاتين تنتميان إلى أسرتين متزمتتين، والأسر المتزمتة في المنطقة العربية، لا يمكن أن توافق لبناتها أن تفتتح صالون حلاقة يرتاده من الجنسين معاً، حتى لو كانت قوانين هذه البلدان تسمح بذلك· ومنذ عقود وعلى الرغم من عيوب دول المنطقة الكثيرة، إلا أن القول أنه 'من غير المسموح لها بأن تجلس إلى طاولة الطعام ذاتها التي يجلس إليها الرجال، أو في الوقت ذاته الذي يتناولون فيه طعامهم· كان عليها أن تحضّر الطعام وتقدمه لهم· وما أن يفرغوا من الطعام ويغادروا المكان فبإمكانهما هي وأمها(دالية ووالدتها) أن تتناولا ما بقي في الأطباق'· وهذا حال جميع البيوت التقليدية كما تعمم الرواية· كما أن القول 'مع أن وأد البنات هي عادة نادرة في أوساط المواطنين الأردنيين في المدن، فلا يزال صداها يتردد بين القاطنين في الصحراء'· وهو ما يعني أن وأد البنات ظاهرة تمارس على نطاق واسع خارج المدن· وليس هناك من مواكب ضاجة تذهب من 'بيت العروس ليرافقوها إلى الجامع، أو إلى الكنيسة إذا كان الزوجان مسيحيين'· وتكتب في مكان آخر، تقول داليا 'يجب أن أذهب إلى الجامع' وتضيف الكاتبة 'كنت أعرف أن ذلك ليس ورعاً منها بل عناية في التفاصيل، فربما حكى الشيخ لوالدها أنها لم تحضر إلى الجامع'· من الواضح أن الكاتبة تهمل تماماً مكانة الجامع في الإسلام وتتعامل معه كأنه كنيسة، على الشيخ أن يبارك الجميع في الجامع نساء ورجال، وهو جهل فاضح في ما تكتب عنه·
وهناك الكثير من الوقائع غير المقنعة روائياً، من نوع أن العائلتين المتزمتتين توافقان على بقاء ابنتيهما لوحدهما في عمان وتغادران إلى العقبة· وهناك الكثير من القضايا المتناقضة روائياً ولا يمكن قبولها سردياً· فليس من المفهوم أن يصر والد نورما أن تعتذر من والد صديقتها بعد قتلها لأنها تفوهت بكلمات وقحة، ويبقى والد القتيلة في انتظار الاعتذار· كما أن من المرعب أن تصور الرواية أم الضحية تثرثر على الهاتف مع والدة نورما، حول ما سيفعلون بشأن ميشيل وجثة ابنتها القتيلة ما تزال ساخنة· وغيرها الكثير من الأخطاء، ليست أخطاء في الواقع، بل تعتبر حتى فنياً أخطاء روائية لا يمكن قبولها نقدياً·
الحاجة إلى هذه الرواية
لا شك بأن رواية 'شرف ضائع' قد جاءت كهدية من السماء بعد أحداث 11 أيلول لمزيد من شيطنة الإسلام في الغرب، فالصورة الوحشية للرجل في الشرق هي الطاغية على الرواية التي يبدو أن لا أحد يستطيع الخلاص من هذه الوحشية سوى قلة قليلة ذهبت إلى الغرب وتأثرت فيه· وإن هذه البلدان هي نموذج للقرون الوسطى مستمر رغم التاريخ· ولا شك بأن هذه الرواية تعيد إنتاج صورة العربي كما صورها الاستشراق الرديء في العالم الغربي· وهي صورة تحاول الثقافة الغربية اليوم إعادة إنتاجها من جديد بتصوير المجتمعات الإسلامية كمجتمعات متوحشة، ليس لها من الحضارة غير القشور·
رواية نورما خوري أسمعت الغربيين صورتهم المتخيلة عن الشرق كما رسمها استشراق القرن التاسع عشر، في لحظة من أسوأ اللحظات التي يواجه فيها الإسلام هجمة غير مبررة، من الكثير من المؤسسات في العالم الغربي، ولا شك بأن رواية من هذا النوع تعطي صورة رديئة عن الذات، ويمكن اعتبارها ذم للذات غير مبرر·
بالتأكيد هناك قضية في العالم العربي اسمها 'جرائم الشرف' وهناك الكثير من القضايا السلبية التي يجب فضحها، ولكن دون أن يكون ذلك محمولاً على الكذب، فالقضايا المحقة يدمرها الكذب بدل أن يساعد في حلها·
من مفارقات رواية 'شرف ضائع' أنه في الوقت الذي اعتذرت فيه دار النشر الأسترالية من قرائها عن هذه الرواية وسحبتها من الأسواق· تأتي الطبعة العربية بعد أن انكشف كذب الرواية وراويتها، ولكن الناشر العربي يدافع عن عمله بأن القضايا التي أثيرت حول الرواية ثانوية مقابل أهمية القضية التي تثيرها الرواية· وإذا كانت قضايا المصداقية قضايا ثانوية، فكيف لنا أن نعرف القضايا الأساسية في عالم الكتابة؟!
الكتاب: شرف ضائع (الحب والموت في الأردن)
الكاتبة: نورما خوري
الناشر: دار قدمس للنشر والتوزيع ـ دمشق
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©