الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الخانكة» أرض مصرية ترتبط بالبركات والكرامات

«الخانكة» أرض مصرية ترتبط بالبركات والكرامات
31 يوليو 2010 21:03
الخانكة من المدن المصرية التي تروى عنها أساطير كثيرة، فيشاع أنها أرض البركة والدعوة المستجابة. وتقع المدينة في نطاق محافظة القليوبية شمال القاهرة ويسكنها 68 ألف نسمة، وفي أحد شوارعها ضريح، يتجمهر حوله الناس وهو أمر مألوف في الحياة اليومية لسكانها، فأينما ولّى المرء وجهه يصادف قبة ضريحٍ يروي العامة قصصاً وحكايات كثيرة عن قدرات صاحبه الخارقة والكرامات غير العادية التي يبديها في تزويج البنات وفك المربوط وإبطال السحر ومساعدة العاقر على الإنجاب. في الخانكة والقرى التابعة لها قرابة 100 ضريح ومزار ديني منها سيدي عبدالكريم باطه والبري والشيخ الطوخي والشيخة بدوية ومحمد الكويس. وتروى عن كل منهم كرامات. ويحلو لأهل الخانكة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث يقام لمدة خمس ليال وفي نهار اليوم السادس يتم الاحتفال الكبير الذي يعم كافة شوارع وميادين المدينة، ويحرص أهل الخانكة على مشاهدته، وتوزيع الأطعمة على الفقراء. الناصر قلاوون محمد الزيني، عضو المجلس المحلي بالخانكة، يؤكد أن شيوع الطقوس الدينية والتقرب من الأولياء في الخانكة يرجع إلى مئات السنين وتحديداً إلى النشأة الأولى للمدينة التي تم بناؤها قبل نحو 700 عام في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون وسكنها كثير من الصوفيين ورجال الدين وكانت لهم كرامات كثيرة ومن يومها والناس يحرصون على زيارة الخانكة والتردد على الأولياء لنيل البركة. ويؤكد الدكتور عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ والآثار الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الناصر محمد بن قلاوون أمر ببناء مدينة الخانكة وأورد المؤرخ الشهير المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار” أن قلاوون كان من عادته الخروج في رحلة صيد بالصحاري المتاخمة للقاهرة وأمضى بعض الوقت في صحراء بالقرب من قرية “سريا قوس” قليوبية وهناك شعر بألم في جوفه كاد يودي به وظل يتجلد حتى عجز عن احتمال الألم فنذر لله إن عافاه ليبنين في هذا الموضع مكاناً يعبد فيه الله، ثم عاد محمولاً إلى القاهرة، حيث لزم الفراش في قلعة الجبل - صلاح الدين- عدة أيام ولما شفي من المرض، حمد الله وركب بنفسه على رأس موكب سلطاني كبير ومعه المهندسون واختط على بعد ميل من قرية “سريا قوس” مدينة جديدة عام 725 هجرياً جعل فيها مائة خلوة لمائة صوفي فقير وبنى بجانبها مسجدا كبيرا تقام به صلاة الجمعة كما بنى بها حماما ومطبخا وبيوتا جميلة ودعا الناس إلى السكنى فيها. السلطان الأشرف يشير عبدالمقصود إلى أن استجابة الدعاء على أرض الخانكة تكررت بعد ذلك في واقعة كان بطلها السلطان المملوكي الأشرف برسباي والذي نذر في أثناء مروره بأرض الخانكة مصطحباً الجيش لمحاربة ملك قبرص إن ظفر بالنصر ليبنين على أرضها مسجدا كبيرا فبنى واحداً من أجمل مساجد مصر والمعروف الآن باسم مسجد السلطان الأشرف بالخانكة. ويحظى مسجد الأشرف بمنزلة كبيرة في موسوعة مساجد مصر وأوليائها الصالحين للدكتورة سعاد ماهر حيث ذكرت أن المسجد أنشأه السلطان الأشرف سيف الدين برسباي عام 841 هـ/1437م وهو تحفة معمارية رائعة من كافة الوجوه، حيث يتكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة الذي يشتمل على ثلاثة صفوف من العقود المحمولة على أعمدة رخامية ويتكون كل من الرواقين الجانبيين من صفين كما يتكون رواق المؤخرة من صف واحد. من جهته، يقول الدكتور عبدالمعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إن الشريعة الإسلامية لم تحرم زيارة قبور الصالحين أو غيرهم من أموات المسلمين شريطة ألا يأتي المرء عندها بما يخدش عقيدته أو يدنسها بالتوسل وطلب الحاجات وغيرها، محذراً من خطورة أن يدعو المسلم مع الله أحداً وهو ما قد يوقعه بالشرك. وينهى بيومي المترددين على زيارة الأضرحة والقبور من القيام بأمور تدخل ضمن البدع المنهي عنها كأن يعتقد الزائر أن التبرك بتراب الضريح من شأنه أن يعجل بشفائه أو قضاء مطلبه وكذلك الحال في التمسح بمقصورة الضريح، فكل تلك أمور منهي عنها. الهروب من الخانكة إذا كانت الخانكة هي أرض البركة والدعوة المستجابة فإنها تحتضن أيضاً أكبر مستشفى في مصر لعلاج الأمراض النفسية والعصبية. فالطبيعة الجغرافية للمدينة من حيث الهدوء والهواء الصحي وقربها من القاهرة دفع الخديوي عباس حلمي في عام 1905، لاختيارها لإقامة مستشفى لعلاج الأمراض النفسية على مساحة 570 فداناً وعدة منشآت أخرى يحيطها سور كبير، أطلق عليها اسم “مستعمرة الجذام” تم بناؤها عام 1933على مساحة 700 فدان، لاحتجاز ورعاية من أصابهم مرض الجذام. ووجود المستشفى ومستعمرة الجذام على أرض الخانكة لعبا دورا كبيرا في أن يربط غالبية المصريين بين لفظ الخانكة والجنون، لدرجة أن بات من الشائع إطلاق لفظ “ده خانكة” على الشخص الذي يتفوه بكلام غير منطقي أو يقوم بتصرفات غير طبيعية. وهذا الربط المغلوط بين الخانكة والجنون والتجني الواضح من قبل بعض الأعمال الفنية التي يلجأ صناعها إلى استعمال لفظ “ده خانكة” كما في فيلم “الهروب من الخانكة” الذي لعب بطولته فريد شوقي أدى إلى شعور أبناء الخانكة بالحرج في تعاملاتهم مع أبناء بقية المدن المصرية. ويشير يوسف سعيد، أحد سكان المدينة، إلى أنه عانى ذلك كثيراً عندما كان يدرس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، حيث كان زملاؤه يتهكمون على اسم الخانكة وعبثاً حاول توضيح حقيقة المدينة ومعنى الاسم لهم دون جدوى. حتى أن ذوي فتاة أراد الاقتران بها رفضوا تزويجه لأنه من سكان الخانكة. بيت المتصوفين يقول الدكتور عبدالمقصود باشا، أستاذ التاريخ والآثار الإسلامية بجامعة الأزهر، إن “الخانكة” عرفت في بادئ الأمر باسم “الخانقاة السرياقوسية” قبل أن يتم اختصار الاسم إلى “الخانقاة” وهي لفظ فارسي معناه البيت المخصص للمتصوفين والذي يجتمعون فيه وينقطعون للعبادة وبمرور الزمن حرف الاسم إلى الخانكة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©