الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
16 نوفمبر 2008 00:58
إنّها تجربته المرئية الأولى·· بخطى متعثرة دخل الضيف إلى الأستوديو ليُفاجأ بالحشود البشرية المتراصة في مقاعد محيطة بالمنصة الرئيسية· سأل نفسه إذا كان كلُّ هؤلاء قد تجشموا عناء الحضور رغبة في مشاهدته عن قرب، وحرصاً على التلقف المباشر لكل ما يتفوه به من عبر قد يُضيّعها المونتاج· رجع بالذكرى والذاكرة إلى بداياته في الصحافة المكتوبة، يوم كان يظن نفسه يغرف من بحر وينحت في صخر، لطالما تراءى له حينها أنّ الدنيا بعد خروج مقاله إلى النور ستكون غيرها قبله، لكنّ المقال أُوقف، والصحيفة أُقفلت، وظلّت الشمس للمفارقة·· تشرق· أخذ مكانه وسط القاعة الواسعة مزهواً بالحفاوة المباغتة، وسرعان ما بدأت الصورة بالظهور، مدير المسرح صرخ في المتجمهرين طالباً منهم التزام الصمت، امتثل معظمهم، لكنّ قلة أبدت بعض العناد، صعّد المدير من وتيرة لهجته متناولاً المستهدفين بالاسم، فانصاع هؤلاء مكرهين مثل تلامذة تنحصر فعاليتهم في القدرة على إثارة الشغب· ''ستاند باي·· تصفيق'' يصرخ مدير المسرح، الذي يبدو كما لو أنّ الصراخ عمله الوحيد، ضجت القاعة بأصوات الأكف المتلاطمة، ثم دخلت المقدمة وهي تداري ارتباكاً مزمناً إلى حدود وراثية، تموج في عينيها سمات الرغبة في التصديق أنّها معنية حقاً بكل ما يحصل حولها، لكنّ الصيحات المتتالية للمدير الصارخ دوماً أعادتها إلى الواقع· الكاميرا المركونة في الزواية تتحول فجأة إلى لوح بلوري مكتظ بالكلمات، قرأت المقدمة: ''نرحب بضيفنا··'' أخطأت في تهجئة الاسم، تغير لونها وهي تصغي إلى رسالة، غير ودية على الأغلب، أمدّها بها المخرج عبر السماعة الملتصقة بأذنها اليمنى، أعادت لفظ الاسم بحذر مموه· الصمت الجاثم فوق القاعة كان يوحي برهبة مثيرة للملل، تلت المقدمة سؤالاً مفاجئاً في تقليديته، لكنّ ابتسامتها الواثقة توحي أنّها أنجزت لتوها اكتشافاً سيغيّر وجه المقبل من الأيام· تنحنح الضيف وخرج صوته مختنقاً، تنبّه إلى أنّ وقتاً طويلاً قد مضى عليه وهو صامت، وأنّ نبرة مدير الصراخ انعكست على أدائه بصورة رصانة غير مألوفة، ردَّ على السؤال بملامح كاظم الغيظ، لكن المقدمة، دون أن يبدو عليها اهتمام بالتعابير الفيزيولوجية، تابعت ضخّ أسئلتها كحصان أمرئ القيس (جلمود صخر حطّه السيل من علِ)· وعبثاً سعى للحاق بها، تناهى إلى مسامعه سؤال برنة مغناجة: ''ما هي أمنيتك الآن أستاذ···؟'' سارع إلى الرد ببراءة لم يألفها في ذاته من قبل: ''أن تنتهي الحلقة''!! لحظة صمت أبدية ثمّ ضجت القاعة بتصفيقٍ حاد دون أوامر· علي العزير alazir23@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©