الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تنفذ تجربة «كفالة اليتيم عن بُعد» حرصاً على البيئة العائلية

الجزائر تنفذ تجربة «كفالة اليتيم عن بُعد» حرصاً على البيئة العائلية
14 مايو 2012
شرعت «هيئة ترقية الصحة وتطوير البحث» بالجزائر، وهي جمعية أهلية ذات طابع صحي خيري، مؤخراً بتنفيذ تجربة جديدة غير مألوفة تسمى «كفالة اليتيم عن بُعد»، وتقضي التجربة بأن يبقى اليتيم في محيطه العائلي بأن يكفله أحدُ أقاربه، مقابل الحصول على مساعدات مالية شهرية من الهيئة، ونجحت الهيئة بكفالة 6 آلاف يتيم إلى حدّ الساعة، منهم 4 آلاف يتكفل بهم الهلالُ الأحمر الإماراتي. حسين محمد (الجزائر) - ترى «هيئة ترقية الصحة» أن تجارب كفالة اليتيم السابقة في الجزائر، والقائمة على إيجاد بيوت رعاية للأيتام تضمن لهم المأوى والمأكل والمشرب، إلى جانب خدمات التعليم والصحة غير ذات فائدة، رغم أنها نجحت في انتشال آلاف الأطفال من خطر التشرد في الشوارع، إلا أنها تظل فاقدة للدفء الأسري، والشكل الطبيعي للحياة من حيث العيش في منزل يضم أماً وأباً وإخوة، مع كل ما تضمنه تلك البيئة من نمو سليم ومتوازن للأيتام. ما حدا بهيئة ترقية الصحة بوضع نظام جديد هو «كفالة الأيتام عن بعد». وسط أسري إلى ذلك، يقول رئيس «هيئة ترقية الصحة» البروفيسور مصطفى خياطي، وهو طبيب أطفال، إن تجارب الجزائر السابقة في كفالة اليتيم تحرم الأطفال من الدفء العائلي مهما حاولت المربِّيات والعاملات في دور اليتامى معاملتهم بحنان وعطف، كما أنها لا تجعلهم يشعرون بمعنى الأسرة ودورها في المجتمع، بل إن التجربة أثبتت أن معظم اليتامى الذين يتربون في هذه المراكز يشبّون ناقمين على المجتمع، وقد يتجهون إلى شتى أشكال الانحراف». انطلاقاً من ذلك، يفضل خياطي نظاماً آخر، وهو «كفالة الأيتام عن بُعد» وذلك من خلال إبقاء الطفل في وسطه الأسري، وتسليمه إلى أحد أقاربه لتربيته، حتى ولو لم تكن له علاقة قرابة مباشرة معه، وذلك «حتى يشبَّ الطفل في وسط عائلي فلا يشعر بكبير اختلاف عن أقرانه، كما يبقى مرتبطاً بأقاربه ولا يشعر بأنه دون هوية أو منبوذٌ اجتماعياً»، مؤكداً أنها تجربة مفيدة للتلاحم الاجتماعي وتفادي انحراف الطفل اليتيم، حيث تنمو قدراته الفكرية والنفسية والعاطفية بشكل طبيعي. إلى ذلك، شرعت «هيئة ترقية الصحة» بتنفيذ التجربة منذ عام 2001، عبر كفالة 4 آلاف يتيم، بالتعاون مع الهلال الأحمر الإماراتي، الذي يرسل مبالغَ مالية كل شهر تصب في بنك، ثم تحول إلى الحسابات البريدية للعائلات الكفيلة للإنفاق منها على اليتامى المكفولين، وتستفيد كل عائلة من مبلغ 3 آلاف دينار جزائري كل شهر، وهو ما من شأنه أن يضمن إضفاء شفافية كبيرة على عملية التوزيع باعتبار مال اليتيم مقدَّساً، بحسب خياطي. تواصل وتضامن منذ عام 2001 والهلال الأحمر يرسل مساعداتٍ مالية لفائدة اليتامى المكفولين عن بُعد، ما شجع «هيئة ترقية الصحة» على توسيع التجربة في عام 2009 لتشمل ألفيْ طفلٍ إضافي يتكفل بهم محسنون جزائريون. في هذا السياق، يؤكد خياطي أن التجربة نجحت، وأن هناك 10 آلاف ملف ينتظر الاستفادة منها، وهو ما يمكن أن يتحقق لاحقاً إذا وجدت الهيئة محسنين آخرين يضمنون تمويل العملية بانتظام كل شهر. ويضيف «لقد راسلنا الصندوق الوطني للزكاة بغية تمويل العملية، ونأمل أن نتلقى قريباً ردا إيجابيا، كما نبحث عن ممولين من جمعيات خيرية عربية أخرى». ويشيد خياطي بدعم الهلال الأحمر الإماراتي لعملية «كفالة اليتيم عن بُعد». ويقول «هذا الدعم يعبّر عن مدى التواصل والتضامن والتلاحم الذي لا بد أن يكون بين الأشقاء العرب. حينما يرسل الهلالُ الأحمر الإماراتي مبالغ مالية شهرية ليتامى صغار لا يعرفهم ولم يرَهم، فهذا قطعاً أمرٌ استثنائي مثير للإعجاب ويعبر عن مدى الروح الخيّرة للأشقاء». وتشترط هيئة ترقية الصحة وتطوير البحث على الكافل بأن يهتم برعاية الطفل وحسن معاملته وتنشئته بشكل جيد وغرس روح حب التعلم والبحث لديه ومتابعة مشواره الدراسي بعناية حتى يتخرَّج بشهادة جامعية أو دبلوم يؤهله للاندماج في الحياة المهنية بيُسر أو يتلقى تدريباً حِرفياً يؤهله لإقامة مشروع صغير بعد الاستفادة من قرض بنكي، ما يعني أن تجربة التكفل بالأطفال اليتامى لا تتوقف عند حدّ وصول اليتيم إلى مرحلة البلوغ ليُترك بعدها يُواجه المجهول وحده. تزايد مستمر يأمل خياطي أن تتوسع التجربة لتشمل مستقبلاً نحو 50 ألف يتيم وهذا بالنظر إلى العدد الكبير من اليتامى، موضحاً أن هناك نحو 200 ألف يتيم بحسب أرقام وزارة التضامن، وثمة أيضاً أكثر من 4 آلاف قتيل في الطرقات سنوياً بسبب تفاقم آفة حوادث المرور، ما يعني أن عدد اليتامى يتزايد باستمرار، وهؤلاء بحاجة على كفيل. ويقول «نحن نطمح إلى إقناع محسنين جزائريين عديدين بتمويل المشروع قصد توسيعه، ونرجو ألا تتأخر الاستجابة». والواقع أن كفالة اليتامى في الجزائر ليست بالأمر الجديد، فهي معروفة ومتوارثة منذ القِدم بحكم القيم الدينية والتقاليد الاجتماعية التي تحتِّم على المجتمع التكفل بأيتامه، وقد شهدت الجزائر عدة تجارب بهذا الصدد، لعل أهمَّها تقديمُ منح مالية لأبناء وبنات شهداء الثورة التحريرية (1 نوفمبر 1954- 5 يوليو 1962)، حيث خلف سقوط مليون ونصف المليون شهيد، نحو خمس ملايين ابن شهيد، وجدت الدولة الجزائرية الفتية، التي قامت فور الحصول على استقلالها من فرنسا، نفسَها مجبرة على التكفل بهم ماديا حتى يشبُّوا في كنف الكرامة والعزة إكراماً لآبائهم الذين ضحُّوا بدمائهم الزكية من أجل استقلال الجزائر بعد قرن وثلث قرن من الاحتلال الفرنسي. وإلى حدّ الساعة لا تزال بنات الشهداء يحصلن، كل ثلاثة أشهر، على منح مالية تكفل لهن العيش الكريم، بينما يستفيد أبناءُ الشهداء من امتيازات أخرى تخص الأولوية في الشغل والسكن والتقاعد المسبق. أما بالنسبة لليتامى «العاديين» الذين يفقدون آباءهم فجأة وهم في سن الطفولة ولا يجدون كفيلاً لهم، فقد فتحت السلطات عشرات المراكز والدور لاحتضانهم وانتشالهم من خطر التشرد والانحراف، فضلاً عن منح يد العون لعشرات الجمعيات الأهلية التي تُعنى بكفالة اليتامى وتفتح مراكزَ لتربيتهم، وتتكفل هذه الدورُ والمراكز بعشرات آلاف اليتامى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©