الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

أدعياء الفتوى وراء تتبع رخص العلماء

أدعياء الفتوى وراء تتبع رخص العلماء
14 مايو 2015 23:13
حسام محمد (القاهرة) شاعت في الآونة الأخيرة ظاهرة تتبع رخص العلماء، حيث يقوم المسلم بسؤال أكثر من عالم طالبا الفتوى في مسألة ما ثم يتخير من أقوال العلماء ما يشاء ويهوى دون الالتزام بمدى صحة ما قاله العالم الذي أفتى له بما تهوى نفسه، حيث ينطلق ذلك المسلم قائلاً: لقد علقت تصرفي في رقبة عالم «متخيلاً أنه بذلك تصرف وفق أحكام الشريعة الإسلامية ومع انتشار تلك الظاهرة لا بد من طرح السؤال: هل يجوز للمسلم تتبع رخص العلماء؟ مخالفة الهوى يعرف الداعية الإسلامي ووكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق الدكتور سالم عبد الجليل معنى تتبع رخص العلماء قائلاً: الأمر يعني أن يستفتي المسلم أحد العلماء في مسألة ما ويفتيه العالم بالرأي الشرعي فإذا أفتاه العالم برأي يخالف هواه يرفض العمل بتلك الفتوى ويتوجه لعالم آخر، فإذا أفتاه العالم الثاني بما يهوى ويتمنى أخذا بفتواه وإذا أفتاه بما لا يهوى توجه لثالث، وهكذا حتى يصل للعالم الذي يسمع منه ما يريد ووقتها يقول إنني استفتيت وأفتوني، وهو في الحقيقة تتبع ما أطلق عليه الفقهاء وصف «تتبع رخص العلماء»، وقد عرف الفقهاء تتبع الرخص بأنه يعني اتباع المسلم لمذهب ما في مسألة ما يكون فيها هذا المذهب أيسر له وأخف عليه من المذاهب الأخرى، فيقلدها ولا يتقيد بأي مذهب آخر ثم في مسألة أخرى يتتبع مذهب آخر لأنه وجد فيه الأيسر له وبحيث لا يسير خلف الآراء لوجاهتها أو لاحتوائها على التفنيد الكامل لمسألته، ولكنه يسير ورائها بحثاً عن الأسهل والأيسر وليس قوة الدلائل أو التورع والاحتياط، بل يكون مدار اختياره الأقوال والآراء للتخفيف واليسر والسهولة. ويضيف: وتتبع رخص العلماء يختلف عن تتبع رخص الله التي أوجدها لعباده للتخفيف عنهم وهو ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته»، فالمقصود بإتيان رخص الله تعالى هو أن يتبع المسلم الرخص التي حددها الشارع الحكيم مثل أن الله تعالى سمح للمسلم المريض أو المسافر أن يفطر في نهار رمضان ويعوض صيامه تطبيقاً لقوله تعالى: (... وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ...)، «سور البقرة: 185»، فهنا الله تعالى يؤكد على وسطية الإسلام وتيسيره على الناس، ولهذا قال تعالى: (... يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، «سورة البقرة: الآية 185»، وهكذا فلابد للمسلم أن يفرق بين إتباع رخص الله تعالى وبين تتبع رخص العلماء لهوى في نفسه حتى لا يقع في الخطأ . وسطية الإسلام ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: الإسلام دين يسر وليس دين العسر وقد جاء الإسلام بتشريعاته لحماية الإنسان من التشدد والغلو في كل أمور حياته وقد وضع الإسلام للمسلم رخص للتيسير عليه ففي مسألة الوضوء مثلاً، وهي أمر مهم لا تصح الصلاة بدونه وجعلها الله تعالى شرطاً أساسياً لصحة الصلاة، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور ورغم ذلك، فإن الإسلام أوجد التيمم وشرعه إذا ما صعب على الإنسان الحصول على الماء أو تعذر عليه استخدام الماء في الوضوء كأن يكون مريضاً، فأباح له التيمم ، وهذا المثال يؤكد السماحة التي تميز بها الإسلام عن سائر الشرائع الأخرى التي شقت على الناس، ولكن ليس معنى أن الله تعالى أوجد رخصاً للتيسير على الناس أن يسعى المسلم البسيط للبحث عن الرخص في حالة عدم وجودها في القرآن والسنة النبوية عن طريق البحث بين فتاوى واجتهادات العلماء الموجودين على الساحة دون النظر إلى حقيقة من يفتيه هل هو عالم موثوق في علمه يتبع الأدلة والبراهين الشرعية، وهو يفتيه أم أنه ليس بعالم، وإنما هو يفتي بغير علم، فقد اتفق الفقهاء على أن العامي عندما تواجهه مسألة يريد معرفة رأي الشرع فيها عليه أن يلجأ للعالم الذي يثق في علمه وفي دينه. وحول خطورة تتبع رخص العلماء يقول د. عثمان: لا بد أن نعي أن البحث عن التسهيل في الأحكام الفقهية دون النظر لصحة الحكم الفقهي يؤدي إلى تفريط الناس في الكثير من أحكام الدين الصحيحة ولا بد أن يعي كل من يتصدى للفتوى أنه إذا كان الناس يحبون من ييسر لهم حتى لو دون سند شرعي معتبر فإن التساهل في إطلاق الأحكام الشرعية سيخلق لدينا أجيالاً تفرط في الدين وأجيالاً أخرى تتشدد فيه . العلاج وعن كيفية مواجهة تلك المشكلة وتبصير عامة المسلمين بها، يقول الدكتور محمد كمال إمام رئيس قسم الشريعة بجامعة الإسكندرية عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: قال الإمام ابن حزم في شأن تتبع الرخص: «هناك قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة في قول كل عالم، غير طالبين ما أوجبه النص عن الله»، لهذا ونحن نسعى لمواجهة تلك الظاهرة علينا بداية أن نضع خطة دعوية نستخدم خلالها منابر المساجد ووسائل الإعلام المختلفة نؤكد من خلالها للمسلم البسيط أن عليه أن يتوجه بمسألته للعالم الذي يثق في دينه وعلمه، فإذا وجد أكثر من عالم بهذه الصفات فليسأل أحدهم فإذا وجد عالم أخر لديه رأي مخالف فعليه أن يتعرف على دليل قول كل عالم منهما، فإذا كان لا يستطيع دراسة دليل كل عالم من العالمين عليه أن يتبع رأي العالم الأكثر ديناً وعلماً حتى لو كان رأي هذا العالم لا يوافق هوى المستفتي وفي هذا يقول ابن عبد البر في كتابه القيم «جامع بيان العلم وفضله»: «والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول منها، وذلك لا يُعدم، فإن استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة». وسائل الإعلام ويقول: ينبغي على وسائل الإعلام ألا تستضيف من يفتي للناس في مسائلهم الفقهية إلا إذا كان عالم دين صاحب علم غزير وعلى كل من يتصدى للفتوى أن يتقي الله في الإسلام والمسلمين، فالعالم الذي يتصدى للفتوى يجب أن تتوافر فيه شروط عديدة أهمها أن يكون متهيباً للإفتاء لا يتجرأ عليه إلا حيث يكون الحكم جليا في الكتاب أو السنة أو يكون مجمعا عليه، أما فيما عدا ذلك مما تعارضت فيه الأقوال والوجوه وخفي حكمه، فعليه أن يتثبت ويتريث حتى يتضح له وجه الجواب، فإن لم يتضح له توقف أما الإفتاء بغير علم فهو حرام ومن الكبائر، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس . العبادة المفروضة ويضيف: لا بد أن نتذكر جميعاً أن علماء السلف كانوا إذا سئل أحدهم عما لا يعلم يقول للسائل: لا أدري، وينبغي للمفتي أن يستعمل ذلك في موضعه ويعود نفسه عليه، ثم يجب عليه أن يعلم يقينا أنه إذا فعل المستفتي بناء على الفتوى أمراً محرماً أو أدى العبادة المفروضة على وجه فاسد، حمل المفتي بغير علم إثمه، إن لم يكن المستفتي قصر في البحث عمن هو أهل للفتيا، وإلا فالإثم عليهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أُفتي بغير علم، كان إثمه على من أفتاه»، ومن هنا فلا مجال للمستفتي للتعلق بمقولة: «علقّها في رقبة عالم» التي شاعت وراجت بين العامة فيظن المستفتي أنه قد نجا بسؤاله للمفتي وتحليل الأخير أو تحريمه للمسألة. وقد ذهب عامة العلماء إلى أنه ليس للمفتي تتبع رخص المذاهب، بأن يبحث عن الأسهل من القولين أو الوجهين ويفتي به، ذلك أن الراجح في نظر المفتي هو في ظنه حكم اللّه تعالى، فتركه والأخذ بغيره لمجرد اليسر والسهولة استهانة بالدين، شبيه بالانسلاخ منه، ولأنه شبيه برفع التكليف بالكلية إذ الأصل أن في التكليف نوعاً من المشقة، فإن أخذ في كل مسألة بالأخف لمجرد كونه أخف، فإنه ما شاء أن يسقط تكليفاً من غير ما فيه إجماع إلا أسقطه، وإن أفتى كل واحد بما يشتهي انخرم قانون السياسة الشرعية، الذي يقوم على العدالة والتسوية، وهذا يؤدي إلى الفوضى والمظالم وتضييع الحقوق بين الناس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©