الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

«أضواء على رحلة الإسراء والمعراج»

«أضواء على رحلة الإسراء والمعراج»
14 مايو 2015 23:15
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، «سورة الإسراء، الآية 1». جاء في كتاب مختصر تفسير ابن كثير للصابوني في تفسير الآية السابقة: «يُمَجِّد تعالى نفسه، ويعظم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحدٌ سواه، فلا إلهَ غيره ولا ربَّ سواه، (الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) يعني محمداً- صلى الله عليه وسلم- (لَيْلاً): أي في جنح الليل، {(مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ): وهو مسجد مكة (إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)، وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل- عليه السلام-، ولهذا جُمعوا له هناك كلهم فأمّهم في محلتهم ودارهم، فَدَلَّ على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وقوله تعالى ‏(‏الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ‏)‏‏:‏ أي في الزروع والثمار، ‏(‏لِنُرِيَهُ)‏‏:‏ أي محمداً ‏(‏مِنْ آيَاتِنَا)‏‏:‏ أي العظام، كما قال تعالى‏:‏ (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)‏، ‏(‏إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)‏ أي السميع لأقوال عباده البصير بهم، فيعطي كلاً منهم ما يستحقه في الدنيا والآخرة‏)، «مختصر تفسير ابن كثير للصابوني 2/354». قضية إيمان إن حادثة الإسراء والمعراج قضية إيمان لا مجال لتحكيم العقل فيها للتصديق أو عدم التصديق، لأن الحادثة معجزة من المعجزات، والمعجزة، كما عرفها العلماء أمرٌ خارق للعادة يجريه الله- سبحانه وتعالى- على يد نبي لتصديق بلاغه عن الله ، فالمعجزة إذاً لا يمكن الإتيان بمثلها في واقع الناس، وإلاَّ لمَا سُمِّيت بهذا الاسم الذي يعني عجز الناس بالكامل عن الإتيان بمثلها. تخليد لقد سُميِّت السورة الكريمة بسورة الإسراء تخليداً لتلك المعجزة الباهرة التي أكرم الله بها سيّدنا محمداً- صلى الله عليه وسلم-، حيث خصَّه الله- سبحانه وتعالى- بالإسراء والمعراج دون سائر الأنبياء، ليطلعه على ملكوت السموات والأرض ويريه من آياته الكبرى، فقد أيّد الله سبحانه وتعالى رسولنا محمداً - عليه الصلاة والسلام- بمعجزات كثيرة، وكان من هذه المعجزات «معجزة الإسراء»، وهي انتقاله ليلاً من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس، ثم العروج به إلى السموات العلى، حيث رأى من آيات ربه الكبرى: «ما زاغ البصر وما طغى»، وكانت معجزة الإسراء والمعراج مظهراً من مظاهر التكريم الربانيّ لرسولنا - عليه الصلاة والسلام-. إن معجزات نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - ثابتة بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة، وقد بلغت حدَّ التواتر، فالإيمان بها لازم والتصديق بها واجب، فلا مجال لإنكارها أو الشك فيها بأيّ حال من الأحوال، وليس نبينا محمد- صلى الله عليه وآله وسلم - بدعاً من الرسل، فقد ثبتت لغيره من الرسل معجزات عديدة، ولمّا كان هو آخرهم وأفضلهم، فقد اختصَّه الله- سبحانه وتعالى- بخصائص لم يَنَلْها أحدٌ سواه. معجزة المعراج من المعلوم أن الإسراء كان انتقاله- صلى الله عليه وسلم- ليلاً من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس راكباً على ظهر دابة تُسمى البراق، ومعه ملك الوحي جبريل- عليه السلام-، أما المعراج فكان صعوده- صلى الله عليه وسلم- من المسجد الأقصى المبارك إلى السماوات العلا، يرافقه سيدنا جبريل- عليه السلام-، ثم إلى سدرة المنتهى حيث لا يعلم مدى ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، فقد وصل إلى مقامٍ لم يبلغه أحدٌ سواه، حتى وصل- عليه الصلاة والسلام- إلى مرحلة كان فيها وحيداً دون جبريل أمين وحي السماء- عليه السلام-، فنظر- عليه الصلاة والسلام- فلم يجد جبريل- عليه السلام-، فقال: أفي هذا المكان يترك الحبيب حبيبه؟! فقال جبريل- عليه السلام- للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم-: «أنتَ إِنْ تَقَدَّمْتَ اخْتَرَقْتَ، وأنا إِنْ تَقَدَّمْتُ احترقْتُ». إنَّ حادثة المعراج ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-، فالآيات الأولى من سورة النَّجم تبيِّن ذلك، كما ورد ذكر المعراج في الصحيحين. لقد أيَّد الله سبحانه وتعالى نبيَّنا محمداً - عليه الصلاة والسلام- بالمعجزات، فشقَّ له القمر، وأَسَالَ الماءَ من بين أصابعه الشريفة، وأَلاَنَ له الحجر، وَحَنَّ إليه جذع النخلة، إلى غير ذلك من المعجزات الكثيرة التي ثبتت بالأحاديث الصحيحة، كما أكرمه بمعجزة الإسراء والمعراج، حيث أراه في تلك الليلة بعض آياته الكبرى، وأوحى إليه ما أوحى. مشاهد عظيمة لقد رأى- صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج مشاهد من أهل الجنَّة ومشاهد أخرى من أهل النّار، للترغيب في عمل الخير، والتحذير من عمل الشّر، فمن المشاهد التي شاهدها - صلى الله عليه وسلم-: * (... وَمَرَّ بِقَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ، قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ تَثَّاقَلُ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلاةِ»، (أخرجه الطبراني)، فالصلاة عماد الدين كما قال - صلى الله عليه وسلم-: «رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ»، (?أخرجه أحمد)?، ?وهي ?أول ?ما ?يحاسب ?عليه ?العبد ?يوم ?القيامة، ?كما ?قال- ?صلى ?الله ?عليه ?وسلم-: «?إِنَّ? ?أَوَّلَ? ?مَا? ?يُحَاسَبُ? ?بِهِ? ?الْعَبْدُ? ?يَوْمَ الْقِيَامَةِ? ?مِنْ? ?عَمَلِهِ? ?صَلاتُهُ،? ?فَإِنْ? ?صَلُحَتْ? ?فَقَدْ? ?أَفْلَحَ? ?وَأَنْجَحَ،? ?وَإِنْ? ?فَسَدَتْ? ?فَقَدْ? ?خَابَ? ?وَخَسِرَ»، (?أخرجه الترمذي)?، ?وهي ?آخر ?وصيّة ?وصّى ?بها ?رسول ?الله- صلى ?الله ?عليه ?وسلم- ?أمته ?عند ?مفارقته ?الدنيا: «?الصَّلاَةَ ?وَمَا ?مَلَكَتْ ?أَيْمَانُكُمْ»، (?أخرجه ابن ماجة)?. * «مَرَّ بِقَوْمٍ يَزْرَعُونَ وَيَحْصُدُونَ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، قَالَ جِبْرِيلُ: هَؤُلاءِ الْمُجَاهِدُونَ»، (أخرجه الطبراني). لقد بيَّن الفقه الإسلامي أنَّ الشهيد أرفع النّاس درجة بعد الأنبياء والصديقين، كما جاء في الحديث: «أنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى الصَّلاةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي، فَقَالَ حِينَ انْتَهَى إِلَى الصَّفِّ:‏? ?اللَّهُمَّ ?آتِنِي ?أَفْضَلَ ?مَا ?تُؤْتِي ?عِبَادَكَ ?الصَّالِحِينَ، ?فَلَمَّا ?قَضَى ?النَّبِيُّ ?- صَلَّى ?اللَّهُ ?عَلَيْهِ ?وَسَلَّمَ - ?الصَّلاةَ، ?قَالَ: ?مَنِ ?الْمُتَكَلِّمُ ?آنِفاً?؟ ?قَالَ?: ?أَنَا ?يَا ?رَسُولَ ?اللَّهِ، ?قَالَ?: ?إِذاً ?يُعْقَرُ ?جَوَادُكَ، ?وَتُسْتَشْهَدُ ?فِي ?سَبِيلِ ?اللَّهِ»، (?أخرجه الحاكم)?. * «وَمَرَّ بِقَوْمٍ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَالأَنْعَامِ، قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ لا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ»، (أخرجه الطبراني). الزكاة يؤدِّيها المسلم امتثالاً لأمر الله تعالى، وطلباً لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفاً من عقابه، ومواساة لإخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين ?. هذه بعض المشاهد التي رآها الحبيب- صلى الله عليه وسلم- في رحلته الميمونة، فيها العِبَر والعظات لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، وفيها بيان لقدرة الله- سبحانه وتعالى- الذي لا يُعْجزه شيء في الأرض ولا في السماء. فعلينا أن نعود إلى ديننا مصدر عزتنا وكرامتنا، وعلينا أن نعتمد على ربنا، فلا نتوكل إلاَّ عليه، ولا نستعين إلاَّ به، وعلينا أن نغتنم هذه المناسبة الطيبة لنبدأ بالتوبة الصادقة، والإقلاع عن المعاصي، والندم على ما فات، وعقد العزم على عدم العودة، وردّ الحقوق لأصحابها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©