الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الترحال

29 يناير 2006

عرفت البشرية الرحلة باعتبارها فعلاً انسانياً، وهي الفعل الذي تواتر على الاتيان به أعلام لا تزال آثار خطاها باقية إلى يومنا هذا، وعابرة كل الحواجز العرقية والدينية لتصل إلى أعماق النفس البشرية، فتصور حاجاتها في اطار ما يحيط بها من تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية·
ولقد شهد التاريخ أنواعاً من الترحال الذي كان لأغراض متنوعة، فمن الترحال ما كان بغرض هجرة جماعية من منطقة نائية إلى أخرى مأهولة بالسكان، وهذا ما كان من شعوب شبه الجزيرة العربية وشعوب الأورال وشعب النافاهو··· إلخ، كلها شعوب دفعت بها قسوة الصحراء ولهيب رمالها، أو برد الشتاء وجليده إلى هجرات كتلك·
ومن الرحلات ما كان بغرض الاحتياز، سواء كان احتياز مال او ذهب أو شهرة أو علم، ومن الرحلات ما كان غرضه للدعوة إلى دين أو قضية، أو ما كان غرضه استكشافياً بدعم أو أمر حكومي، وتعد الرحلات التي سيرتها الملكة الفرعونية (حتشبسوت) من أولى رحلات هذا النوع·
إلا أن الترحال الذي يجله المرء هو ما كان لغرض عميق ونبيل، ولقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة متضافرة، ترتقي بأهداف الترحال، ومن ذلك قوله - جل وعلا:- 'قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الكافرين'، وأيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم: - 'اطلبوا العلم ولو في الصين'، ولقد كان الترحال هو الوسيلة الأولًى لتحصيل العلم لدى أئمتنا العظام أمثال البخاري والشافعي وغيرهما·
فالترحال درب يقود إلى ما ينفع المرء ويصلح شأنه، وفي هذا المقام تهب نسائم ذكرى ابن بطوطة وابن حوقل وأحمد بن ماجد وغيرهم ممن ذاع صيتهم في تاريخ الرحلات، فإذا بهذه النسائم تدفع بأناس أولي عزم وشدة، فيخوضون دروباً وعرة، إثباتاً للعالم أن ما أنعم به عليهم الله في الصغر حفظ لهم أبداناً وعزائم في كبرهم تهون وتصغر أمامها ما يملكه الشباب، ولقد قدر لي أن التقي بأحدهم في أحد مهرجانات التوعية التي أقيمت بأبوظبي إنه قاهر جبل حفيت الرحالة الأردني (أحمد مفلح)، الذي اجتاز الستين من عمره، إلا أن الله قد أنعم عليه بصحة مكنته من أن يقطع بدراجته الهوائية أميالاً وأميالاً، وهو يريد بذلك أن يكون مثالاً للعزيمة ورمزاً للأخوة وعمل الخير للجميع·
إنها الرحلة التي نستمتع بقراءة ما كتب فيها، وتطرب آذاننا لسماع حكايا أبطالها، وتهفو قلوبنا إلى القيام باحداها، فننطلق من أزقة هموم الحياة المادية إلى سعة التأمل في الطبيعة والتعرف على ثقافات شعوب الأرض، مما يعمق نظرة كل منا إلى حقيقة نشترك فيها جميعاً، ألا وهي الإنسانية، ويتذكر كل منا قوله - تعالى: - يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرى وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم'·
أحمد منصور الشحات - أبوظبي
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©