الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنين وبحر الظلمات

17 مايو 2011 20:49
بعد ليلة قضيتها في ذلك النزل المخيف، الذي يقع في منطقة زراعية نائية في مكان ما من مقاطعة ويلز البريطانية، أكملت رحلتي في الصباح التالي إلى كارديف، المدينة التي تحمل سمات القرية. في الطريق، أصر رفقاء السفر على تناول طعام الغذاء في مقهى شعبي يقع في قرية مبانيها حجرية متواضعة، يقدمون فيه لحم الضأن متبلًا بالأعشاب بطريقة تقليدية شهية، أغرتني باكتشاف أعماق ثقافة شعب «الولش» . كما يتفاخرون ويسمون أنفسهم، قبل أن نتوقف قريباً من قلعة كارديف الشهيرة التي تتخذ موقعاً قريباً من الخليج الرائع الذي يتوغل في اليابسة مشكلًا منظراً بديعاً يغريك بالتوقف قليلًا، لتأمله وربما السباحة في الخيال الذي تضفيه عليك تفاصيل المكان. أغرتني القلعة بالاستكشاف، فقد تملّكها أمير عربي في عصر من العصور البائدة، وترك بصماته على تفاصيلها الداخلية، وعلى النقوش الإسلامية في جدرانها التي تعود إلى القرون الوسطى حاملة سمات مختلفة من عدة قرون لاحقة، لتشكل شاهداً على تمازج عبقري لثقافات وحضارات مختلفة تعكس العولمة في صورتها المبدئية منذ عهد بعيد. تركت رفقاء السفر، فقد وصلنا إلى مفترق الطرق، ولم يعد لي حاجة إلى رفقتهم فطريقهم مختلف عن طريقي واهتماماتهم مختلفة أيضاً.. فأمامك سفر طويل، وبحث عن مرافيء بعيدة ومدن عجيبة وعن مغامرات تعيد لك ذاتاً تائهة هائمة في فضاء مفتوح لا تحده حدود. تهيم في شوارع المدينة، وتتوقف لتتناول الطعام في مقاهيها قبل التوجه إلى مينائها، بحثاً عن وسيلة تقلك إلى مكان آخر، بل تخرجك من هذه الجزيرة المحدودة التي يحاصرها الماء، لديك أهداف لعبور المحيط، لكنك لا تضع خططاً مسبقة لأنك تؤمن بأن ارتحالك يجب أن يبقى ارتجالياً، وكما يتفق أو يتدبر، ولأنك تؤمن بأنك مجرد عابر سبيل في هذه الحياة. وصلت إلى الميناء، لكن لابد من الانتظار طويلًا حتى موعد الباخرة التي ستقلك إلى مكان جديد، ربما لتجوب بك العالم وتختصر عليك الزمان والمشقة، وربما تصل بك إلى أجزاء أخرى من اليابسة تعيدك إلى القارة العجوز إلى البرتغال أو إسبانيا التي تستعيد فيها ذكرى أمجاد العرب الغابرة في الأندلس وطليطلة وقرطبة وربما تعبر بك المحيط الأطلسي أو بحر الظلمات، كما كان يسميه العرب في عصورهم الزاهرة. يبدو أنه لابد من قضاء ليلة أخرى في هذه المدينة، فقد طال انتظار الباخرة التي لن تقلع هذه الليلة، تركت الميناء بحثاً عن نزل قريب وقبل أن أغادر وقع بصري على علم ويلز الذي يحمل شعار التنين الأحمر مرفرفاً فوق مبنى الميناء، فتطلعت إلى السماء متسائلًا: لابد أن هناك أصلاً لأسطورة التنين..! rahaluae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©