السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

للمرة الأولى··· أتاتورك من منظور سينمائي

للمرة الأولى··· أتاتورك من منظور سينمائي
16 نوفمبر 2008 03:10
ها هو مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة وقد بدأ يبتسم أخيراً بعد مضي ما يقارب القرن على صرامة وجهه وتجهمه· وربما يعتبر هذا القائد التركي الذي تحول من بطل من أبطال الحرب إلى رئيس دولة -بسبب دفاعه عن وحدة التراب التركي إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية- موضوعاً لأطول طقوس لـ''عبادة الفرد'' في التاريخ الحديث· فصورته الشخصية لا يخلـــو منها مقهى أو متجر أو فصل دراسي واحد على امتداد تركيا كلها· وتعد محاولة إخماد ذكراه جريمة يعاقب عليهــــا القانون التركي· وفي كل عاشر يـــوم من شهـــر نوفمبر يقف الأتراك دقيقة حداد واحدة تخليداً لذكراه منذ رحيله في عام 1938 وإلى اليوم· ولكن ربما تخفف عدسة الكاميرا السينمائية من وطأة هذه الصـــورة الرمزية الرسمية البالغة الصرامة لأتاتورك· ففي شهر أكتوبر المنصرم أطلق أول فيلم توثيقــــي عن أتاتورك، تناول الجانب الإنساني الشخصي منه· وربما لا يكون الأثر الذي يحدثه الفيلم كبيراً جداً، إلا أن الفيلم الذي حمل عنوان ''مصطفى'' يعد خطوة جريئة في دولة طالما ظل فيها التاريخ الرسمي هامداً في مخابئـــه الأمينــــة المحكمـــة الإغلاق دائماً · وتحت كل الأحوال لا يمكن وصف الفيلم بأنه محاولة للنيل من شخصية أتاتورك، لأنه صادر عن تعاطف كبير معه· ولكن مجرد قدرة مخرجه ''كان دندر'' على تصوير هذا الرمز الوطني من منظور يقارب شخصيته الإنسانية، بعيداً عن نمط التمثال البرونزي الذي انطبع في الذاكرة الشعبية عنه، بما في هذه المعالجة إظهار أتاتورك بصورة الرجل المخمور الذي يبدي ملله من الأشياء من حوله في بعض الأحيان، تكفي وحدها للكشف عن الكثير من التحولات التي مر بها المجتمع التركي خلال السنوات العشر الماضية· كتب الصحفي ''محمد علي بيراند'' واصفاً الفيلم في مقال نشره بصحيفة ''بوستا'' اليومية قائلاً: لقد فتح الفيلم أمامنا أبواب ذلك القفص العاجي الذي حبسنا أنفسنا فيه· يذكر أن تركيا كانت دولة أحادية اللون لحظة إنشائها في عام ،1923 بسبب عزم القيادة المؤسسة وصراعها من أجل تشكيل هوية وطنية موحدة لجميع الأتراك· لكن وتبعاً لتنامي الثروات والممارسة الديمقراطية، تنامت كذلك الجهود الرامية إلى إعادة تقييم الماضي، بما فيها إمعان النظر في الاختلافــــات العرقيـــة والدينية بين الأتراك· وقد بدأ المثقفون من أمثال ''كان دندر'' بإثارة التساؤلات عن التاريخ الرسمي، فاتحين بذلك نافذة للحوار القاسي والمؤلم حول قضايا لفها الصمت والنسيان عبر الحقب والسنين· ومع أن أتاتورك -وهي تسمية يشير معناها التركي إلى أب الأتراك- يعد من أبرز شخصيات القرن العشرين، إلا إنه ظل غير معروف بما يكفي في الغرب· والسبب هو إضفاء الطابع القدسي على شخصيته، ما جعل من تناول سيرته الذاتية كما هي أمراً في غاية الصعوبة والإثارة للحساسية السياسية الوطنية· وللسبب عينه أخفقت محاولات سابقة لمعالجـــة شخصية أتاتورك سينمائياً· جاء في مقال نشر في صحيفة The Turkish Daily News العام الماضي تحت عنوان ''قصة فيلم عن أتاتورك عمره 56 عاماً'' شارك في كتابته ثلاثة صحفيين هم أنتونيو بانديراس وكيفن كوستنر ويول براينر، أن الممثلين المفترضين في الفيلم تقدمت بهم السن وشابوا وهم في انتظار لحظة البدء في تصوير فيلمهم الذي لم تكتب له البداية مطلقاً· وجاء في تفسير العقبات التي اعترضت الفيلم قول الصحيفة: لم يرد الأتراك مطلقاً لقائدهم وأبيهم الروحي أن يصور في أي حالة من حالات الضعف الإنساني· ويعد هذا التمنع عن النظر إلى أتاتورك من منظور إنساني عادي، أحد أكبر العقبات التي تعترض طريق تركيا الحديثة· يقصد بهذا أن لتركيا إرثاً طويلاً وحافلاً بالإنكار والتنصل من حقائق الماضي· وعلى حد رأي المثقفين الأتراك، فلن يكون في وسع تركيا المضي قدماً نحو المستقبل، ما لم تتمكن من مواجهة ذلك الماضي بشجاعة والاعتراف به· من بين هؤلاء كتب ''أحمد ألتان'' -وهو من أبرز المثقفين الأتراك وكاتب عمود للرأي في صحيفة ''تاراف'' الليبرالية اليومية- قائلاً: كثيراً ما يستغل اسم أتاتورك درعاً واقية يحتمي بها أولئك الذين ثابروا على إغلاق منافذ الحوار حول الكثير من التشوهات التي مر بها تطور تركيا الحديثة· وقد دأب هؤلاء على إضفاء طابع إلهي قدسي على أتاتورك ليحتموا هم من خلفه· فمثلاً كان أتاتورك شديد التمسك والولع بنمط الحياة والعادات والتقاليد الغربية المتحررة، على نقيض نمط الحياة الإسلامي المحافظ لشعبه· وكان قد أراد لمواطنيه أن يعيشوا حياتهم بذات الإنطلاق والتحرر اللذين تتسم بهما حياة الغربيين· وضمــــن ذلــــك قــــال مخرج الفيلم ''دندر'' -الذي تمكن من الاطلاع على مذكرات أتاتورك اليومية ومراسلاته التي ظلت مغلقة بأرشيفات الجيش لعدة عقود- إن أتاتورك كان قد سبق له أن حضر حفلاً ليلياً بأحد منتجعات كارلاسباد التشيكية، بحضور زوجته وأحد الدبلوماسيين الأتراك· فعلقت زوجته على ما شاهدته من موسيقى وطرب ورقص بقولها إنها لا يمكن لها أن تتخيل إقامة حفل كهذا في بلدها تركيا· فرد عليها أتاتورك في إحدى رسائله بالقول: لن يكون الأمر صعباً البتة· وفيما لو أوتيت السلطة فسوف أحقق ذلك بين ليلة وضحاها· وعلق مخرج الفيلم على كل ذلك بقوله: وكانت تلك هي السرعة التي أحدث بها أتاتورك تغييره لمجمل نمط الحياة التركية! سابرينا تافيرنس- اسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©