السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عظماء خانتهم أجسادهم

عظماء خانتهم أجسادهم
17 نوفمبر 2008 01:19
هذه قصص لكوكبة من مشاهير المبدعين الذين خالفوا مقولة (العقل السليم في الجسم السليم)، وهم الذين تمكنوا من التحليق في أفكارهم وإبداعاتهم انطلاقاً من أجساد هزيلة أو إعاقات عضوية حتى ذاع صيتهم وانتشرت أخبارهم في كل مكان· وعندما يذكر العلماء المقعدون، يكون على رأسهم العالم الإنجليزي الكبير ستيفن هوكينج الذي أثبت تفوقاً كبيراً في وضع النظريات المتعلقة بتفسير نشأة الكون· وكان أول من ناقش في بحوثه المعمقة قضية جريئة تتعلق بتفسير وشرح طبيعة الزمن وما إذا كانت له بداية ونهاية· وعندما لاحظ أهمية محاضراته وبحوثه، قرر لملمتها في كتاب شهير صدر عام 1993 تحت عنوان (الثقوب السوداء والأكوان الوليدة وقضايا أخرى)· ولد ستيفن وليام هوكينج بمدينة أوكسفورد الإنجليزية في 8 يناير من عام ،1942 وتصادف مولده مع مناسبة مرور 300 سنة على وفاة العالم والفنان الإيطالي الشهير جاليليو جاليلي· وبعد استكمال دراسته الابتدائية، التحق بالكلية الجامعية (يونيفيرسيتي كوليج) في أوكسفورد· وكان ميّالاً لدراسة الرياضيات إلا أنه تخصص بالفيزياء لأن الكلية لم تكن تدرس هذه المادة· وبعد ثلاث سنوات تخرج منها بمرتبة الشرف الأولى· وانتقل ستيفن بعد ذلك إلى كمبريدج لإنجاز بحوث في علم الكون، حيث لم يسبقه أحد للخوض في مثل هذه البحوث الشائكة في ذلك الوقت· وحصل من بحوثه على شهادة دكتوراه الفلسفة في علم الكون ليكون بذلك أول من يفوز بهذه الشهادة من جامعة كمبريدج· وانصرف هوكينج بعد ذلك إلى العمل في استنباط القوانين الأساسية التي تحكم الظواهر الكونية· ومن أشهر النظريات التي طلع بها مع زميل له يدعى روجير بينروز هي التي تشير إلى استنتاج يفيد بأن النظرية النسبية العامة لآينشتاين التي شرح فيها العلاقة المعقدة بين الزمن والفراغ، تعني أن للزمن بداية ترافقت مع لحظة حدوث الانفجار الكوني الأعظم Big Bang، وهو ينتهي في الثقوب السوداء· وأثبتت هذه النتائج التي توصل إليها ستيفن بأن من الضروري توحيد نظرية النسبية العامة ونظرية الكمّ التي تعد ثاني أهم نظريات القرن العشرين بعد النسبية· وليس البحث في بداية ونهاية الكون والزمن هو الإنجاز الوحيد لهوكينج، بل توصل إلى العديد من النظريات المتعلقة بعلم الفيزياء الفلكية وخاصة منها نظرياته حول الطبيعة الفيزيائية للثقوب السوداء التي وضع لها مفهوماً يختلف عن ذلك الذي كان يسود أوساط علم الفلك· وفيما كان واضعو نظرية الثقوب السوداء يعتقدون أنها تشكل القطاعات الفضائية الضيقة ذات قوة الجاذبية التي لا نهاية لها، وبحيث لا يمكن حتى للضوء الانفلات منها، أشار هوكينج إلى أن (الثقوب السوداء ليست تامة السواد)، وهي تشع الضوء، وتكون قابلة للتبخر والاختفاء· وقال أيضاً إن الكون لا حدود له ولا حواف· وفيما كان هوكينج في فترة قمة عطائه العلمي أصيب بمرض عصبي خطير يدمر بعض الخلايا العصبية للدماغ والحبل الشوكي ويعرف بالرمز ALS · وأصيب بسببه بشلل كامل جعله عاجزاً عن تحريك أطرافه ورأسه إلا أن هذه الإعاقة المؤلمة لم تمنعه من مواصلة العمل بنظرياته وطروحاته الرائدة· نيتشه الهزيل مبتدع الـ(سوبرمان) ظهرت في القرن التاسع عشر في ألمانيا كوكبة من المفكرين الكبار في الفلسفة والموسيقى والفن التشكيلي اجتمعوا على فكرة إحياء مجد ألمانيا وإعادة الاعتبار للجنس الآري المتفوق· كان من أشهرهم ليبنيتز وكانت وهيردر وهمبولدت وليسينج وغوته وتريتشكه وشيلر وباخ وبيتهوفن، وهم الذين أسهموا إسهاماً فريداً في تشكيل أسس النهضة الفكرية الحديثة في الدول الغربية· وكانت جامعة برلين مسرحاً لنشاط محموم قاده فلاسفة كبار من أمثال فيخته وهيجل اللذين ناقشا بتعمق لا نظير له أسباب انحسار أمجاد ألمانيا· وكان جوهان فيخته أول من أطلق من وراء أسوار جامعة برلين صرخة إيقاظ الشعب الألماني بعد هزيمته على يدي نابليون في معركة (يينا)· وراح يهاجم الشعوب اللاتينية ليخلص من ذلك إلى فكرته العنصرية التي تفيد بأن الألمان وحدهم هم الذين يمتلكون طاقة التغيير والارتقاء· وبعد وفاة فيخته عام ،1814 جاء دور ولهلم هيجل الذي رأى أن الدولة هي التنظيم البشري الأسمى ودعا إلى فكرة تمجيد الحرب لأنها آلة التطور، والحرب في نظره هي المظهر الأسمى لنشاط الطبيعة، وليس السلام إلا صفحة فارغة خطيرة من كتاب التاريخ· ثم جاء دور فريدريك نيتشه الذي ولد عام 1844 وراح منذ صباه يراجع طروحات فيخته وهيجل ليتهمهما بأنهما ليسا إلا مدلّسين لم يتمكنا من فهم القضية الحقيقية للشعب الألماني وآثر التحليق في عنصريته الآرية إلى آفاق أعلى وأكثر إغراقاً في تطرفها· ويعرف عن نيتشه أنه المؤسس الأول لنظرية القوة التي ووجهت بنقد عنيف من الفلاسفة والمفكرين الذين رأوا أنها ليست إلا نتاجاً طبيعياً لعقدة الشعور بالضعف والهزال الجسدي التي ورثها من جراء إصابته المستحكمة بمرض الزهري في مستهل مرحلة الشباب· وكان الضعف الجسدي لنيتشه ذا نتائج مفجعة على العالم· فلقد دفعه إلى إعمال خياله الشخصي لابتداع (الرجل الخارق) الذي أطلق عليه اسم (السوبرمان)، وتنبأ بظهوره كنتيجة طبيعية لارتقاء الجنس الآري المختار· وقال في كتابه (العزم على السلطان): ''هناك شعب سيد وجريء يمضي في طريق النشوء والتكوّن، ومن واجبنا إفساح الطريق أمامه حتى يتحول إلى مجتمع كامل من الرجال الموهوبين، وسوف يتحول هذا الشعب إلى طبقة نقية تحكم العالم''· ولم يتوقف نيتشه أبداً عن دعوة الألمان إلى التبشير بولادة السوبرمان حتى قال في كتابه الغامض (هكذا تكلم زرادشت) مخاطباً الألمان: ''إحلموا بالسوبرمان تجدونه في أنسالكم''· واستوعب الألمان الأفكار الفلسفية التي تفجرت في عقول مفكريهم في القرن التاسع عشر وخاصة منهم نيتشه، واعتنقها هتلر بحماسة محمومة من النوع الذي نقع عليه عند المبتدئين في كل شيء· إلا أن الأخطر من كل ذلك أنه قرر وضعها موضع التنفيذ عندما أصبح زعيماً للرايخ الثالث في عشرينيات القرن العشرين وهي التي بنى عليها الأساس الاستراتيجي لتفجير الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939 واستمرت حتى عام ·1945 وكان هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى تأثر هتلر الشديد بنيتشه؛ ومن ذلك مثلاً استخدامه لتعبير (سادة العالم) في مواضع كثيرة من كتابه الشهير (كفاحي) حتى أن الكثير من أعداء النازية يعتقدون أن هتلر اعتبر نفسه (الإنسان الخارق) الذي تنبأ نيتشه بظهوره في الشعب الألماني· وتوفي نيتشه عام 1900 عن حياة فكرية صاخبة ميزها الجنوح للقوة والعنفوان ولكنها نبعت من جسم أصابه الهزال والوهن والضعف· بيتهوفن ·· الموسيقار الأطرش عندما يذكر الموسيقيون الكلاسيكيون، لا بد أن يكون لودفيج فان بيتهوفن على رأسهم· وبيتهوفن ألماني من مواليد مدينة بون في 16 ديسمبر من عام ·1770 اشتهر كعازف متميز للبيانو وكمؤلف وموزّع للسمفونيات الموسيقية الخالدة التي كان من أشهرها السمفونية التاسعة· غادر بون منذ بداية مرحلة شبابه قاصداً فيينا التي كانت ملتقى لكبار المؤلفين الموسيقيين· وما لبث أن ذاع صيته هناك كفنان تمكن من الجمع بين العصرين الكلاسيكي والرومانسي في عالم الموسيقى الغربية· وأصبح واحداً من أهم الموسيقيين وأكثرهم تأثيراً في كل الأوقات والعصور· وعندما تجاوز بيتهوفن العشرين من عمره، تتلمذ على يدي الموسيقار العظيم جوزيف هايدن، وأخذ عنه البراعة الفائقة في العزف على البيانو· وما لبث أن تعرض بعد ذلك إلى ضعف متزايد في حاسة السمع ولكنه قرر عدم التوقف عن تأليف السيمفونيات الخالدة حتى بعد أن فقد حاسة السمع تماماً· وهكذا كتب لهذا الفنان العظيم أن يتحف العالم بمجموعة من المقطوعات الموسيقية التي لم يكن له حظ سماعها على الإطلاق بل كان يكتفي بمتابعة انطباعات الرضى والاستحسان على مستمعيها· ومنذ بداية عام 1827 بدأ الضعف والوهن يتسرب إلى جسد بيتهوفن إلى أن توفي يوم الإثنين الموافق للسادس والعشرين من شهر مارس من عام 1827 عن 57 عاماً· كاتبة ذهب مع الريح تدخل التاريخ بسبب مرض جلدي ولدت الروائية الشهيرة وصاحبة رواية (ذهب مع الريح) مارجريت ميتشيل في أتلانتا يوم 8 نوفمبر من عام 1900 لأم أميركية من أصل إيرلندي وأب من أصل اسكوتلندي- إيرلندي· وتأثرت منذ طفولتها بقصص الحرب الأهلية التي شهدتها أميركا بين الشمال والجنوب· وأظهرت ملَكات عمق التصور وسعة الخيال منذ طفولتها· وكانت تهوى الاستماع إلى قصص الحرب وحكاياتها وأهوالها من أبويها وعمّاتها اللائي كنّ يعشن في البيت الريفي لعائلة ميتشيل· وتروي عنها صديقات طفولتها ميلها الشديد لتدوين كل فكرة مثيرة تسمعها من الآخرين· وكانت تقضي معظم أوقات الليل في إعادة ترتيب هذه الأفكار والتبصّر فيها· وبدا بوضوح أن مارجريت كانت منذ فترة شبابها الأولى تهتم بتنمية الحسّ الروائي ومحاكاة المشاعر الإنسانية بأسلوب السرد القصصي· وفي عام ،1912 التحقت مارجريت الصبيّة بمدرسة خاصة لم تثبت فيها كفاءتها كتلميذة متميزة· وكانت تشتكي لأمها من عدم فهمها لمادة الرياضيات، وقررت التوقف عن الدراسة· وفي عام ،1918 تراجعت عن موقفها والتحقت بكلية (سميث كوليج) عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى· وكُتب لمارجريت أن تواجه أولى طوالع نحسها عام 1919 عندما قتل خطيبها كليفورد هنري في معركة كان يخوضها الجيش الأميركي ضد الألمان في فرنسا· وما لبثت أن نكبت بعد ذلك بوفاة أمها ميبيل مما أجبرها على ترك المدرسة حتى تتكفل بشؤون البيت الذي صارت سيدته· وفي عام 1922 تزوجت من لاعب شهير في كرة القدم يدعى بيريين آبشو ولكنها عانت معه من ضائقة مالية دفعتها للعمل كمحررة في مجلة (ذي أتلانتا جورنال ساندي ماجازين) لقاء أجر أسبوعي يبلغ 25 دولاراً · وسرعان ما برزت مواهبها في العمل الجديد· ويقول أحد مشاهير الصحفيين الذين عملوا مع مارجريت ويدعى رالف ماك جيل: ''كانت مهنة الصحافة تتميز بالإثارة في أعوام العشرينات؛ وأثبتت مارجريت ميتشيل أنها صحفية نشيطة ومبدعة ودائمة القدرة على ابتداع الأفكار الصحفية الجديدة والجريئة· وأعتقد أنها كانت من طراز الصحفيين المتميزين في تلك الفترة''· وكان زواجها من آبشو صاخباً مضطرباً، وتطلقا في شهر أكتوبر من عام 1924 لتتزوج من صحفي يعمل معها يدعى جون مارش· ونظم حفل الزفاف في شقة جديدة استأجراها في 17 كريسنت أفنيو بأتلانتا وأطلقت عليها مارجريت اسم (الكآبة) The Dump وكأنها كانت تستقرىء مشهد نهايتها المؤلمة فيه· تخلّت مارجريت عن عملها في المجلة بعد أن بدأت تعاني من قروح جلدية لم تعرف لها سبباً، وحتى يتسنى لها الانصراف لكتابة الرواية التي سيقدر لها أن تكتسب شهرة لا تضاهى في العالم أجمع· وطبعت مارجريت روايتها (ذهب مع الريح) Gone With The Wind للمرة الأولى عام ·1936 وما لبثت أن فازت عنها بجائزة بوليتزير للأدب في شهر مايو من عام ·1937 وسارعت هوليوود لإخراجها في فيلم شهير من بطولة كلارك جيبل وفيفيان لي فاز بدوره بجوائز كبرى· وفي 11 أغسطس من عام ،1949 وفيما كانت مارجريت تقطع شارعاً يبعد بضعة أمتار عن بيتها صدمتها شاحنة ثقيلة فأصيبت بجروح وكسور قاتلة وماتت بعد خمسة أيام في بيت (الكآبة) ودفنت في أتلانتا لتنتهي بذلك القصة القصيرة لروائية بارعة كانت في بداية فورة عطائها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©