الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعنيف الأطفال يخلف إرثاً من الاضطرابات النفسية والسلوكية

تعنيف الأطفال يخلف إرثاً من الاضطرابات النفسية والسلوكية
16 يناير 2014 22:08
لكبيرة التونسي (أبوظبي) ـ عندما تلقى أيمن علي صفعة على خده من قبل معلمته «الخصوصية»، خبأ وجهه المبلل بالدموع بين كفيه الصغيرتين، ولاذ بصمت مريب، شاعراً بإذلال عبر عنه بعد فترة غير قصيرة من رحيلها قائلاً بصوت تخنقه العبرات إنه كره الدروس التي تقدمها، وأقسم ألا يحضرها مرة أخرى. إعادة إنتاج العنف الكثير من الآباء والأمهات والمعلمين يضربون الطفل بدافع التنفيس عن الضغوط التي يتعرضون لها، وليس بدافع التربية وتقويم السلوك، والكثير منهم تعكس تصرفاتهم تجاه أطفالهم الجو الذي تربوا فيه، ما يجعلهم يعيدون ممارسة ما تلقوه في صغرهم، حيث يؤكد اختصاصيون نفسانيون أن ما يتلقاه المرء في صغره من عنف يعاود إنتاجه على أولاده بطريقة لا إرادية، إذ يجد نفسه يمد يده إلى ابنه ويضربه أو يدفعه دلالة على عدم قبول سلوكاته أو يعرضه لإهانة لفظية، كل ذلك تمارسه الأم أو الأب رغم الحب الجارف للأبناء، لكن الاندفاع نحو العنف يكون أقوى من المشاعر، وعادة ما يصدر عن الأهل الذين يعنفون أبناءهم سلوك عكسي غير متوازن لإرضاء الطفل بعد الضرب، ما يجعل الطفل يعيش في بيئة وجدانية غير متوازنة، وتؤكد دراسات أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب يكونون عرضة لبعض الأمراض، إلى جانب الاختلالات النفسية وعدم الاعتداد والثقة بالنفس، والاستعداد للجنوح والانطواء وغيرها من مظاهر غير سوية في سلوك الطفل التي تظهر مستقبلاً. إلى ذلك، يقول الدكتور مصطفى أبو السعد، الحاصل على دكتوراه في علم النفس التربوي، والمدرب المعتمد عالميا في البرمجة العصبية اللغوية، إن 90% من البرمجة الذاتية تتكون عند الأطفال من سن الميلاد وحتى سن السابعة، فيما تتشكل 10% من البرمجة الذاتية من 7 إلى 18 عاماً. ويؤكد أن السبع السنوات الأولى للطفل مهمة جداً في تشكيل نظرة إيجابية حول شخصيته وقدراته وإمكاناته، إذ يقوم خلالها الطفل باستكشاف العالم، لافتاً إلى أن اللعب يجب أن يكون لعباً عفوياً حركياً ونشاطاً حيوياً وليس إلكترونياً أمام شاشات البلايستايشن والآيباد. ويعارض أبو السعد، صاحب العديد من الإصدارات في مجال تربية الأطفال والمراهقين، أسلوب الضرب ويصنفه ضمن العنف البدني. ويقول إن هذا السوك لا يربي. ويؤكد من خلال موقعه الإلكتروني أن الآباء والأمهات والمربين كثيرا ما يلجؤون إلى أسلوب العقاب والضرب لتقويم سلوك ما أو تغيير تصرف ما، ولكن هذا الأسلوب لا يربي ولا يحقق أهدافاً تربوية إيجابية، موضحا أن التربية الإيجابية تتطلب مشاعر حنان، وصبراً على سلوك الأطفال، فالأطفال مهما كانت شقاوتهم ونشاطهم وإزعاجهم فهم يلعبون، ولا مجال لتكبيل حريتهم وحيويتهم البريئة بالعقاب. ويوضح أن العقاب أسلوب العاجزين، الذين لا يقدرون على اتخاذ أساليب غيره، ويعلق «أعتقد أن سبب ذلك هو وجود مشاعر مكبوتة عند الآباء يعبرون عنها على أجساد أبنائهم». ويؤكد أبو السعد أن العنف اللفظي، الذي يتلقاه الطفل من أهله أو المربي ومنه الشتائم والنعوت، ينتقل إلى برمجة العقل اللاواعي للطفل، فيتقبله ويبدأ في صياغة حياته وشخصيته تماشياً مع ما يسمعه من أوصاف وأقوال سيئة تعبر عن آراء أبويه فيه أو المربين، فيقتنع بها في تفكيره اللاواعي، وقد يطبقها حرفيا في حياته عندما يكبر أو حتى عندما يكون صغيراً، مؤكداً أن بعض المربين يمتلكون ندرة في العواطف الإيجابية، فـ«كل ما تعتقده عن طفلك وتتحدث به أمامه ينتقل إلى عقله، ويتبرمج إذ إن المعتقد يولد السلوك، فإذا اعتقد الطفل أنه فاشل كما يقول عنه أبواه والمحيطون به، فسينعكس ذلك على سلوكه، وإذا تلقى الطفل شكراً وتقديراً وتشجيعاً فستكون سلوكاته جيدة، فالذي يصنعه المدح لا يصنعه الذم». بين النظرية والتطبيق أكدت دراسة علمية قائمة على رصد استمر سنوات لمجموعة كبيرة من الأطفال، صحة النظريات التربوية، التي تحذر من مخاطر تعنيف الصغار جسديا بصفعهم أو ضربهم، مظهرة أن التعرض لهذا النوع من العقوبات يؤدي إلى زيادة عدوانية الأطفال. وكشفت الدراسة، التي عمل عليها خبراء من جامعة تولين الأميركية، وشملت أكثر من 2500 طفل، أن الذين يعاقبون بالضرب في سن الثالثة تزداد لديهم الميول العدوانية في سن الخامسة، أما الذين يتعرضون للتعنيف الجسدي اعتباراً من السنة الأولى من عمرهم فقد يواجهون خطر التخلف الدراسي. وقالت كاثرين تايلر، التي قادت الفريق العامل على الدراسة، إن ضرب الأطفال كان المسؤول الأول عن تحولهم إلى عدوانيين، حتى بعد احتساب جميع العوامل السلبية السابقة. وأضافت في حديث نشرته مجلة «تايم» الأميركية «فرص تحول الطفل إلى عدواني في سن الخامسة ترتفع بواقع 50 في المائة، إن تعرض للضرب لأكثر من مرتين شهرياً». وبحسب الدراسة؛ فإن 27,9 في المائة من أمهات الأطفال الذين شملهم البحث أقروا بصفع أولادهم لأكثر من مرة شهرياً، في حين أقر 26,5 في المائة بصفعهم لأكثر من مرتين كل شهر، بينما قالت ما نسبته 45,6 من الأمهات أنهن لم يصفعن أطفالهن. وبعد دراسة سلوك الأطفال، اتضح أن الصغار الذين تعرضوا للضرب كانوا يتصرفون بنزق ويمكن استفزازهم بسهولة، كما كانوا يصرون على تلبية طلباتهم بسرعة، ولوحظت عليهم تصرفات حادة حيال الآخرين، وهي كلها من علامات العدوانية. وما تقوله الدراسات يؤكده الواقع، وهذا ما ظهر على تصرفات طفل في الصف الرابع ابتدائي، والذي كان يعيش في أسرة ممتدة يحظى باهتمام الجميع علاماته عالية جدا في المدرسة، لكن فجأة تغير سلوكه، لدرجة أنه أصبح يتعمد تقطيع ملابس أمه، وينام خارج البيت أحيانا، يعتدي على الحيوانات الصغيرة التي يتمكن منها ويقتل البعض منها، كالقطط والحمام، احتار أهله في تصرفاته الطارئة، وحاولوا تعديل سلوكه بكل الطرق، لكن كان عناده في تصاعد، وظهرت عليه بوادر التراجع في التحصيل المدرسي، ما دفع أهله لإخضاعه لاختبار مستوى الذكاء، فتبين أنه لم يتراجع، فعرضوه على الطب الأسري، الذي بدوره قرر معرفة أسباب الحادث. في هذا الإطار، تقول غادة الشيخ، استشارية أسرية، إنه تم عرض هذا الطفل عليها وتمكنت من معرفة سبب هذا التحول في سلوكه، وتوصلت إلى أنه كان طفلا مدللا جدا في عائلته، وحصل أن أنجبت أمه بنتا، فتحول الاهتمام إليها، بينما تعرض هو للنهر كلما اقترب من أخته كونها لاتزال رضيعة ويمكن أن تتعرض للإيذاء بسهولة، لكن أمام إصراره على ملامستها كان يتعرض أحيانا للضرب ما أدى إلى ردود الأفعال السابقة. وتشير الشيخ إلى أن الحل بدأ من محيط البيت لتأسيس علاقة جديدة، ثم انتقل العمل لمحيط المدرسة لرسم خارطة طريق ليسلكها الجميع لإعادة الثقة لنفس الطفل، وبعد شهرين من العمل، استطاع الطفل أن يعود لسابق عهده وتحول من طفل عدواني متمرد إلى طفل سوي، نتيجة الاهتمام وإصلاح ذات البين بينه وبين أهله، والتوصل إلى طريقة سليمة في التعامل وأوصت بعدم إيذائه لفظيا أو ماديا والاعتدال في تربيته. إعاقات نفسية عن ضرب الأطفال وما يسببه من إعاقات نفسية، تقول الشيخ إن الآباء والمربين في غالب الأحيان لا يضربون أولادهم بدافع التربية أو تغيير السلوك أو إصلاحه، بل هو سلوك عدواني لتفريغ شحنة الغضب، مؤكدة أن الدراسات تشير إلى أن أغلب أنواع الضرب تتم على الوجه، لافتة إلى أن ذلك يسبب مشاكل نفسية كبيرة، ويدخل تحت عنوان الإيذاء البدني. وتوضح أن الإيذاء بكل أنواعه يسبب الانطواء وعدم الثقة بالنفس والإحساس بالنقص، واكتساب صفات سلبية ما يعيق حياة الطفل كعدم قدرته على التواصل مع محيطه، كما أن نتيجة الضرب قد تظهر على شكل سلوك عدواني، والعنف الشديد، حيث تصدر عنه سلوكات متطرفة واستعداد للجنوح في سن المراهقة إذ يميل لقيادة فرقة بشكل سلبي، ويحاول إسقاط ما تعرض له على من هم أضعف منه، أما في الكبر فإنه يصبح إنساناً غير مسؤول، وعديم الثقة في النفس، ولا يمتلك القدرة على اتخاذ القرار، كما أن ما تعرض له في الصغر يتبلور في حياته الشخصية والأسرية فيبدأ بإنتاج العنف في محيطه، معتقداً أن ما يقوم به سليم. ووجد باحثون في كندا أنَّ 7% من اضطرابات الصحَة النفسية مرتبطةٌ بالعقاب الجسدي. وتقول واضعة الدراسة، تراسي أفيفي، وهي أستاذ مشارك في كلِّية علوم صحَة المجتمع من جامعة مانيتوبا، إن العقاب الجسدي يترافق بزيادة فرص الإصابة باضطرابات القلق والمزاج، ومن ضمنها الاكتئابُ الكبير واضطراب الهلع، واضطراب الكرب، واضطراب ما بعد الصدمة، ورُهاب الميادين، والرهاب الاجتماعي. كما وجد الباحثون أن العقابَ الجسدي يترافق كذلك مع بعض اضطرابات الشخصية وإدمان الكحول والمخدِرات. وتقول أفيفي «من المهمِّ معرفة أن أشكال العقاب الجسدي الأخرى تسيء إلى صحة الأبناء، لذا يجب ألا يستخدم العقاب الجسدي على الأطفال في أيِ سن وتحت أي ظرف». الحب يصنع المعجزات يقول الدكتور مصطفى أبو السعد، الحاصل على دكتوراه في علم النفس التربوي، والمدرب المعتمد عالميا في البرمجة العصبية اللغوية، إن «الطفل بحاجة إلى 4 ضمات حب من أبويه وخاصة الأم في اليوم الواحد ليعيش، وإلى 8 ضمات يومياً لصيانة المشاعر، وإلى 12 ضمة لينمو»، موضحاً أن المشاعر إن لم تصن فإنها تموت. الضرب يسبب الأمراض أظهرت دراسة جديدة أن ضرب الطفل والصراخ عليه يزيدان خطر إصابته بالسرطان وأمراض القلب والـربـو مستقبـلاً، إذ ذكرت صحيفـة «ديلي ميل» البريطانية أن باحثين في جامعة ملايماوث، وجـدوا أن الأهل الذين يصرخون أو يضربون أولادهم يجعلونهم أكثر عرضة للإصابة بمشكلات صحية لاحقـاً، من بينها الإصابة بالسرطـان، وأمـراض القلب والربـو. وقال باحثون إن سبب هذا الرابط بين التأنيب والإصابة بالأمراض المذكورة، قد يكون وضع الأطفال تحت إجهاد نفساني، موضحين أن زيادة معدلات الإجهاد النفساني تسبب تغييرات بيولوجية عند الشخص، ما قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة، إذ تأكد أن الإجهاد النفساني في الحياة المبكرة، على شكل سوء معاملة وأذى، يخلق تغييرات طويلـة المدى تجعل الشخص عرضة للمرض. تعزيز السلوك الجيد في المقابل، توضح غادة الشيخ، استشارية أسرية، أن تعزيز السلوك الجيد يولد لدى الطفل الثقة بالنفس ويولد لديه القوة والشجاعة، وعدم الخضوع للأوامر وعدم الانقياد لأي سلوكات سلبية، لافتة إلى ضرورة الاعتدال في التربية، بحيث لا شدة ولا رخاء فالدلال الزائد مفسدة للأطفال أيضاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©