الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوء الاختيار!

سوء الاختيار!
16 يناير 2014 22:08
لم أكمل الثالثة عشرة من عمري بعد وما زلت تلميذاً في المرحلة الابتدائية، ومع ذلك وجدت نفسي “مخطوباً” لابنة عمي وهي في نفس الوقت ابنة خالتي، حيث إن أبي وعمي تزوجا اختين هما أمي وخالتي، ونقيم جميعا في منزل كبير وحياتنا مختلطة في كل شيء رغم أن كل أسرة تقيم في جانب من المنزل ولها ذمتها المالية المستقلة، وقد حصل كل من أبي وعمي على نصيبهما من الميراث، إلا أن صلة القرابة القوية بين الأختين والأخوين ونحن الصغار أبناء عم وأبناء خالة زادت ذلك من ارتباطنا ببعضنا فكثيراً ما نتناول طعامنا معا، وفي الغالب ما يكون نفس الطعام الذي يتم إعداده في الوجبات الثلاث لأنه يتم بعد اتفاق بين أمي وخالتي. توافق كبير كنا سعداء بتلك الحياة ويجمعنا الحب والمودة ويضمنا هذا التوافق الكبير، وربما لا يعرف الغرباء أننا أسرتان ويظنون أننا أسرة واحدة، وأبي يملك مطعما شعبيا ويتولى من خلاله الإنفاق على معظم احتياجات الأسرة الكبيرة بلا تفرقة ويحضر كل الاحتياجات بالتساوي، وفي المقابل يقوم عمي بتحمل مسؤولية المشتريات الأخرى من الأرز مثلا والخبز والخضراوات والفواكه فهو الآخر عنده تجارة كبيرة وحاله ميسورة، وقد يتم تبادل المسؤوليات بلا ترتيب فكل من يجد نقصا في شيء يحضره على الفور ونحن الصغار لا نخجل من أن نطلب شيئا من أي منهما فلا وجود للفوارق بيننا. نشأنا في هذه الأجواء الطيبة، وكنا كلنا الصغار إخوة وعندما بدأ الحديث عن “خطوبتي” أنا وابنة عمي، لم أكن أهتم بذلك ولا أدركه جيداً فهي بطبيعة الحال معي وأمام عيني طوال الوقت ومثل أخواتي تماما وكان ذلك اتفاقا بين الآباء والأمهات، ومن الطبيعي مع صغر سننا ألا يكون لنا فيه رأي لا أنكر أنني فيما بعد ذلك بسنوات قليلة وأنا في المرحلة الثانوية كنت أحيانا أشعر بالسعادة عند الحديث عن الخطوبة والزواج وأنني قد أتزوج بسرعة بسبب اهتمام الأسرتين بهذا الارتباط الذي لا أدري له سببا وليس عندي تفسير إلا أنه من قبيل الترابط الذي يجمعنا والحب الكبير الذي يحتوينا، لكن مع مرور السنين لم تتحرك مشاعري نحو “خطيبتي” التي لم أخترها وتم فرضها إجبارا، فكما قلت هي مثل أختي بحكم النشأة والتربية معا وأحيانا أتذمر لكن بيني وبين نفسي لأنني لا أجد مجالا لفتح الموضوع أو اتخاذ قرار فيه بالرفض أو القبول، وأستشعر أن الوقت غير مناسب وقد يكون الأمر معلقا وربما أتوهم أنني يوما ما قد أفصح عن رأيي وموقفي النهائي عندما تدخل الأمور مرحلة الجدية وذلك أمامه سنوات طويلة. اختلافات جوهرية لست وحدي الذي تركت “الخطبة” للأيام بل الجميع مضطرون بسبب صغر سننا، ومع اختلاف المواقف فالكبار ينتظرون حتى أنتهي من تعليمي الجامعي وعلى الفور يتم الزواج، ورغم تلك الاتفاقات وهذا الاندماج كانت بيني وبين ابنة عمي اختلافات كبيرة فأنا أدرس في الجامعة وعلى وشك التخرج وتنتظرني وظيفة مرموقة، بينما هي لا تخط بيمينها ولا تعرف حتى كتابة اسمها لأنها لم تذهب يوما إلى المدرسة، ولا تعرف شيئا عن الدنيا سوى محيط الحياة الذي تعيش فيه فكانت بيننا هوة ثقافية ومعرفية وتعليمية سحيقة، ولولا التفاهم الأسري بيننا لكنا على طرفي نقيض، وهذا لا يمنع من أن “خطيبتي” شخصية طيبة ودودة تتمتع بخصال جميلة أهمها البساطة والهدوء والحياء الشديد. وها أنا قد بلغت سن الرشد وتخرجت والتحقت بالعمل في وظيفة يشار إليها بالبنان ولا أنسى يومها الفرحة في قلوب الجميع، لكنها في عيون “خطيبتي” كانت أكبر بكثير بالطبع لأن ذلك إيذان بدخول ارتباطنا حيز التنفيذ، وأننا سنتزوج قريبا كانت تلك اللحظة الفارقة في تاريخ تلك الخطبة التي استمرت سنين طويلة استعدت كل الذكريات وما حدث كله في حياتنا ووجدتني في النهاية أمام اختيارين كلاهما مر فلا أشعر نحو الفتاة إلا بمشاعر الأخوة بجانب الفوارق التعليمية والثقافية وهذا يجعل التكافؤ بيننا معدوما وبين ما قرره الآباء والأمهات، وكأنه واقع نعيشه لا يقبل للتغيير، وإذا أردت أن أتحلل من هذا الوعد الذي لم اقطعه ولم أكن طرفا مباشراً فيه فسيكون له توابع قاسية ستؤثر على الجميع قد تؤدي في النهاية إلى تفكك الأسرة وفك عرى الترابط القوية بين أفرادها. توابع القرار ابنة عمي لا تصلح لأن تكون زوجة لي في هذه الظروف ولن أتزوجها من أجل إرضاء الآخرين، بينما أنا أعيش في تعاسة واتخذت قراري بالمواجهة وإعلان موقفي واضحا وصريحا فلا تجوز المواربة في هذه الأحوال، ولم أستطع أن أظلم نفسي فأخبرت أمي أولا فضربت صدرها من هول المفاجأة، وهي تستنكر ولا تصدق ما أقول وتحسبني مازحا لولا أن أكدت وأعدت لها ما قلت، وبعدها علم الجميع أصبح هذا الموضوع حديث الناس الذين انقسموا في آرائهم فمنهم من رفض تصرفي واعتبره خيانة وتدميرا للأسرة وظلما للفتاة التي ظلت “محجوزة” كل هذه السنين، وذهب آخرون إلى أن ما بني على باطل فهو باطل وأن ما حدث خطأ جسيم من الأصل ومن حقي أن أختار شريكة حياتي، وطرف ثالث يرى أنني الآن في وضع اجتماعي أحتاج فيه إلى زوجة مناسبة وليس واحدة “أمية” لا تجيد القراءة ولا الكتابة وقد لا تعرف كيف ترد على الهاتف، وكذلك ظهر الشامتون الذين أسعدتهم الخلافات التي دبت بين أفراد الأسرة المتحابين وكثر المشاؤون بالنميمة ليفسدوا ما تبقى من ود وصلة رحم. وهذا ما حدث بالطبع وكما توقعت كان للقرار توابعه وآثاره انفصلت الأسرتان ولولا أن الوالدتين كانتا أختين لجاءت النتيجة أكثر سوءا بكثير أو لتحولنا إلى أعداء وانقطعت عدة أشهر أو ما يقرب من العام عن زيارة أسرتي حتى لا تتجدد المواجع، وأنا مشفق على نفسي وعلى الآخرين من المواجهة التي لا أريدها ولم أعد إلا بعد أن تمت خطبة ابنة عمي لأحد أقاربنا وتم الزواج سريعا وهذا ما جعلني أتخلص من أول عقبة وهي المواجهة مع عمي وخالتي، لكن على عكس ما توقعت سارت الأمور بأيسر مما توقعت بكثير فقد كان اللقاء الأول لنا عاديا بلا أزمة وإن جاء خاليا من الحميمية السابقة. الطريق المفتوح الطريق الآن مفتوح أمامي للزواج خاصة وأن أحوالي المادية ميسورة أيضا لكن يبقى الاختيار فأنا أبحث عن مواصفات محددة في العروس حيث يجب أن تناسبني، وأخيرا وجدت فتاة خريجة جامعة خاصة ودرست فيها بسبب ضعف مستواها التعليمي، ولا تفكر في العمل لأنه لا يستهويها وليست بحاجة إليه وتقضي وقتها مع صديقاتها تتنزه بسيارتها الخاصة اللافتة للنظر لأنها حديثة حمراء اللون، ووالدها تاجر اسماك كبير ومعروف لدرجة أن البعض يطلق عليه لقب “الحوت” من كثرة ثرائه وسطوته، وهو رجل أمي لكنه يجيد فنون التجارة وبنى نفسه بنفسه، وكافح إلى أن وصل إلى ما هو فيه. عندما تقدمت لها رحبوا بشدة وأبدى الرجل استعداده لتحمل كل نفقات الزواج لأن المال لا يهمه وحسب تعبيره أنه قال “إننا نشتري رجلا”، ويقصد أنني ذو منصب وسيفتخر بي بين الناس وقد يعوض ذلك نقصا عنده خاصة وأن أبناءه لم يحصلوا على شهادات عالية باستثناء هذه الفتاة وكان يأمل أن يتزاوج المال والمنصب فيتخرج أولاده من كليات تؤهلهم لوظائف قيمة وها هو قد وجد ضالته فيّ، وأنا وجدت الفتاة التي أبحث عنها ولم تستغرق الاستعدادات وقتاً طويلاً فخلال سبعة أشهر كانت الشقة الفسيحة التي أهداها لها أبوها جاهزة بها أفخم أثاث وأحدث أجهزة شاركنا فيها لكن تحمل أبوها النصيب الأكبر. مواجهة الواقع راحت الفكرة وجاءت السكرة وها أنا وجها لوجه مع زوجتي المدللة فهي لا تجيد فن الطبخ ولا حتى سلق البيض، وحياتها مقلوبة وليلها نهار ونهارها ليل مشغولة بالأفلام والمسرحيات والسهر، ولا تهتم بملابسي فأبحث عنها لأجدها كما هي متسخة مثل ما وضعتها وتعتمد على خادمة غير مقيمة تأتي مرة كل أسبوع لتنظيف الشقة، وتظل بقية الأيام على حالها. أما عن الكسل فحدث ولا حرج فلا حساب عندها لأي شيء سوى النوم والتنزه وقد أهملتني تماما وكأنني غير موجود في حياتها إذا شكوت لأسرتها قدموا المبررات الواهية بأنها ما زلت صغيرة وأنها لم تعتد مسؤولية البيت، وبدلا من تقويمها ونصحها يختلقون لها الأعذار واستمر ذلك لعدة أشهر بلا تغير، ولا أمل في انصلاح حالها فلم أكن على هذا الوضع متزوجا بالمرة. عندما أقارن بينها وبين ابنة عمي أجد الكفة تميل لصالح الثانية من كل النواحي ولو خيرت بينهما الآن لاخترتها زوجتي فعندها المميزات التي كنت أبحث عنها وأتوهمها وما كانت إلا قشورا في الحياة الزوجية، بينما تفتقد كل شيء، وأعيش في صراع نفسي وأريد أن أصلح الخطأ الذي أوقعت أو وجدت نفسي فيه، الأمر ليس سهلا فالطلاق قد يخلصني من هذه المشكلة، لكن من يضمن لي أن يكون اختياري بعد ذلك أفضل، يئست من زوجتي إلى أقصى حد، أقضي معظم وقتي في عملي كي لا أراها، أحيانا تراودني أفكار بأن هذه عقوبة لي لأنني ربما أكون افتريت أو ظلمت ابنة عمي الطيبة وكسرت خاطرها بلا ذنب. لم يكن هناك مفر من الطلاق بعد أن وصلت العلاقة بيني وبين زوجتي إلى حد الجفاف والتجمد، وخسرت كثيرا نفسيا من جراء تجربة قاسية وعادت حياتي إلى الصفر، ومر أكثر من خمس سنوات على الانفصال، ولم أكن قادرا على تكرار التجربة مرة ثالثة خوفا من الفشل أو المفاجآت خاصة بعد أن قال لي أحد أصدقائي إن الزوجة مثل “البطيخة” تحكم عليها أولا من خلال الشكل الخارجي بينما الداخل لا يظهر إلا بعد الزواج وأنت وحظك!
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©