الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا... مصنع للرأسمالية الأوروبية

17 مايو 2011 22:56
هل تعرفون أن أحدث مالك لمناطق شعبية فقيرة في مدينة لوس أنجلوس هو في الأصل قلعة من قلاع الرأسمالية الألمانية. الحكاية باختصار هي أنه في تاريخ سابق من هذا الشهر، قام مكتب المحامي العام للمدينة برفع قضية على مصرف "دويتشه بنك" الألماني الشهير، ورابع أكبر بنك على مستوى العالم بسبب مسؤوليته عن ترك ما يقدر بـ2000 عقار من العقارات التي حجز عليها لاستيفاء أقساط الرهن العقاري المتأخرة المستحقة عليها، تنحدر إلى حالة مزرية من القذارة والبلى. فلقد وجد مسح قضائي استمر عاماً على العقارات التي حجز عليها مصرف"دويتشه بنك"، أن سكان تلك العقارات قد أجبروا، بسبب قرارات الحجز على عقارتهم، على العيش في شقق متداعية يرفض البنك إجراء أي إصلاحات فيها، وأن العديد من الشقق التي تركها أصحابها وهربوا قد اُحتلت من قبل عصابات، وأن الصنابير إما لا تنزل منها مياه، أو تسيل منها المياه، وأن إحدى الشقق عُثر بها على جثة شخص مجهول. والأمور التي كشف عنها ذلك المسح لا يمكن على الإطلاق تصور أن البنك سوف يسمح بحدوثها في العقارات المحجوز عليها في مدينة ألمانية مثل "فرانكفورت"، المدينة الفائقة النظافة والترتيب والتي تضم المقر الرئيسي للمصرف، كما تضم أشهر معالم المال والأعمال في ألمانيا على الإطلاق. وقد رد مصرف"دويتشه بنك" على القضية المرفوعة ضده بتوجيه اللوم إلى الأشخاص الذين حصلوا على تلك المنازل بنظام الرهن العقاري، والذين كان يجب أن ينتظموا في الأساس في دفع الأقساط المستحقة عليهم، والمحافظة على العقارات التي حصلوا عليها في حالة جيدة لا تركها حتى تصل إلى الحالة التي وجدتها اللجنة التي قامت بالمسح المذكور، عليها. ولكن "كارمن تروتانيتش" المحامي العام في المدينة، أصر على أن اللوم يجب توجيهه للمصرف المالك كونه المسؤول عن إجراء عمليات الصيانة والمحافظة على العقارات وقال:"هذه مسألة معروفة، ولن ندعهم يلعبون معنا لعبة البيضة والدجاجة". ولكن تحويل العقارات إلى خرائب على النحو الذي شاهدناه من خلال هذا المسح، قد بات نموذجاً يحتذى من قبل العديد من المصارف والشركات الأوروبية الكبرى العاملة في أميركا، والتي تقوم فيها بأشياء لا تجرؤ على القيام بها في بلدانها. فهناك في الوقت الراهن أعداد متزايدة من الشركات الأوروبية ذائعة الصيت -وليس مصارف فقط - مثل "بي إم دبليو"، و"ديملر" و"فولكس فاجن" و"سيمنز" ومحلات تجزئة كبرى مثل"إيكيا"، تأتي للاستثمار في الولايات المتحدة (إلى ولاياتها الجنوبية على وجه الخصوص)، لأن العمالة هناك رخيصة جراء انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية، كما أن هذه العمالة لا تصر على المطالبة بحقوقها. فأميركا، في نظر تلك الشركات، باتت هي "الصين الجديدة". صحيح أن تكلفة العمالة لدينا أعلى قليلاً - مقارنة بالصين - لكننا نقدم أنظمة حماية أفضل للملكية الفكرية وحالات إضراب أقل كثيراً من رفقائنا الصينيين غير المنضبطين. للتأكد من أنني لا أبالغ، ما عليكم سوى أن تلقوا نظرة على الدراسة التي نشرت هذا الشهر بواسطة مجموعة "بوسطون كونسالتنج جروب" للاستشارات، التي خلصت إلى أنه عند مقارنة أجور الصين المتزايدة ومستويات إنتاجيتها التي لا تزال منخفضة، مع أجور الولايات المتحدة الراكدة ومستويات إنتاجيتها المتصاعدة ، فإن الميزة السعرية للإنتاج في الصين ستتقلص كثيراً عند مقارنتها بالميزة السعرية عند الإنتاج في الولايات المتحدة، بل إنها ستتلاشى بحلول عام 2015، وهو ما يعني أن الاستثمارات في أميركا من قبل الدول الأوروبية ستتزايد، لأنها ستصبح واحدة من أرخص المواقع في العالم المتقدم للإنتاج. وهذه الاستثمارات قد تزايدت بالفعل حيث تشير الإحصائيات أن العديد من شركات السيارات الكبرى في أوروبا واليابان، قد فتحت مصانع لها في الجنوب الأميركي، الذي يفتقر إلى اتحادات العمال التي تدافع عن حقوق العمال الرخيصة خلال العقدين الماضيين. ولم تتورع العديد من تلك الدول عن محاربة أي محاولة يقوم بها العاملون فيها لتكوين اتحاد أو الانتظام في هيئة ما لحماية حقوقهم، وهو موقف يختلف اختلافاً بيناً عن المواقف التي تتخذها تجاه عمالها في الوطن. وهذا هو ما يجعل أميركا هدفاً للشركات الأوروبية المختلفة، التي تريد أن تنتج بضاعة بتكلفة زهيدة. وقد نجد هنا من يسأل: هل لا تزال أميركا هي منارة العمال في العالم كما كانت دائما؟ من المؤكد أنها لم تعد كذلك. ليس هذا فحسب بل إن العلاقة التي تربط بيننا وبين أوروبا، أو بين الشركات الأوروبية التي تتخذ من أراضينا مقراً لها وبين عمالنا، قد باتت أشبه ما تكون بالعلاقة بين الشمال والجنوب، التي قادت إلى الحرب الأهلية الأميركية، وذلك عندما كانت الولايات الجنوبية، هي التي تصدر القطن الفاخر المنتج على أيدي عمالة رخيصة. وها نحن نتحول مرة أخرى إلى منطقة فقيرة بالنسبة للأوروبيين الراغبين في إقامة المصانع التي يشتغل فيها العمال منخفضو الأجور، والتي توجد بها العقارات المتداعية المحجوز عليها من المصارف الأوروبية الكبرى كما في منازل مدينة لوس أنجلوس، التي كشف عنها المسح المذكور. هارولد مايرسون محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©