الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من يتبناها؟

18 نوفمبر 2008 01:15
حكايتها عجيبة، لا يمكن تصديقها بسهولة· فهل يعقل أن يكبر الإنسان، ويصل إلى سن الخامسة عشرة وهو لا يعرف والديه؟ ولا يدري من أين جاء؟ إنه أمر غريب، تعودنا مشاهدته في الأفلام الخيالية، أما في الواقع، فمن الصعب تصديقه، ولكن للأسف فإن هذه الفتاة والتي تبلغ الخامسة عشرة من عمرها، لا تدري من أين جاءت، ولا تعرف من هم والديها، ليست فاقدة للذاكرة، ولم تتعرض لحادث ينسيها أهلها، ولكنها تحكي قصة غريبة لسنين عاشتها مع أناس لم تعرف عنهم إلا القليل· أمرها غريب ومحير، منظرها يقطّع القلب، كما أن معاناتها تفوق التصور، ولا حل لمشكلتها سوى بالمعجزة الربانية، حيث يسخر الله عباده من ذوي القلوب الرحيمة، من أولئك الناس الذين كرسوا أنفسهم لرعاية الأيتام وحمايتهم من عوادي الزمن وتأمين الحياة الآمنة الكريمة لهم· وبالطبع فإننا نعرف جيداً أن مثل هؤلاء الناس موجودون في دولتنا الحبيبة بكثرة ولله الحمد، لذلك فإن رواية حكاية هذه الفتاة عبر زاويتنا ''البيوت أسرار''، والتي يتابعها الكثير من الناس، ستهيئ المعرفة الكاملة بظروف الفتاة لمن يريد أن يتبناها· تقول الفتاة: عندما وعيت على هذه الدنيا وجدتني أعيش مع أسرة خليجية متدينة، لا أدري إن كانوا مواطنين أم لا؟ ولكني تعلمت منهم اللغة العربية، وقد ربوني على الخوف من الله، والصلاة، وعلموني قراءة القرآن الكريم· عندما كنت أسألهم: لماذا لا أذهب إلى المدرسة؟ أخبروني بأنني لا أملك شهادة ميلاد، عندها سألتهم: من أنا؟ ومن هم والديّ؟ قالوا لي: ''والدك مواطن، وأمك أوروبية''، ثم حكوا لي حكاية غريبة· فقالوا: عندما تزوج والدك من والدتك قاطعه أهله مقاطعة شديدة، حتى أنهم أنكروا نسبه لهم، وبالطبع فإن موقفهم لم يمنع والدك من الإصرار على عدم تطليق أمك حتى أنجبتك ولكنهما تعرضا سوياً لحادث ماتا على إثره، وقد تركاك وحيدة، يتيمة الأب والأم· وبالطبع فإن أهل والدك رفضوا الاعتراف بك كحفيدة لهم، لذلك أخذنا على عاتقنا تربيتك· حكاية لا يمكن استيعابها، فهل ينكرني أهل والدي فقط لأن ولدهم قد تزوج بغير رضاهم؟ هل هذا يعقل؟ يتركون حفيدتهم للمصير المجهول، وهي يتيمة فقط لأنهم غير مقتنعين بزوجة ولدهم؟ لا أصدق بأن أهل والدي أو أي أهل غيرهم يمكن أن يفكروا بهذه الطريقة، فما ذنبي أنا لأدفع الثمن؟ فهم مسلمون ويعلمون جيداً بأن الله سيحاسبهم حساباً شديداً على تركي والتخلي عني لأي سبب من الأسباب· في الحقيقة، لم أصدق مثل هذا الكلام، وأعتقد بأنهم حكوا لي هذه الحكاية كي أكف عن الإلحاح والسؤال· عندما بلغت السابعة من عمري، مرض الرجل الذي كنت أدعوه والدي، وهو رب الأسرة التي كانت ترعاني، وصار يدخل في غيبوبات طويلة، مازلت أذكره، كان يذكر الله كثيراً كلما أفاق من غيبوبته، ينظر إليّ فتدمع عيناه، ولا أدري ما سبب ذلك· فوجئت بهم يوماً وقد قرروا السفر إلى أميركا· كنت معتقدة بأنهم سيأخذونني معهم، ولكنهم أخبروني بأنني لا أملك جواز سفر، وأنني سأبقى لدى أسرة طيبة ستعتني بي حتى يعودوا، لأن رحلتهم كانت من أجل علاج والدهم وأنها لن تستغرق طويلاً، هذا ما أخبروني به، فبكيت كثيراً وتوسلت إليهم ألا يتركوني، ولكنهم رحلوا وتركوني لدى أسرة إنجليزية عندهم بنت في نفس سني، كنت أحب أن ألعب معها، فبقيت لدى تلك الأسرة وأنا بانتظار عودة أهلي كما وعدوني، ولكنهم لم يعودوا أبداً· أسرتي الجديدة عشت مع هذه الأسرة ست سنوات متواصلة، تعلمت اللغة الإنجليزية بإتقان شديد دون أن أذهب إلى المدرسة، كنت شغوفة بالتعلم، وكان التلفاز هو مصدري الوحيد لاكتساب العلم، فأتقنت تعلم الحروف العربية من متابعة برامج الأطفال العربية، وتعلمت الحروف الإنجليزية من خلال برامج الأطفال، حتى أني تعلمت اللغة الكورية عندما وجدت محطة تبث برنامجا لتعليم اللغة الكورية· في الحقيقة، إنني كنت أشعر بالاطمئنان لدى تلك الأسرة، ولكن لم أكن مرتاحة كثيراً لسبب واحد، هو أنهم كانوا يتضايقون من التزامي بالصلاة وقراءة القرآن وصيام شهر رمضان، كما علمني أهلي الذين ربوني، فقد أخبرتني إحدى بناتهم، بأنني إذا تركت الصلاة وقراءة القرآن فسيجعلني الله مع الشياطين في نار جهنم، وسيعذبني عذاباً شديداً لأنني سأكون كافرة· وقد حذرتني من أشياء كثيرة صرت أخاف منها، وبقيت وأنا أحاول ألا أرتكب أي خطأ حتى لا يعذبني الله، لذلك فإنني لم أكن مرتاحة تماماً مع تلك الأسرة، لأنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ويتضايقون كثيراً مني لأنني كنت أنعزل عنهم وأبكي كي يغفر لي ربي وجودي معهم وهم يرتكبون تلك المعاصي· وقد حاولوا التأثير عليّ كي أكون مثلهم، ولكني رفضت، لهذا السبب لم يحبوني كثيراً ولكنهم لم يتخلوا عني حتى اللحظة الأخيرة، حيث قرروا العودة إلى بلادهم· عندما قررت تلك الأسرة العودة إلى بلادها، صارت لديهم مشكلة هي أنا، فقد احتاروا أين يتركونني عندما يرحلون؟ بعد تفكير ومناقشات بينهم، اهتدت المرأة إلى حل مقنع من وجهة نظرها، فهي تعرف امرأة من نفس جنسيتها تدير مكاناً يسمى بيت المسلمات الجدد، فأخذتني لأعيش هناك· كان الأمر قاسياً عليّ، فبالرغم من كوني غير مرتاحة مع هذه الأسرة، إلا أن الخوف من المجهول سيطر عليّ بشدة، وصرت أسأل نفسي: لماذا أتعرض لكل هذه المواقف؟ لماذا لا توجد لديّ أسرة أعيش معها طوال عمري؟ لا يهمني أن أذهب إلى المدرسة أم لا، ولا يهمني أن أتمتع بكل ما تتمتع به البنات، صار همي الوحيد هو وجودي في أسرة أعيش معها بأمان دون خوف مما يخبئه المستقبل المجهول· لم تنته الحكاية هذه هي حكاية الفتاة مع الأسرة التي ربتها حتى سن السابعة والأسرة التي احتضنتها حتى وصلت إلى سن الرابعة عشرة، وقد أخذوها إلى بيت المسلمات الجدد، والذي يحوي مجموعة من النساء من جنسيات مختلفة، وهن حديثات في الإسلام، وكانت هي الصغيرة الوحيدة بينهم، وبالطبع لم تستطع الاندماج مع تلك البيئة، فهي لاتزال صغيرة وتحتاج للأسرة أكثر من حاجتها لهذا الكم من النساء المغتربات، لذلك فقد انعزلت عنهن وصارت أكثر شعوراً بالوحدة والغربة، وصارت تبكي طوال الوقت· وصل خبر هذه الفتاة الحزينة إلى امرأة عربية متخصصة في دراسة علم النفس والخدمة الاجتماعية، وهي متطوعة لعمل الخير، فذهبت للقاء الفتاة ومحاولة إيجاد حل منطقي لحالتها· بعد أن جلست معها واستمعت لحكايتها فكرت في نقلها إلى دار نجدة الطفل، معتقدة أنه أنسب لها، لوجود الأطفال في ذلك المكان، ولكن البنت لم تشعر بالراحة في ذلك المكان أيضاً ولعدة أسباب، أولها هو أنهم عاملوها وكأنها قد ارتكبت جرماً أو خطيئة، وهي طفلة حساسة لا تحب أن ينظر إليها مثل هذه النظرة، فصارت تبكي وتردد: لمَ يعاملوني بجفاء وقسوة؟ ولمَ ينظرون إليّ بريبة؟ أنا لم أرتكب خطأً، ولم أغضب ربي أبداً· هذا بالإضافة لكون المكان يضم فتيات صغيرات منحرفات، ومجموعة من الأطفال الصغار مع وجود طفل مصاب بمرض الايدز، لذلك فإن الفتاة لم تشعر بانتماء لمثل هذا الوسط الغريب فبقيت حزينة ومنكسرة· أثار وضع الفتاة تعاطف إحدى نزيلات الدار، وهي امرأة ألمانية، فاقترحت عليها الانتقال للعيش معها في شقة استأجرتها هي ووالدها، فرضيت الفتاة بذلك وانتقلت للعيش مع تلك المرأة، ولكنها بدأت تعيش معاناة جديدة، فهذه الفتاة لديها قلق ديني وشعور بالخوف الشديد من أية معاصي ترتكب من حولها، وقد كانت معتقدة بأن تلك المرأة جادة في دخولها الإسلام، فساعدتها في تعلم الغسل والوضوء والصلاة، ولكنها بعد مدة شعرت بالملل من كل ذلك وأخبرت الفتاة بأنها لم تدخل الإسلام لأنها مقتنعة بالدين، ولكنها كانت تسمع عن الخليج وعن الثراء الذي يعيش فيه الناس، فقررت الدخول في الإسلام علّها تجد رجلاً ثرياً يتزوجها، فوجدت أن ذلك صعب، فما الذي يدعوها للاستمرار في مثل تلك التمثيلية؟ لذلك قررت الاعتماد على نفسها، وبمساعدة والدها الذي يعمل هنا منذ فترة طويلة متخلية عن مظاهر الدين الذي تدعيه· شعرت الفتاة بأن هذه المرأة منافقة، وأنها لم تدخل الإسلام إلا لمصلحة، لذلك عادت لحزنها وخوفها وقلقها فاتصلت بالمرأة العربية تطلب مساعدتها من جديد· فكرت تلك المرأة في أخذها إلى بيتها وتربيتها، ولكنها قالت لنفسها: لو أخذتها في بيتي سأكون قد جنيت عليها، لكني لو سلمتها للسلطات فسيكون وضعها أفضل، حيث يكون لديها أوراق رسمية تحدد هويتها· قامت المرأة بإعادة الفتاة إلى دار نجدة الطفل، حيث قاموا بالتحري عن الفتاة وطلبوا منها بصماتها للتأكد من عدم وجود سوابق لها، ولكن الفتاة صارت تبكي خوفاً وهي تردد: لم أفعل شيئاً، لست مجرمة، فأقنعتها المرأة بأن هذا إجراء أمني طبيعي لا يعني أنك قد أخطأت فاستقرت نفسيتها ورضيت بعمل البصمات، وقد جاءت النتيجة ببراءتها من أية شبهات· صورة إنسانية خلف شباك الغرفة التي تسكن بها الفتاة انطلق أنين خافت، أسرعت البنت وفتحت الشباك فوجدت قطة صغيرة جريحة مشرفة على الموت، فأسرعت لالتقاطها، عالجتها من جرحها وصارت ترضعها الحليب، حتى شفيت واستعادت قوتها، أسكنتها في حمام الغرفة دون علم المشرفات في الدار، لأن القوانين لا تسمح بتربية الحيوانات· صارت الفتاة سعيدة لأنها تقضي وقتها في العناية بتلك القطة حتى تحسنت حالتها النفسية، ولكن الأمر انكشف لدى المشرفات فأمروها برمي القطة في الخارج، ولكنها رفضت وصارت تبكي، وقد تحولت إلى مخلوقة شرسة لا تقبل أن يقترب منها أحد وينتزع قطتها منها· اتصلوا بالمرأة العربية، فجاءت لحل هذه المشكلة فسألتها عن الأمر فقالت لها الفتاة: هذه القطة يتيمة ووحيدة مثلي، فهل يعقل أن أتركها في منطقة صحراوية بلا طعام ولا ماء؟ فقامت المرأة بأخذ الفتاة مع قطتها إلى منطقة مأهولة بالسكان وأقنعتها بأن القطة ستكون بخير لوجود كافتيريا، حيث يتوفر لها الطعام، وربما ستعيش في أحد البيوت فتأكل وتلعب دون أن يؤذيها أحد· اقتنعت الفتاة بالفكرة بصعوبة فتركت قطتها قرب الكافتيريا وهي تبكي وتتوسل إليها أن تسامحها· شعرت المرأة بأن هذه الفتاة رقيقة المشاعر أصيلة المعدن، مما جعلها تشعر بالمسؤولية نحوها بشكل أكبر، فلم يكن أمامها سوى التوجه للصحافة لحل مشكلة هذه البنت بإيجاد من يتبناها ويضمن لها الحياة الكريمة الطيبة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©