الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصة التاريخ الهجري (1)

1 فبراير 2006
ها قد أطلت علينا سنة هجرية جديدة - جعلها الله سنة خير وبركة -، وبهذه المناسبة الكريمة فإننا نود أن نُلقي الضوء على بداية ظهورها، لنتعرف من خلال ذلك على أول من كتب التاريخ من الهجرة، حيث إنه تاريخ يرتبط ارتباط الروح بالجسد بتاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وكذلك يعتبر من أعرق وأشهر التواريخ التي عرفتها الإنسانية·
قال الله تعالى في كتابه العزيز: 'إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حُرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم··' صدق الله العظيم - التوبة (36)·
قال الإمام أبو عبدالله محمد القرطبي (671 هـ) في كتابه الجامع لأحكام القرآن: 'هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام - من العبادات وغيرها - إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهراً، لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر، وإنما تتفاوت في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج·
قوله تعالى: 'منها أربعة حُرم' الأشهر الحُرم المذكورة في هذه الآية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب·· قوله تعالى: 'ذلك الدين القيم' أي: الحساب الصحيح والعدد المستوفى·· قوله تعالى: 'فلا تظلموا فيهن أنفسكم' على قول ابن عباس رضي الله عنه: راجع الى جميع الشهور، وعلى قول بعضهم الى الأشهر الحُرم - ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب - لأنه إليها أقرب ولها مزية في تعظيم الظلم·
خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحُرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل الزمان·· لا يُقال: كيف جُعل بعض الأزمنة أعظم حُرمة من بعض، فإنا نقول: للبارئ تعالى أن يفعل ما يشاء، ويخص بالفضيلة ما يشاء، ليس لعمله عّلة، ولا عليه حجر، بل يفعل ما يريد بحكمته، وقد تظهر الحكمة وقد تخفى'·
ذكر أحمد بن علي القلقشندي (821 هـ) في كتابه 'صُبح الأعشى في صناعة الإنشاء' أسماء الشهور العربية ومعانيها، وهي اثنا عشر شهراً: الشهر الأول 'المحرم' سُمي بذلك لأن العرب كانوا يُحرمون فيه القتال، والشهر الثاني 'صفر' سُمي بذلك لأنهم كانوا يُغيرون فيه على بلاد يُقال لها الصفرية، والشهر الثالث 'ربيع الأول' سُمي بذلك لأنهم يحصلون فيه ما أصابوه في صفر، والربيع في اللغة الخصب وقيل لارتباعهم فيه، والشهر الرابع 'ربيع الآخر' وتسميته كالأول، والشهر الخامس 'جمادى الأولى' سُمي بذلك لجمود الماء فيه، لأن الوقت الذي سُمي فيه بذلك كان الماء فيه جامداً لشدة البرد، والشهر السادس 'جمادى الآخرة' وتسميته كالأول، والشهر السابع 'رجب' سُمي بذلك لتعظيمهم له أخذاً من الترجيب وهو التعظيم، والشهر الثامن 'شعبان' سُمي بذلك لتشعبهم فيه لكثرة الغارات عقب رجب، وقيل لتشعب العود في الوقت الذي سُمي فيه، والشهر التاسع 'رمضان' سُمي بذلك من الرمضاء، لأنه وافق وقت تسميته زمن الحر، والشهر العاشر 'شوال' سُمي بذلك أخذاً من شالت الإبل بأذنابها إذا حملت لكونه أول شهور الحج، وقيل من شال يشول إذا ارتفع، ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه معنى الإشالة والرفع، الى أن جاء الإسلام بهدم ذلك، والشهر الحادي عشر 'ذو القعدة' ويقال بالفتح والكسر، سُمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه من الأشهر الحُرم، والشهر الثاني عشر 'ذو الحجة' ويُقال بالفتح والكسر كذلك، وسُمي بذلك لأن الحج فيه، وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم فيه من الضلال والكفر يعظمون هذه الأشهر - الأشهر الحُرم - ويحرمون القتال فيها حتى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه، الى أن غيروا في أسمائها وقدموا وأخروا فيها·
ومما ذكره القرطبي في تفسيره أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه يوم خلق السماوات والأرض، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المُنزلة، وحكمها باقٍ على ما كانت عليه، لم يُزلها عن ترتيبها تغيير المُشركين لأسمائها، وذلك أن العرب في الجاهلية قد غيرت من أسماء الشهور، فمن ذلك أن ربيعة بن نزار كانوا يُحرمون شهر رمضان ويسمونه رجب، أما مُضر فكانت تُحرم رجباً نفسه فلذلك سُمي 'رجب مُضر' للتمييز بينه وبين 'رجب ربيعة'، وكانت العرب تُسمي رجباً أيضاً 'مُنصل الأسنة' لأنهم ينزعون الحديد الذي على رماحهم وسهامهم - إبطالاً للقتال فيه ومنعاً لأسباب الحرب والفتنة - ، ومن ذلك انهم كانوا يُحرمون القتال في شهر مُحرم، فإذا احتاجوا الى ذلك حرموا صفراً بدله وقاتلوا في المحرم، وسبب ذلك أن العرب كانت أصحاب حروب وغارات، فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها، وقالوا: 'لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نُصيب فيها شيئاً لنهلكن'، فجعلوا صفراً محرماً صفراً، حتى قام الإسلام وقد رجع المحرم الى موضعه الذي وضعه الله فيه، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: 'أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض' أي أن زمان الحج عاد الى وقته الأصلي الذي عينه الله يوم خلق السماوات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه، ونفذ بها حكمه، وبطل ما تحكمت به العرب في الجاهلية، فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجاهلي·
ويذكر لنا ابن قتيبة الدينوري (276 هـ) في كتابه المعارف نقلاً عن كتب السير والمغازي ان النبي صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل، وبين عام الفيل وحرب الفجار عشرون سنة، مكث عند بني سعد خمس سنين، وتوفيت أمه - آمنة بنت وهب - وهو ابن ست سنين، وتوفي جده عبدالمطلب وهو ابن ثماني سنين، وخرج مع عمه أبي طالب الى الشام في تجارة وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وشهد حرب الفُجار وهو ابن عشرين سنة، وخرج الى الشام لخديجة بنت خويلد وهو ابن خمس وعشرين سنة وتزوجها بعد ذلك، وبُنيت الكعبة ورضيت قريش بحكمه - في وضع الحجر الأسود بعد البناء والترميم - وهو ابن خمس وثلاثين سنة، وبُعث صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة·· وهاجر الى المدينة المنورة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، ودخلها صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، فكان التاريخ من شهر ربيع الأول فرد الى المحرم لأنه أول شهور السنة·
ولنتوقف هنا في صحبتنا لابن قتيبة بعد أن شهدنا مولد حدث تاريخي عظيم كان بمثابة ميلاد تاريخ جديد، سيكون ذا أثر عظيم في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، وتاريخ الإنسانية جمعاء، ألا وهو التاريخ الهجري، تُرى من هو أول من كتب التاريخ من الهجرة؟ وما قصة ذلك·· للحديث بقية·
منصور محمد المهيري
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©