السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نساء البورصة خسرن النفس والنفيس

نساء البورصة خسرن النفس والنفيس
19 نوفمبر 2008 01:08
منزويات حزينات تعلو ملامحهن الحسرة والأسى، جلسن بقاعة مغلقة، نظراتهن معلقة على شاشة ضوئية صغيرة تتراقص أرقامها صعوداً ونزولاً، تكاد تسمع دقات قلوبهن تجتاح المكان، يعصرها الخوف والألم على أموال تبخرت (حسب قولهن) وضاعت سدى، رغم الضياع ما زلن مرابطات بالمكان، يمنين النفس بصفاء الحال، كن يردن زيادة قيمة ما بحوزتهن أضعافاً مضاعفة، لكن شاءت الأقدار أن تعصف رياح الأزمة المالية العالمية بأموال راهنَّ يوماً على تنميتها· ماء مالح نشرب ولا نرتوي جلست تصلي وأطالت في ابتهالها، ربما تدعو الله أن يفرج كربها، امرأة يتجاوز عمرها 63 سنة، قد لا يخطر على البال أن يكون مكانها هنا، كيف استطاعت فهم تركيبة الأرقام ومعادلات البورصة العصية رموزها وطلاسمها حتى على الشباب والمتمرسين ؟ لكن بالاقتراب منها واقتحام عوالمها قد يتبين أنها ليست كباقي الأمهات والجدات، هي أم خالد (مدرسة متقاعدة)، تحكي عن تجربتها مع البورصة وتقول : ''دخلت سوق الأوراق المالية دون أي خلفية معرفية سابقة، فقط بتشجيع من صديقاتي اللواتي ذقن طعم الربح آنداك، وجنين أموالاً لا بأس بها، احتذيت بهن وجمعت كل ما أملك من أموال نهاية خدمتي، وما تركه زوجي (رحمه الله)، اشتريت السهم ب 29 درهماً واليوم أرقبه يهوى يوماً بعد يوم حيث لا يساوي حالياً حتى درهمين·''وتضيف: ''عرفت هذا المكان لمدة تزيد عن خمس سنوات، ومن ذلك الحين إلى اليوم لم أتخلف يوماً عن الحضور في كل أيام الأسبوع باستثناء أيام العطل الرسمية، صار جزءاً من حياتي، ورغم الخسارة الكبيرة التي دهستنا وعصفت بأموالنا، فإنني لا أحب الجلوس بالبيت، وأحب أن أكون بجانب الشاشة أرقب أضواءها، (أم خالد تعرف معنى كل لون، فالأخضر مثلاً المؤشر طالع، الأحمر نازل جداً، وهكذا تلون ألوان الشاشة مشاعرها حزناً وحصرة، إذ الأحمر يكتسح الشاشة)، تتحدث وتطالع شاشة الكمبيوتر الموضوع أمامها، تضرب يداً بيد وتردد ''حسبي الله ونعم الوكيل'' وتضيف:'' اشترينا في الغالي، وظهرت بوادر الربح بداية، لكن فجأة انهار كل شيء، ومع ذلك استمريت في الشراء، ولم أسحب أموالي، على أمل انتعاش السوق من جديد، فكأنني أشرب من الماء المالح، كلما شربت كلما عطشت، نسبياً وضعي أحسن من زميلاتي، لأنني لم أقترض من البنوك، وهي أموالي وأموال زوجي (رحمه الله) وأولادي لا يحتاجون مني أي شيء، وفي الأخير هذه أموالهم إرث لهم، فالأسهم موجودة ولكن القيمة ضاعت، وأنا مؤمنة بالله، وهو يعوضنا خيراً من هذا''· القروض باب الكارثة في مكان آخر جلست سناء أم محمد (موظفة) تحبس دموعها بكبرياء، تتحدث بصوت فيه نبرة عتاب، وتقول : ''دعوني أتحدث عن شيء يوجع الكثيرات منا، دعوني أشكو همي عسى ذلك يخفف ما بصدري من حزن'' تقول ذلك رداً عن عتاب زميلاتها عن ما فائدة الحديث بدون حل، وتكمل حديثها: ''بعد تعب سنين الغربة واقتراضنا من البنوك، استثمرنا لننمي أموالنا، فعصفت بنا هذه الأزمة التي أعتبرها فوق طاقة الاحتمال، وأظن أن أسواق الأموال مبنية على الشائعات، إذ كانت واحدة من الصديقات تربح تجر صديقاتها وزميلاتها للقيام بنفس العملية، وكان الربح بداية، وطمعنا في المزيد وأخرجنا كل أموالنا واستثمرناها، وفي غفلة من الزمان يتبخر كل شيء، إنها كارثة !'' وتتساءل كيف يمكن إنقاذ المتضرر الصغير ؟ أين إدارات الائتمان في البنوك؟ كيف السبيل لاسترداد أموالنا فهذا مورد رزقنا؟ أين نصيبنا في الأصول ؟ ضاعت أموال الناس البسطاء، اشترينا بسعر عال (29 درهماً للسهم الواحد من خمس سنين) واليوم لا يتجاوز 3 دراهم في أحسن الأحوال، وتؤكد: ''المستثمر الصغير هو المتضرر، أما كبار المضاربين فأموالهم يسترجعونها، نحن نتحمل الخسارة وهم يتحملون الربح فقط·'' وتضيف: ''نحن صغار المستثمرين، نناشد هيئة سوق المال والمسؤولين عن التداول في البورصة بأن يوقفوا التداول للحد من النزيف الحاصل يومياً''· و''ما أود قوله'' تضيف سناء: ''الكثيرات منا دخلن السوق دون دراية ودون علم ودون خلفية معرفية سابقة، وتعلمنَّ هنا، اقترضن أموالاً طائلة، ودخلن البورصة فتبخر كل شيء، الناس في نظري من المفروض أن يستثمروا من الفائض ليس من الدين، وهذا سبب كارثة خربت بيوتا، وأجزم أن سوق المال مبني على الشائعات، وليس هناك أي وضوح، أسال نفسي أولا، كيف نستثمر في شيء غير ملموس ؟ وكيف لم ينذرونا بالكارثة حتى نسحب أموالنا؟ كيف بين يوم وليلة تغير كل شيء ؟ كدت أجن، وجئت هنا فقط لأكون بين من أشاركهن هموم الكارثة، وطلباً للمساندة المعنوية''· هل البورصة قمار؟ ترفض الكلام، ولا تود المشاركة في الحديث عن هذه الأزمة، معللة ذلك بقولها:''لا جدوى من النحيب على شيء راح ولن يتحرك أحد لإرجاعه أو إصلاحه، أتعبتنا الاستفسارات والاستجوابات دون فائدة''· هي أم علي (مدرسة سابقة) لم تحصل على شغل يرضي طموحها فصارت البورصة هي شغلها الشاغل، تجلس من بداية الدوام اليومي للموظفين إلى نهايته، تجلس تتفاعل مع أرقام شاشة الكمبيوتر أمامها، ومع ألوانها التي تفهم لغتها وتفك رموزها تقول بعد إلحاح: ''بحثت سابقا عن شغل ولم أوفق، فوجدت ضالتي هنا بالسوق المالي، وأغرانا الربح في بداية الأمر، مما حدا بنا لجلب كل ما نملك واستثماره هنا، اشترينا أسهما كثيرة وراهنا على الربح، لكن الخسارة كانت فوق الاحتمال، ضاع كل ما أملك بعد سنين الغربة''· وعن سبب عدم سحب أموالها تؤكد: ''لا يمكن التراجع، فأنا أجلس هنا أرقب انتعاشها، وأشتري أحيانا أسهما أخرى، وأتساءل هل البورصة مقامرة، فكل شيء مبني على الحظ ولا شيء واضح''· وتضيف: ''لم تكن القاعة بهذا الشكل بها خمس أو ست نساء على الأكثر، بل كنا لا نجد مكاناً نجلس فيه، لكن بعد الأزمة يئس الجميع وركنت النساء إلى بيوتهن بعد ما تسببت الأزمة في خرابها، فزميلاتنا منهن من طلقت، ومنهن من حاولت الانتحار ومن دخلت في غيبوبة، وأصعب حالة واحدة أخذها زوجها للعلاج بالخارج بعد أن أصيبت بجلطة في الدماغ، إثر الانخفاض الحاد في سوق المال عرفت سيارات الإسعاف وأقسام الطوارئ حالة استنفار في بداية الأزمة، أما اليوم فالكل يحاول تضميد الجراح بالصبر والصلاة''· ضربة موجعة تقول أم حمد (موظفة): ''تلقيت ضربة موجعة، خسرت 70% من المبلغ الذي استثمرته في البورصة منذ بدأت أسهم السوق في التراجع''، وتتساءل: ''من سينقذنا ؟ وأين هي إجراءات حماية المستثمرين''؟ وتعزي ليلى سعد (موظفة) سبب الأزمة إلى أزمة ثقة بالسوق التي سادت أوساط المساهمين والمستثمرين في ظل التراجع الذي أصاب الأسواق المالية منذ بداية الأزمة، حيث سيطر الخوف والقلق على المتداولين فبدأوا يعرضون ويشترون بطريقة عشوائية خوفاً من الخسارة مما أحدث ارتباكاً''· رأي نفسي يؤكد دكتور علم النفس، علي الحرجان، أن الأزمة المالية العالمية وانعكاسها على السوق المحلي أدت إلى خسارة كبيرة بأموال الناس في الأشهر الأخيرة وهذا، يقول الدكتور، انعكس سلبيا على نفسية الناس وخاصة النساء، وأفاد في هذا الخصوص:''صراحة زارت العيادة نساء كثيرات منهارات عصبيا ونفسيا من جراء اللوم والانتقادات التي تلقينها من طرف الزوج أو الأهل أو الأصدقاء على مغامرتهن في دخول مهنة ليست لهن بها أي دراية، كما تلقين العتاب على الاندفاع من أجل تجارة المغامرة والمقامرة غير المحسوسة، كلها عوامل أثرت في أنفسهن بعمق، وشعرن بالإحباط وعدم الثقة بالنفس، وأدى ذلك إلى اضطرابات أسرية عميقة في ظل غياب لغة الحوار والمناقشة والتفهم· نصيحة ننصح النساء ونقول لهن، يقول الدكتور علي الحرجان: ''مهما كانت التجربة قاسية، لابد من النظر إليها من الجانب الإيجابي، واعتبارها غنية بالتجارب والفوائد، وفي المستقبل ندرس كل الجوانب قبل الإقدام على أية خطوة، ولا ندخلها إلا إذا كانت محسوبة ومدروسة، ولا نجازف بما نملك وما لا نملك· ومع ذلك يجب تجاوز الأزمة لأن التجارب تغني الحياة''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©