الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاتب.. وصورته على «فيسبوك»!

الكاتب.. وصورته على «فيسبوك»!
19 مايو 2013 13:02
كتب الروائي السوداني أمير تاج السر، منذ أيام، على صفحته في فيسبوك: «خصني أحد الإخوة السودانيين وأعرفه شخصيا بمقال كافر، لم يترك لي جنبا أتقلب عليه، كأني سرقت تاريخي وتجربتي من بيته. أحيانا أسأل نفسي، لماذا أنا من ذلك الوطن الذي عملت في أفقر بقعه وسط مرضى السل وسوء التغذية، ولم يمنحني حتى قطعة أرض صغيرة؟»، وبما ان للروائي الذي يقيم في دولة قطر آلاف الأصدقاء في قائمته الفيسبوكية بحكم شهرته؛ فقد أحرز تعليقه القصير تعقيبات واعجابات كثيفة في وقت قصير. لكن كثرة التعقيبات بدت مثل قلّتها فهي جاءت مسايرة له في معظمها، إذ ان أغلب المعلقين مضوا إلى تعزيته ومواساته؛ بعبارات جاهزة مثل: «زمار الحي لا يطرب» و»لا كرامة لنبي في وطنه» و»لا ترمى بالحجارة إلا الاشجار المثمرة» و»صاحب النعمة محسود» إلخ.. قد يرى البعض في التوقف عند تعليق صاحب «توترات القبطي» عبر هذه المساحة نوعاً من المبالغة باعتبار ان فضاء المواقع الاجتماعية يحوي الكثير من العبارات السهلة والمجانية التي لا يصح أخذها بشكل جدي؛ وتتساوي في هذه الصفة العبارات الصادرة من اناس عاديين أو من ساسة ودكاترة وكتّاب من عيار تاج السر. وفي خصوص الكتّاب تحديدا هناك من يرى ان ما كل يصدر عنهم خارج إطار نصوصهم الإبداعية «لا يعول عليه»؛ وفي هذا السياق كُتب الكثير عن الفرق بين تصورات الكاتب المبدعة وصورته الاجتماعية، ولكثرة ما صُدم القراء بهذا الفرق، بات شائعاً الآن في كثير من المجتمعات الكلام عن «الشخصية المزدوجة للكاتب»، كما انه ليس نادرا في البلاد العربية ان يقول لك أحدهم حين تعرب ان اعجابك بابداع كاتب ما «أقرأه.. ولكن لا تراه» إلخ.. إثنان ولعل الكاتب الأرغواني كارلوس ليسكانو شاء هذا المعنى حين انجز كتابه «الكاتب والآخر» الذي صدر مترجما منذ فترة ضمن مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة؛ ومن افاداته الدالة هنا، قوله: إن الكاتب دوماً اثنان: ذلك الذي يشتري الخبز، والبرتقال، ويجري الاتصال الهاتفي، ويذهب الى عمله، ويدفع فاتورة الماء والكهرباء، ويحيي الجيران. والآخر، ذلك الذي يكرس نفسه للكتابة». إذاً، ان تقرأ لأحدهم من دون تراه شخصيا وتتعاطى معه «اجتماعيا» قد يكون أفضل بكثير من ان تراه وتنصت لكلامه (ثمة فرق بين الكلام والكتابة). قد تحبط رؤيتك للكاتب نشوة قراءتك نصوصه أو فلنقل تخيّب عمق تدبرك لمقترحاته الجمالية أو راؤه الفلسفية؟ من هنا، يصح القول إن الفيسبوك قرّب المسافات وكثيراً، بين القراء والكتّاب. وبات كل ما هو شخصي وحميمي ومزاجي وطارئ وتذمري وأخرق في سيّرهم اليومية، بات متاحاً ومعلقاً على حوائط فيسبوك الموسومة دائما بـ «ما الذي يخطر في بالك». ونستذكر هنا ما كتبته الروائية السورية لينا الهويان قبل أيام حول الإمكانية التي يتيحها هذا الموقع الالكتروني للوقوف على بعض الأمور التي لا يمكن ادارجها إلا في خانة «الاحراجات» بالنسبة لكثير من المتعلقين به. تشير الهويان إلى سجلات الاعجاب لدى بعض الأدباء وتستغرب كيف انها قد تكون حافلة احيانا بإعجابات غريبة، وهي تتابع في رصد الأمر لتصل إلى ما يشبه «الاندهاش» من تفضيلات أدباء وكبسهم زر «لايك» عندما يتعلق الأمر بنجوم ومشاهير مثل انجلينا جولي وجوليا روبرتس وجينيفر أنيستون؛ فضلا عن صلاتهم بمواقع أبراج الحظ والالعاب المسلية إلخ.. تذكر الهويان الكاتب السوداني في قائمتها فهو من المعجبين بالراقصة الكولومبية شاكيرا! كما سبق القول، بالنسبة لكثر، وبينهم تاج السر ذاته، قد تبدو عبارته الفيسبوكية الأخيرة عادية، ولا يصح ان نشغل بال القراء بها، ولكن لعل الأمر يختلف لو أجتهدنا قليلا في النظر؟ شكوى الواقع، مراجعة سريعة لسجل تعليقات الكاتب السابقة تظهره طيباً ولطيفاً وهو يسارع إلى تهنئة الكتّاب بكتبهم الجديدة كما يشاركهم افراحهم بمشاركات لهم في معارض كتب وحفلات توقيع كتب هنا وهناك ويثمن اجتهادات شابة لكتّاب وكاتبات من مختلف الاقطار العربية، ولكنه أيضا دائم الشكوى من جهل الصحافة العربية بالترتيب الصحيح لاسمه «أمير تاج السر»، كما انه ينتقد دائما أدعياء الكتابة والثقافة، وأحيانا تصدر عنه تعليقات تشوش حتى من يعرفه عن قرب ولا شك انها تربك معجبيه أكثر. المهم، سنعرض الآن لما يمكن اعتباره مقدمة أولى لعبارة تاج السر التي يمكن ان يراها البعض مشحونة بـ «المنّة» تجاه الوطن، لو صحّ القول، وخصوصا في نصفها الأخير: «لماذا أنا من ذلك الوطن الذي عملت في أفقر بقعه وسط مرضى السل وسوء التغذية، ولم يمنحني حتى قطعة أرض صغيرة؟» عُرف أمير تاج السر، أكثر ما عُرف، في الساحة الروائية العربية حين وصلت روايته «صائد اليرقات» إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية 2012. صحيح انه لم يفز ولكنه كان مرشحاً لها بقوة. وصحب حلوله في القائمة القصيرة تتبعاً نقدياً متصلاً لأعماله، وبخاصة روايته التي رُشحت «صائد اليرقات»، في كبريات الصحف العربية، ولم يقل الاهتمام به وبمنجزه حتى عقب اعلان نتائج تلك الدورة «الخائبة»، إذ ان الحلول في القائمة القصيرة للبوكر يفوق في تأثيره الإعلامي الفوز بالجائزة نفسها؛ فشغل الاعلام يتركز في حالة التسابق والتنافس والتوقعات دائما ولحظة اعلان الفائز هي ذاتها لحظة «موت المسابقة»! وفي مرحلة ما قبل الإعلان عن الفائز النهائي، حصل الكثير وتأثرت به سمعة صاحب «مهر الصياح» سلبا وايجاباً؛ فلقد تعجل البعض وحكم على ظهوره، وهو السوداني، فى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية بأنه جاء نتيجة للعبة توازنات «جغرافية» أو «سياسية» حكمت عمل اللجنة وليس اعتماداً على تقدير أدبي أو نقدي، ووجد البعض الآخر فى ظهوره مناسبة جيدة للكلام عن اهمية الانفتاح على المشهد الروائي السوداني الذى ظل مهمشاً وقتاً طويلاً أو مختزلاً فى الراحل الطيب صالح. وذهب بعضهم الثالث إلى تعميد تاج السر كخلف للراحل الطيب صالح؟ وفى هذا الباب ايضا سنلتقي مدمني الانترنت من الروائيين والنقاد ومحرري الصفحات الثقافية، وهؤلاء وجدوا فى بروز الكاتب السوداني بهذه القائمة ما عزز إيمانهم بحيوية هذه الشبكة العنكبويتة فى تجسير المسافات بين الاقطار العربية، وتكلموا عن ان تاج السر ما كان له ان يُعرف لولا منتديات الحوار الالكتروني مثل فيسبوك وتوتير، فهو الأنشط الآن في هذه الجبهات الالكترونية؟ شهرة عموما، قيل الكثير، ومن مداخل شتى، عن صاحب «توترات القبطي» وكل ذلك كان مهماً طبعا لتجربته عموماً ولروايته المختارة «صائد اليرقات» بصفة خاصة، وأكسبه انتشاراً واسعاً فى الاواسط الثقافية العربية. لكن، هل مثّل ظهور تاج السر فى تلك القائمة القصيرة انفتاحاً عربياً على المشهد الادبي السوداني؟ ويمكن طرح السؤال بطريقة أخرى: هل يمكن لظهور اسمه فى تلك القائمة المهمة ان يمثل اختراقا سودانياً للمشهد الروائي العربي؟ الواقع، لا يمكن الحديث عن شهرة لتاج السر في السودان، على رغم غزارة انتاجه الروائي ـ عشر روايات أو يزيد ـ وذيوع اسمه منذ وقت ليس بالقصير في منابر عربية مؤثرة، خصوصاً في القاهرة، بل يمكن القول ان تاج السر غير معروف إلا في دائرة ضيقة وسط الكتّاب السودانيين، ورواياته، على كثرتها، غير متوافرة في أرفف مكتبات الخرطوم؛ فهي صدرت من دور نشر عربية لا تصل منشوراتها الورقية إلى الخرطوم غالباً إلا بعد حين! لم يعش تاج السر طويلاً في الخرطوم، فبعد دراسته الطب في مصر، عاد إلي السودان ولكنه استقر طبيباً بمدينة طوكر في شرق السودان لوقت قصير ثم غادر إلى الدوحة. وهو كان بدأ شاعراً بالعامية ثم أنتقل إلى الكتابة بالفصحى ونشر بعض نصوصه الشعرية في صحف ومجلات ودوريات أدبية مصرية قبل ان يكتب روايته الأولى كرمكول» مطلع التسعينات، ومن ثم انصرف إلى كتابة الرواية بكثافة ملحوظة وحقق خلال عقدين من الزمان كماً روائياً هو الأكبر في تاريخ الرواية السودانية لكاتب واحد. تنّقل تاج السر بين القاهرة وطوكر والدوحة وسواها من مدن ربما كان السبب وراء ضعف انتشاره محلياً، بخاصة في الملاحق الثقافية للصحف، وفي المجلات والمنابر الثقافية الأخرى في الخرطوم؛ فمن النادر العثور على مقالات حول تجربته وفي القليل من الدراسات التي تناولته ثمة كلام يُكرر دائما حول تأثره باجواء روايات الراحل الطيب صالح، بخاصة في روايته « كرمكول» ودائما ما ينفي صاحب راوية «العطر الفرنسي» هذا التأثر ويشدد على اختلافه كماً وكيفاً. وعلى ذكر صاحب «موسم الهجرة إلى الشمال» لا بد من الاشارة إلى ان تاج السر هو ابن شقيقة الطيب صالح، وكما يمكن للجميع ان يتوقع، فقد عانى تاج السر كثيراً من هذه الصلة التي لا يد له فيها، ومنذ البداية حُكم على اشتغاله بكتابة الرواية بأنه محاولة سهلة منه لمحاكاة «خاله» وليس أكثر، كما تكلم البعض، وفي مناسبات مختلفة، عن ان تاج السر انخرط في المجال الأدبي ظناً منه ان قرابته بالطيب صالح قد تفتح له مغاليق المشهد الروائي العربي وتشهره الخ!.. إهمال وفي الأوقات الشحيحة التي زار فيها بلده قوبل تاج السر بتجاهلٍ واضحٍ، ليس فقط من الاجهزة الاعلامية الرسمية، بل حتى من زملائه الكتّاب وهو يتكلم عن ذلك بمرارة: «كلما أعود الى السودان أحاول أن التقي بالناس، ولكن لا أجد تجاوباً... رفضوا حتى اعطائي أعمالهم».. ولعل من أكثر المشاهد لفتاً في هذا السياق غياب أغلب الكتّاب عن الحفلة التي نظمها المجلس القومي للثقافة والفنون في الخرطوم منذ فترة احتفاءاً بصدور روايتين له، وهو ما يثبته تاج السر ذاته في حوار صحفي: «احتفى المجلس القومي للثقافة والفنون بروايتي «توترات القبطي» و»مهر الصياح» بشكل جيد، لكن الملاحظ ان تلك الاحتفائية لم يحضرها الكتّاب». وسيقول، لاحقاً، في ما يشبه الثأر: «أنا حقيقة غير متابع للكتابات الروائية السودانية.. وكنت خلال زياراتي اطلب بعض الكتب من مؤلفيها، ولكن لا احد يمدني ولا أحد يهتم». وعند الحديث عن حضور أمير تاج السر في المشهد الأدبي السوداني، على ضعفه، لا يمكن ان نغفل ما أثير عقب تقديمه لشهادة حول تجربته الروائية بمركز عبد الكريم ميرغني فى امدرمان منذ سنوات؛ اذ استغرب القاص والمحرر الثقافي نبيل غالي من كثرة روايات الرجل وسأله، بطريقة مستفزة: * أمير، انت روائي ام كاتب روايات؟ هذا السؤال الذي يضمر، كما هو واضح، حكماً سلبياً على غزارة انتاج تاج السر، عاش وقتاً طويلاً في صحف الخرطوم، بدءاً من ثلاث مقالات متعاقبة كتبها تاج السر نفسه في صحيفة «الصحافة»، مشدداً على موهبته وحيويته ومثابرته، وصولاً إلى تعقيبات وتعليقات عديدة لنقاد وروائيين حول طرائق كتابة الرواية بين الصنعة والموهبة... نسأل الآن، بعد ما قدمنا من معطيات: هل يتابع تاج السر ثأره من تاريخه في سياقه الوطني؟ ولا بد من الإشارة هنا إلى انه ليس معروفاً عن صاحب رواية «أيبولا 76» أي انشغال بالسياسة ويبدو كأنه يتفادى ان يعرب عن رأيه السياسي إذ لم يعلّق على كثير من التحولات السياسية التي شهدتها بلاده أخيرا!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©