الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثورة النساء المبكرة

ثورة النساء المبكرة
15 مايو 2013 20:19
هناك حالة من القلق على وضع المرأة وحقوقها في المجتمع، المصري خاصة بعد صعود التيارات الأصولية والسلفية وربما كان ذلك سببا لاعادة نشر كتاب منيرة ثابت «ثورة في البرج العاجي» كان الكتاب قد صدر أول مرة في عام 1945، أي فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونسيه الجميع. تندر واستخفاف الكتاب أقرب إلى سيرة المؤلفة في نشاطها ودورها العام، ليس سيرة ذاتية ولا مذكرات خاصة، وانما يتحدث عن «ثورة» كانت هي أول من نادى بها، مصطلح «الثورة» لم تطلقه هي، بل اطلقته الصحافة المصرية عليها، ربما بقصد التندر والتفكه والاستخفاف ولم تجد هي غضاضة من ان تجعل من ذلك عنوانا لكتابها، موضوع الثورة يعود إلى عام 1923، حين تم اقرار الدستور المصري، المعروف باسم دستور 23، وكانت المادة الثالثة فيه تنص على مساواة جميع المصريين في الحقوق السياسية والمدنية ومن ثم يكون للمرأة حق الانتخاب والترشح للمجالس النيابية، لكن جاء قانون الانتخاب ليقصر هذا الحق على الرجال فقط، هالها ذلك وراحت تكتب في الصحف منددة بذلك ومطالبة للمرأة بحق الترشح والانتخاب، وسخرت من ان في مصر فتيات وسيدات تخرجن في ارقى الجامعات الأوروبية ولا يسمح لهن بالتصويت، بينما يتمتع الرجل الأمي بهذا الحق ويتمتع نصف الأمي، أي من يمكنه القراءة والكتابة بحق الترشح ويصبح نائبا. وناشدت الاتحاد النسائي المصري ان يثير هذه القضية، لكن رائدة الاتحاد السيدة هدى شعراوي لم تستجب، بقيت تناضل وحدها، وقابلت سعد زغلول مطالبة إياه بالتدخل فوعدها بأن يسمح للمرأة بهذا الحق، حين تتغير الظروف، وكانت المفاجأة امامها في حزب الاحرار الدستوريين، حزب الليبرالية المصرية، فقد رفض محمد محمود زعيم الحزب ومؤسسه في حديث إلى صحيفة انجليزية وهو رئيس للوزراء هذه الفكرة، وسار على نهجه الشيخ مصطفى عبدالرازق، تحدثت معه في هذا الموضوع ورد عليها فضيلته بالقول «اننا قوم صعايدة.. لنا تقاليد لا نحيد عنها» ولما سألته هل انت رجعي مثله، تقصد محمد باشا محمود، فرد عليها «طبعا.. بالتأكيد». ولما لم يسمح للمرأة بحق الترشح والانتخاب، طالبت بأن يسمح لها حضور جلسات البرلمان ومجلس الشيوخ كزائرة ومستمعة، وقد استجاب سعد زغلول لهذا المطلب، ودخلت السيدة صفية زغلول وكذلك هدى شعراوي وأخريات لحضور بعض الجلسات. كانت منيرة ثابت زميلة د. محمد حسين هيكل في مدرسة الحقوق الفرنسية، ولما عين وزيرا للدولة، كتبت مقالا في جريدة «الاهرام» تطالب بأن تعين هي الاخرى وزيرا للدولة مثل زميلها وصديقها، وتحول الامر إلى مزحة، غير ان هذا المقال فتح الباب عمليا للمطالبة بأن تكون المرأة وزيراً، والثابت ان هذه الفكرة طرحت جديا أثناء تشكيل حكومة الوفد الاخيرة عام 1950 وتردد اسم د. سهير القلماوي لتكون وزيراً. عن فلسطين نصف الكتاب ـ تقريبا ـ يتحدث عن دور الاتحاد النسائي المصري في القضية الفلسطينية منذ ثورة عام 1936، فقد عقد الاتحاد مؤتمرا نسائيا بالقاهرة شاركت فيه وفود من معظم الدول العربية عام 1938 خصص للتباحث في قضية فلسطين وفي العام التالي مباشرة أي عام 1939، وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة عقد المؤتمر النسائي الدولي في كوبنهاجن، ودعا اليه الاتحاد النسائي المصري، وكان من المقرر ان يسافر وفد من نساء فلسطين للمشاركة في المؤتمر، لكن سلطات الانتداب البريطاني منعت الوفد من السفر وسمحت هذه السلطات بسفر ثلاث سيدات يهوديات- صهيونيات- للمشاركة باسم فلسطين، وهنا منحت نساء فلسطين توكيلا رسميا للوفد المصري بأن يمثل فلسطين ايضا، وكان الوفد برئاسة هدى شعراوي وعضوية منيرة ثابت وسيزا نبراوي وكان على هذا الوفد انه يخوض معركة في الجلسة الاولى لرفض تمثيل الصهيونيات الثلاث لفلسطين، وبعد جهد جهيد تم اعتماد الوفد المصري ممثلا لفلسطين واعتبرت اليهوديات الثلاث معبرات عن الاقلية اليهودية بفلسطين، الكتاب فيه الكثيرمن التفاصيل الموجعة والمؤلمة. وفي احدى الجلسات طرح الوفد المصري توصية خاصة من المؤتمر برفض الهجرة الجماعية من بلد إلى بلد من دون موافقة شعب ذلك البلد على استقبال المهاجرين، وثارت ثائرة المؤتمر كله ورفضت معظم الوفود هذه التوصية، وفي شدة الجدل، وبعد تفنيد الوفد المصري لكافة الحجج حول الهجرة اليهودية إلى فلسطين، اخرجت احدى اليهوديات التوراة وصاحت «التوراة وعدتنا بفلسطين إلى الابد».. جرى هذا المؤتمر قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وقبل وقوع الهولوكست. وقدمت منيرة ثابت كافة الحجج القانونية، من القانون الدولي، على أن وعد بلفور بلا اساس قانوني، وانه يناقض القانون الدولي وميثاق عصبة الامم التي كانت قائمة آنذاك، لكن القوانين بلا قوة تحميها تصبح مجرد حبر على ورق. ولدت منيرة ثابت عام 1906 في القاهرة والتحقت بمدرسة إيطالية في القاهرة ثم مدرسة الحقوق الفرنسية بالقاهرة وأتمت تعليمها في السوربون واسست جريدة يومية عام 1925 ومجلة أسبوعية بالفرنسية وعاشت حتى عام 1960، الغريب انه في عام 1957 سمح للمرأة المصرية بحق التصويت في الانتخابات والترشح للبرلمان، وترشحت هي في انتخابات عام 1957 بدائرة الزيتون بالقاهرة، لكن كان الرئيس عبدالناصر قد اصدر قراراً باغلاق الدوائر التي يترشح فيها الوزراء، وفي دائرة الزيتون كان وزير الارشاد فتحي رضوان مرشحا فاستبعدت هي ولم يقدر لها ان تصبح عضوا بالبرلمان وفازت في تلك الانتخابات سيدتان فقط. الكتاب على صغر حجمه به الكثير من التفاصيل والمعلومات التي ترسم لوحة لعصر ومجتمع بأكمله، خاصة عند قمته السياسية والاجتماعية وتقدم مشاهد ومواقف للعديد من الشخصيات مثل د. طه حسين وتوفيق الحكيم وعبدالعزيز فهمي ومكرم عبيد واسماعيل صدقي، فضلا عن الشخصيات النسائية الكبرى في ذلك العصر، وقد وعدت المؤلفة ان تصدر مذكراتها وسيرتها الخاصة في كتاب، ومن اسف انها انتقلت الى العالم الآخر دون ان تصور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©