السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكم الخُبراء

حكم الخُبراء
18 مايو 2011 20:10
المفكر البريطاني “تيموثي ميتشل” أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيويورك، له اهتمام خاص بمصر، فقد أصدر كتاب “استعمار مصر” عام 1991، وترجمه الى العربية بشير السباعي ويتناول فيه تجربة مصر في القرن التاسع عشر والتدخلات الأوروبية في شؤونها والتي انتهت بالاحتلال البريطاني في عام 1882. والكتاب الجديد عن مصر ايضا بعنوان “حكم الخبراء”، أما عنوانه التفصيلي فهو: “مصر.. التكنو سياسة.. الحداثة”. خبرات مصرية يرصد المؤلف في كتابه أحوال مصر خلال القرن العشرين، وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين، ويركز على عدة أمور من بينها ما يمكن تسميته الخبرة المصرية الحديثة، إذ نلتقي في فصوله مع المهندسين المصريين الذين شيدوا سد اسوان عام 1902 ثم قاموا بعمليات لتطويره وتعليته فيما بعد عام 1933، حتى بات 80 في المئة من أراضي مصر تروى بنظام الري الدائم بفضل هذا السد، وبعده يأتي السد العالي ليقدم خبرة أخرى، هذه المرة ليست هندسية فقط بل سياسية ايضا، اذ كانت عملية بنائه سياسية ووطنية بامتياز، فقد جعل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هذا السد مشروعه القومي والوطني، خاصة بعد ان رفضت الولايات المتحدة تمويل بنائه فلجأ إلى الاتحاد السوفيتي خصم أميركا اللدود زمن الحرب الباردة. وهناك ايضا الخبرة في مجال الصحة، تحديدا مكافحة الأوبئة مثل وباء الملاريا وكذلك الكوليرا. يبدأ ميتشل فصول كتابة من الملاريا، أثناء الحرب العالمية الثانية، ففي عام 1942 جرت على أرض مصر معركتان فاصلتان، المعركة الأولى هي معركة العلمين، وكانت أول هزيمة برية ساحقة يوقعها الحلفاء بدول المحور، وتحدد مصير الحرب العالمية الثانية بهذه المعركة، خاصة أن معركة ستالينجراد جرت بعدها مباشرة. وسقط في معركة العلمين حوالي 75 ألف قتيل وجريح، وزرع الحلفاء ألغاما في العلمين تقدر بحوالي 75 في المئة من الألغام الأرضية في العالم التي لم يتم نزعها، وتلوث أرض العلمين الى اليوم، وكانت تلك أول معركة تستعمل فيها الألغام الأرضية على هذا النحو. معركة صامتة وفي نفس توقيت معركة العلمين كانت هناك معركة أخطر على أرض مصر، ولأن ظروف الرقابة في الحرب منعت النشر عنها، لم ينتبه اليها الكثيرون، فقد جاءت الى مصر من جنوب وغرب افريقيا بعوضة “الانوفيل جابي” ولم تكن مصر تعرفها من قبل، وكانت هذه البعوضة قاتلة تماما، وقدر ضحاياها في تلك الفترة بثلاثة أرباع مليون مصري، في قرى الصعيد، وامتدت حتى الدلتا ولم تشأ بريطانيا الإعلان عن وباء الملاريا حتى لا تخيف سكان القاهرة، خاصة انها كانت تخطط لتهجير هؤلاء السكان وغيرهم من سكان شمال مصر إلى الصعيد اذا نجح رومل في عبور الصحراء الغربية ودخول الاسكندرية والقاهرة، لذا تم التكتم على هذا الوباء، والمشكلة ان العقار الذي كان قادرا على مواجهة ذلك الوباء كان متوفرا في إحدى الجزر الهولندية التي قامت اليابان باحتلالها ولذا كان صعبا الحصول عليه، وحاول الأطباء المصريون المقاومة قدر استطاعتهم، لكن المؤكد ان قرى بأكملها في الصعيد فقدت معظم أبنائها ولم يتوصل العلماء إلى سبب انتشار تلك البعوضة التي لم تكن مصر تعرفها من قبل، وقيل انها جاءت عبر الطائرات التي كانت تنتقل من افريقيا إلى مصر، وقيل انها وصلت عبر السفن التي كانت تمر بالنيل قادمة من السودان. الأزمة امتدت حتى عام 1944 ونتج عنها الكثير من التداعيات السياسية فقد وقع انشقاق في حزب الوفد وخرج منه مكرم عبيد، وكان لعبود باشا دور في هذه الأزمة، فقد كانت مزارعه في الصعيد - قصب السكر- شهدت أزمة الملاريا وأصيب هو نفسه بالوباء، وترتب على الوباء أن تولى عبدالواحد الوكيل وزارة الصحة، وهو من عائلة زينب الوكيل قرينة النحاس باشا زعيم الوفد، وكان عبدالواحد شريكا لعبود في بعض مشاريعه الاقتصادية، واستفاد من عملية مكافحة الوباء، بالأدوية والميزانيات التي خصصت له. وانتهت هذه الرحلة بقيام الضباط الأحرار بانقلاب على الملك فاروق في 23 يوليو 1952. ويذهب ميشيل الى ان الضباط لم يتحركوا بدافع السعي للإصلاح الزراعي وغيره، ولكن حركهم الخوف من ان الملك فاروق كشف أمرهم وكاد يقبض عليهم، لكنهم وجدوا في الإصلاح الزراعي وبناء السد العالي مشروعا وطنيا يكملون به ما بدأته مصر من قناطر وسدود على النيل، بدءا من القناطر الخيرية في عهد محمد علي ثم سد أسوان في عهد الخديوي عباس حلمي. ويلاحظ ميتشل ان قانون الإصلاح الزراعي الأول أدى إلى كسر الاحتكارات الكبرى للاراضي الزراعية، وترتب عليه ان امبراطورية عبود باشا في مزارع قصب السكر في الصعيد تلاشت وكان لدى عبود ستة آلاف فدان، ثم جاء القانون الثاني والثالث الذي جعل الملكية بمئة فدان للفرد، لكن هذا القانون تم التراجع عنه عمليا عام 1997 بإنهاء العلاقة الإيجارية للفلاحين الذين تسلموا هذه الأراضي. وفي نفس الفترة -التسعينيات من القرن الماضي- بدأ مشروع الخصخصة، الذي شابته الكثير من الأخطاء الاقتصادية، وكان لدى مصر عام 1990 حوالي 314 مشروعا ومؤسسة مملوكة للدولة “القطاع العام” كان من بينها 260 مشروعا تحقق أرباحا، وكان هناك 54 مشروعا تحقق الخسارة وكانت الخسارة 300 مليون جنيه، أي 110 ملايين دولار، أما الشركات الرابحة فقد حققت بعد الضرائب ربحا يقدر بمبلغ 1.5 مليار جنيه مصري أي حوالي 550 مليون دولار، ولكن كانت المشكلة الاقتصادية في القطاع البنكي. ويتابع ميتشيل بالأرقام تجربة الخصخصة في مصر التي بدأت عام 1990 وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، حيث عانى منها الفقراء المصريون، ويرى انه أتيحت للاقتصاد المصري عدة فرص للنهوض وتوفرت عملات صعبة لكن لم يتم الاستفادة منها بالكامل. والكتاب مليء بالمعلومات والأفكار التي لا غنى عنها لباحث متخصص فضلا عن القارئ العادي. الكتاب: حكم الخبراء المؤلف: تيموثي ميتشل ترجمة: بشير السباعي/ شريف يونس الناشر: المركز القومي المصري للترجمة 2011
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©