السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقترح نقدي تركيبي لنظرية شعرية

مقترح نقدي تركيبي لنظرية شعرية
18 مايو 2011 20:12
على الرغم من اتهام الممارسة النقدية العربية المعاصرة بالدوران في فلك النظريات النقدية الغربية والارتهان إليها، فإن إسهامات بعض النقاد العرب تكشف عن خطأ مثل هذا القول، ولعل مساهمة الناقد المغربي الدكتور محمد مفتاح في مؤلفاته العديدة، والتي كان آخرها عمله الجديد الذي توزع على ثلاثة كتب حاول فيها تقديم مفاهيم موسعة لنظرية شعرية فاز عليه بجائزة الشيخ زايد للنقد في دورة هذا العام، لجأ الناقد إلى توزيع مقترحه للأنموذج الشعري الموسع على مبادئ ونظريات وانساق محاولاً الاستفادة من مصادر مشتركة عمل على دمجها وتركيبها من أوليات معرفية ورياضية ومنطقية وتنظيمية وحركية، بهدف توليد مفاهيم تلك النظرية، بحيث يمكنّه ذلك من الدقة في التحليل، والضبط في التأويل، والقدرة على إدراك العلاقات الوثيقة التي تقوم بين النصوص والمبدع والمحيط أو الواقع . حمل الكتاب الثالث، موضوع تناولنا هنا، عنوان “أنغام ورموز”، واختيارنا لهذا الكتاب نابعاً من كونه يشكل تتويجاً للمفاهيم والمعطيات التي قدّمها في الكتابين السابقين عبر ما يقوم به من تطبيقات، تتمثل في التفكيك الدقيق لنماذج شعرية مغربية ومشرقية عديدة، بغية تأكيد الدقة التي يتميز بها التحليل والقدرة على الضبط في تأويل تلك النصوص وفي الكشف عن العلاقة القائمة بين المرسل والرسالة والمتلقي. ومنذ البداية يشير إلى مكونات الأنموذج الذي يقدمه، ومناقشته لمسألة تحقيب المتن. هوية الكتابة ورمزية الفضاء ينتقل الناقد إلى مناقشة بعض القضايا التي يرى بأنها تشغل بال الشاعر المعاصر كما هو الأمر في مسألة هوية الكتابة الشعرية, ورمزية الفضاء والزمان بعد التمهيد الذي يصف فيه حركة الشاعر المعاصر وسط مناخ ثقافي متعدد الأمكنة والأزمنة والمشارب سمح له بالتفاعل مع القضايا الوجودية والإنسانية التي طرحها الفلاسفة والشعراء على مدى أزمنة مختلفة، فيحاول أن يستجلي ذلك في تجارب عدد من الشعراء المغاربة التي يستخلص منها ثلاثة موضوعات سماها بـ “موضوعة المحبرة وموضوعة الحبر وموضوعة الرَّحبة”، مبينا الكيفيات التي تجلت بها تلك الموضوعات وطرق التعبير عنها للكشف عن شعر التكوين ولحن الوجود. المسألة الأولى التي يناقشها في تجربة الشاعر المغربي المهدي اخريف هي مسألة (دلالة الصمت/ الصوت) و (البياض/السواد) التي تمثل كما يراها امتدادا لمعضلة التواصل باللغة أو بغيرها خاصة أن اللغة تعجز عن التعبير أحيانا، والمسألة الثانية هي انسلاخ الشخصية التي يرصدها من خلال الحديث عن الإبداع وعوامله وآثاره في الزمان وعن سلطة النص التي تتحكم في شخصيتي الشاعر الشعرية والعادية، ثم مسألة مقاصد النص الذي يتمتع بسلطة قوية ومستبدة على صاحبه. كذلك يتحدث عن سلطة الذاكرة لينتقل بعدها إلى تناول مجموعة من التجارب الشعرية المغربية الأخرى لاسيما المكون الموسيقي فيها والذي يجد أنه يشكل نواة اللغة والشعر الأمر الذي يدفعه إلى دراسة البنية الموسيقية في تلك الدواوين الشعرية السابقة، التي تمثلت خصائصها في العودة إلى التوافقية وتكرار الجمل مع بعض التنويع المتدرج . على مستوى أشكال الكتابة يعتمد الناقد مجموعة من الأعمال لتحليلها من خلال طريقتين: إحداهما أفقية وتتجلى في تتابع المقاطع الشعرية وتواليها مع رصد الحدود بينها بتكرار بعض التراكيب لتنمية الموضوعات، وثانيتهما عامودية. كما يدرس البنية الإيقاعية ممثلة بالوزن وما يستدعيه من مقاييس ثم يعمد لاستعراض الأساس الموسيقي لعدد من القصائد وإبراز أوجه التشابه بينها وبين الموسيقى . بعد الحديث عن أزمة الشعر والشاعر في ثلاث تجارب شعرية، يحاول الناقد رصد أصداء الحياة العالمية والعربية والمغربية في الآثار الإبداعية لاسيما ما كان منها متصلا بمصير الأمة. وتجنبا للمبالغات يقترح مجموعة من المفاهيم الإجرائية المرتبطة بصورة وثيقة بالنصوص المدروسة من خلال استخدام المفاهيم الواصفة المستمدة من الإبدال العلمي المعاصر، وذلك عبر ثلاث فقرات أساسية تختص أولاها بآليات تحقق النص، وثانيها بما قبل التحقق، وثالثها بما بعد التحقق. ويجمل الآليات التي يتحدث عنها في إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم الرائجة في تحليل الخطاب الشعري وفي السرديات ومنها مفهوم التناص في ضوء المعطيات العلمية والفنية والنصية، فيحاول دمجه مع غيره من المفاهيم في مقولة التذاكر، ثم يتناول مفهوم التناص الخارجي الذي يتألف من مكونات عديدة يحددها في أسماء الأعلام ولغة الحياة العادية ومناخ التمرد وروح شعراء ما بعد الحداثة وتأثير النقد المعاصر ، والتناص الداخلي الذي يجمله في التناص في مقطوعة واحدة والتناص بين المقطوعات ثم التبايض أو المساحات البيضاء في النص . وفي مجال التفاتن يتحدث عن علاقة الشعر بالتشكيل والموسيقى، وأخيرا يدرس مفهوم التشاكل حيث تتميز هذه الدراسة بالعمل التطبيقي على نصوص الشاعر حسن نجمي. وفي قراءته في ديوان محمد بنيس “ورقة البهاء” يسعى إلى بيان المعاني والدلالات بغية تنظيم الفوضى وعقلنة الهذيان ثم استقراء عماء الشاعر من خلال مؤشرات البياض ثم دراسة أسماء الأعلام والأماكن والمفردات اللغوية العادية، إضافة إلى دراسة المعنى وشكل المعنى ودلالات الدوال تالياً. ويجمل خلاصات القسم الأول من الكتاب في حديث التجارب عن هوية الكتابة بصفة عامة والكتابة الشعرية بصفة خاصة، والموقف من اللغة، وقضية البياض والسواد، إضافة إلى ما اعتمده الناقد من منهجية سيمائية عامة من الموسيقى واللسانيات وتحليل الخطاب بناء على فرضية التركيب للمصادر المشتركة المندمجة. الرموز ينحو في هذا القسم منحى جديداً يعتمد فيه على لغة مفهومية واصفة مستقلة لكي يكون للإبداع لغته وللنقد لغته؛ حيث يلاحظ نحته للعديد من المصطلحات الجديدة التي تعبر عن هذا التوجه وفي مقدمتها مصطلح ( الصومتة) أي أن يكون الصوت والصمت وجهين لعملة واحدة، وذلك في دراسته لديوان أدونيس “المسرح والمرايا” الذي يمزج فيه بين فنون مختلفة، فيبدأ بدراسة التفكير بالصوت والتفكير بالصمت ومن ثم التعبير بالموسيقى والتشكيل . ويعود إلى تلك الثنائيات في قصيدة “الأرض” للشاعر الراحل محمود درويش التي يركز فيها على إظهار تجليات تلك الثنائية المتمثلة في الحجارة والقيثارة والاستشهاد ومحبة الحياة والخيانة والوفاء اولاً ومن ثم إبراز الكيفيات الفنية التي قدمت فيها والكشف عن بنيتها اللغوية، وأخيراً البحث عن كيفية توليفها الموسيقي وبعدها القيام بدمج البنيتين اللغوية والموسيقية وتأويل استخلاص الدلالات والرموز. ويعود لدراسة ديوان الشاعر محمد بنيس الذي قامت نصوصه على رؤية ثنائية هي التبشير والنذير التي تعصم كما يرى عن الوقوع في شرك التخدير والتفاؤل الساذج؛ حيث جمعت نصوص الديوان بين أزمنة مختلفة وأمكنة متباينة وساهمت من خلال اختيار الأنموذج الديني المطلق في إلغاء الصيرورة التاريخية... وكان أن استخدم الناقد للوصول إلى تلك القراءة مناهج موسيقية ولسانية ورمزية وسيمائية في إطار رؤية موحدة لا تفرق بين الشكل والمضمون. وفي نهاية الكتاب يقدم حصيلة البحث التي يفصِّل فيها لتمكين القارئ من توظيفها وهي “الشعر في الدماغ” وتعتمد على تحليل الشعر بالموسيقى، وفي “الحركة الحياة” التي يتناول فيها الحركة النصية وطبيعتها، ويجليها في الحركة الموسيقية والحركة الجسدية المعبرة ودلالات الحركة وحركة النص وتنظيم الحركة وآليات تنظيمها .
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©