الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحق على القارئ!

الحق على القارئ!
15 مايو 2013 20:21
احتلت قصيدة النثر موقع الصدارة في الحوار الذي عقب أمسية ثقافية نظمها منتدى الرواد الكبار بالعاصمة الأردنية عمان بعنوان «الشعر الأردني وموقعه على خريطة الشعر العربي 2000 وحتى 2013»، وتموحورت أكثر الآراء حول جدوى قصيدة النثر، واختلاط الغث بالسمين في تجاربها، وكثرة أسماء من ينتمون إليها، ما جعل المشهد يختلط بشكل يصعب قراءته. وتبادلت نخبة من المثقفين مع الشاعرين الدكتور مصلح عبدالفتاح النجار ومحمد عبدالقادر سمحان، وهما المتحدثان في الأمسية الثقافية، الآراء والأفكار حول واقع القصيدة بالأردن ومستقبلها، وعزوا عدم انتشارها إلى تراجع الإعلام في تغطية ومواكبة الحركة الإبداعية بما فيها الشعر لدرجة ـ حسب رأيهم ـ وجود قطيعة مع الشعر بصورة خاصة في غياب وجهة نظر شعراء يعملون في الملاحق الثقافية بالصحف الوطنية. ولم يسلم القارئ من تهمة التقصير، لكن المتحدثين أوضحوا أن عدم اهتمام الجمهور بالشعر يعود إلى الإغراق في الذاتية وغياب أي قضية مركزية بالقصيدة، والعدد الهائل من القصائد والشعراء الذي أتاحته مواقع التواصل الاجتماعي دون توجيه أو أي عملية نقدية تصحح بوصلة هؤلاء الشعراء الذين استعانوا بالانترنت لنشر نتاجهم. وردد البعض مقولة أن الشعب العربي لا يقرأ قياسا بالشعوب الأخرى، وهذا يعود ـ حسب رأيهم ـ للظروف الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع أسعار الكتاب وتخلف النظام التربوي وعدم تركيزه على القراءة أو تأسيس الطفل في مرحلة مبكرة على عادة القراءة. واستشهد هؤلاء بدراسة لمنظمة اليونيسكو التي بينت أن كل خمسة مواطنين عرب يقرأون كتابا واحدا كل سنة، بينما دولة إفريقية كالسنغال يقدر متوسط قراءة الفرد الواحد فيها بخمسة كتب سنويا، في حين يقرأ الفرد البريطاني ما بين أربعين وخمسين كتابا مختلفا في السنة الواحدة. نزاهة الجوائز وفي مداخلته تحدث رئيس قسم اللغة العربية بالجامعة الأميركية في عمّان الدكتور مصلح النجار عمّا أسماه «كثرة الشعراء وغياب الشعر» وقال: إن العقدين الأخيرين شهدا غزارة في الإنتاج الشعريّ وكثرة في الدراسات وحضورا للأدوات الإعلامية وكثرة في النقّاد وسهولة في النشر. كما كثرت الجوائز الأدبيّة، وهنا يطفو سؤال النزاهة في هذه الجوائز، وكذلك الفعاليّات والمهرجانات واللقاءات والمؤسسات الثقافية ودعم النشر وتعددت الصحف والدوريات وتضاعف النشر. والمشكلة كما يراها الدكتور النجار «أن المنابر الثقافيّة تحوّلت من السياسيّ وفرض ذائقة وأسماء على الساحة الشعريّة إلى العلاقات الشخصيّة ومع الأسف لم يتم كسر احتكار المنابر». وخلص النجار إلى نتيجة مؤداها أن الشاعر الأردنيّ كان حاضرا في الساحة العربيّة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، وكان يتجاوزها أحيانا، وظل الأمر كذلك لما يزيد على ستة عقود ولكنّه تراجع تراجعا واضحا واختلفت اعتبارات الشهرة وعوامل الحضور فصارت عوامل غير إبداعية هي المعيار، ولذلك كثرت الأسماء وكثر النشر وكثرت الجوائز والدعوات للمؤتمرات والمهرجانات والمواسم الشعريّة وتراجع الحضور!. وتجدر الإشارة إلى أن النجار أصدر ثلاثة دواوين شعرية هي «يرموكيات1» و»يرموكيات 2» و»حتى الأشياء المكسورة» و»البرعم والمشنقة.. دراسة في شعر معين بسيسو». تكتلات شعرية من جانبه يرى الشاعر محمد سمحان أنه من الخطأ تقسيم الحركة الشعرية بالأردن إلى مراحل أو عقود أو أجيال أو مناطق، فالفصل بين ما اتصل عسف وانتهاك لتواصل مسيرة طويلة لم تنقطع لشاعرات وشعراء، إذ كيف يمكن الحديث عن مرحلة تبدأ بعام 2000 عن مجموعات غير قابلة للانفصال أو الانفصام مع من سبقوها في فترة التسعينات أو الثمانينات؟. ويعتبر سمحان أن الحركة الشعرية خلال العقد الماضي هي استمرار لدفق النهر الشعري الذي ابتدأ في العشرينات من القرن الماضي ونما وتطور لكنه تميز بوجود تكتلات وتجمعات شعرية، مثل: النوارس، وشعراء الحرية، والمجاز، وناشرون، وتجمع الشمال ـ نسبة لشمال الأردن ـ كما انتشر فيه وبسرعة وقوة واندفاع شعراء قصيدة النثر وشعراء التواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، وبرزت دور نشر تتبنى نتاج شعراء معينين وأنماطا معينة من الشعر. كما نمت خلال الحقبة المذكورة، برأي سمحان، ظاهرة توقيع الدواوين الشعرية واحتفالات الإصدارات وتبني مؤسسات رسمية وغير رسمية لتلك الاحتفالات، وتلك أمور لم تكن متوفرة أو متيسرة للجيل السابق، وأتيحت للشعراء الجدد فرص نشر نتاجهم في الملاحق الثقافية بالصحف والمجلات والصحافة المسموعة والمرئية أو مواقع التواصل الاجتماعي وهي الأكثر انتشارا، فاختلط الحابل بالنابل وبات تتبع الأسماء الشعرية ونتاجها نقديا من الأمور المرهقة. سوء فهم ووصف سمحان في مداخلته شعراء هذا العقد بالاندفاع والسرعة في نشر نتاجهم دون تدقيق أو تمحيص، والتأثر الشديد بالشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وإلى حد ما بأدونيس ونزار قباني وشعراء التصوف الإسلامي والنفري بصفة خاصة، وعدم الاهتمام والإهمال بمسائل اللغة والنحو والصرف لدى شعراء قصيدة النثر وبعض شعراء التفعيلة والبيت، إضافة إلى عدم مراعاة الأوزان والقوافي وغلبة النفس الرومانسي والغنائية والهم الذاتي والقلق الوجودي لدى غالبيتهم. ومن وجهة نظر سمحان فإن قصيدة النثر ما زالت تعاني من سوء فهم من قبل معظم من يكتبونها، وإلى ما يشبه الجهل بشروطها ومواصفاتها، وهي بحاجة ماسة لنقاد وأكاديميين يتحدثون عنها ويمارسون على شعرائها نقدا موضوعيا غير مجامل، رغم محاولة بعض شعرائها إحاطة أنفسهم بهالات متوهجة من الجوائز والشهادات غير الموضوعية بحكم مواقعهم التي يشغلونها في الوسط الأدبي والثقافي، وتلك إحدى آفات النقد في أوساطنا الأدبية والثقافية، وهم بحاجة لمن يوجههم ويأخذ بيدهم شأنهم في ذلك شأن غيرهم من شعراء قصيدة النثر بالوطن العربي. ومن الجدير ذكره أن سمحان أصدر ستة دواوين شعرية هي «معزوفتان على وتر مقطوع» و»أناشيد الفارس الكنعاني» و»أنت أو الموت» و»أبجدية العشق والجنون» و»أقانيم» و»الأبدتان».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©